أفريقيا والقضية الفلسطينية
السنوات العشر (2012 – 2022)
مرت العلاقات بين دول القارة الافريقية والقضية الفلسطينية بفترات شد وجذب، ولم تكن هذه العلاقات على نفس الوتيره، بل تأثرت بعوامل انعكست على شكل العلاقة بين أفريقيا وفلسطين،طبعا مع الأخذ بعين الاعتبار أننا نتحدث عن حوالي 56 دوله تشكل قارة أفريقيا، وغالبا ما يكون هنالك تباين واختلاف في مستوى التعاطي مع القضيه الفلسطينية على مستوى الدول منفردة.
وسأتناول هنا العلاقة بين افريقيا والقضيه الفلسطينية وتحديدا في السنوات العشر الأخيرة.
أفريقيا:
أفريقيا هي القارة التي تتوسط قارات العالم القديم، وهي ثانية قارات العالم مساحة إذ تبلغ مساحتها حوالي 30 مليون كلم2. وتملك دولها التي يصل عددها إلى 54 دولة خصائص مشتركة لكنها تختلف اختلافا بيننا في المساحة وعدد السكان والموارد الاقتصادية.
فنيجيريا هي أكبر دولة من حيث عدد السكان الذين يقدر عددهم بحوالي 111.5 مليون نسمة (عام 2000) في حين توجد سبع دول مستقلة في القارة لا يتجاوز عدد سكان كل منها مليون نسمة، وتعد سيشيل هي الدولة الأصغر من حيث عدد السكان الذين قدروا بحوالي 77 ألف نسمة. أما إجمالي عدد سكان القارة فيصل إلى حوالي 783.5 مليون نسمة (عام 2000(أُسس الاتحاد الأفريقي في 9 يوليو/تموز 2002 بديلا لمنظمة الوحدة الأفريقية، استلهاما لتجربة الاتحاد الأوروبي، وسعيا لتوحيد الرؤى السياسية والاقتصادية لدول القارة، وتسهيل الاندماج بينها، لكنه أخفق مرات عديدة في معالجة إشكالات وأزمات سياسية واقتصادية بين دول الاتحاد.
أفريقيا والقضية الفلسطينية استعراض تاريخي:
يمكن تقسيم العلاقة بين أفريقيا والقضية الفلسطينية الى عدة مراحل :
أولاً : من عام 1948 الى عام 1967 م: جاءت هذه الفترة بعد احتلال فلسطين وما رافقه من ردود فعل دوليه حول الاحتلال، ولعل دور أفريقيا في هذه الفتره كان ضعيفا و مشتتا، إذ أن هذه الدول كانت لا زالت تحت الاستعمار ، أو في بدايات التحرر، وبالتالي كانت تحتاج لإعادة بناء ذاتها وتشكيل كيانها، لذا من المؤكد أن القضية الفلسطينية لم تكن أولوية لدى جزء من هذه الدول، خاصة الدول غير العربية، اذ أن الدول العربية الافريقيه تبنت قضية فلسطين منذ البداية بل أرسلت جنودها لتحارب في فلسطين عام 1948.
ثانياً: بعد تشكيل منظمة الوحده الأفريقية: في 25 مابو (أيار) 1963 في أديس أبابا، إثيوبيا، وافقت 32 دولة أفريقية حققت الإستقلال في ذلك الوقت لتأسيس منظمة الوحدة الأفريقية،. لتشكّل هذه المنظمة أول جسم يجمع دول أفريقيا،إن اهتمامها بالقضية الفلسطينية عموماً لم يبدأ الا بعد حرب الخامس من حزيران عام 1967م. وكان ذلك بتأثير من الدول العربية الأفريقية تعبيراً عن تضامنها مع مصر العضو المؤسس والهام في منظمة الوحدة الأفريقية.
أما قضية القدس فقد تناولها مجلس وزراء منظمة الوحدة الأفريقية في مؤتمره الاستثنائي لدورته الثامنة غير العادية المنعقدة في 19-21/11/1973م في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا لأول مرة بالمناقشة واتخذ قراراً بشأنها تضمنه البند الخامس من قراراته والذي خصصه للوضع الخاص بمدينة القدس اذ نص على “رفض مجلس الوزراء الأفريقي أي تعديل للوضع في القدس واعتبر اجراءات الضم التي تعرضت لها المدينة المقدسة لاغية ومرفوضة وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 252 لسنة 1968 وقراري الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2253 بتاريخ 4 تموز/ يوليو لسنة 1967م ورقم 2254 بتاريخ 14 تموز/ يوليو سنة 1967م”.وجرى تناولها كذلك في الدورة (22) لمجلس وزراء منظمة الوحدة الأفريقية المنعقدة في العاصمة الأوغندية كمبالا في نيسان (1974م). وقد تضمن القرار (331) الصادر عن هذه الدورة عدة مبادىء تتعلق بالقضية الفلسطينية أهمها:الانسحاب الكامل للقوات الاسرائيلية من جميع الأراضي العربية التي احتلت منذ حزيران 1967م. وتحرير مدينة القدس.وممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير مصيره”.
ثالثاً: ما بعد تشكيل الاتحاد الأفريقي: في عام 2002 تم تشكيل الاتحاد الافريقي الذي حل محل منظمة الوحده الافريقية، وضم حوالي 55 دولة افريقية.
تم قبول فلسطين كعضو مراقب في الاتحاد الافريقي وشكل الاتحاد كُتلة تصويت في الامم المتحده ساهمت كثيرا في التصويت لصالح القضية الفلسطينية في القرارات المختلفة، واتجهت الدول الافريقية لقطع علاقاتها مع "اسرائيل" ، وطبعا لا يعني ذلك ان "اسرائيل" لم تُحدث اختراق في الدول الافريقية بل استطاعت الوصول لاكثر من دولة افريقية واقامة علاقات معها مثل مصر وكينيا وتشاد ومؤخرا السودان والغرب.
يمكن القول إن الدعم للقضية الفلسطينية أفريقيا ارتكز على عاملين أساسيين، الأول مواقف رسمية للدول والتحالفات العربية والإقليمية والدولية، وثانيا مواقف غير رسمية وشعبية، تتمثل في تجمعات والمنظمات والتيارات السياسية، غير دور منظمات التعاون الأفريقية، ومنظمات التعاون الأفريقي العربي، انقضى المستوى الأول بغياب النظام العربي وتفتته إجمالا مع حرب الخليج وغزو العراق، وقبلها مع مرحلة التسوية، ومع ضعف منظمة التحرير الفلسطينية لم يعد ممكنا الحديث عن دور عربي فلسطيني فاعل في أفريقيا يقوم على مؤسسات ذات أثر، أما المستوى الثاني والذي ارتبط بحركات سياسية حاضنة للحق الفلسطيني فقد تراجع بتراجع الحركات العمالية والنقابية واليسارية في أفريقيا والعالم أيضا (هذا لا ينفي وجود يسار متأثر بالدعاية الصهيونية)، وتلك الأحزاب كانت تتبنى سردية تحرير فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة، واستخدامه كافة أشكال المقاومة لتحرير أرضه وكان لها وجود وتأثير في دول أفريقية.
العوامل التي ساهمت في تراجع القضية الفلسطينية افريقيا:
لوحظ مؤخرا تراجع في مكانة القضية الفلسطينية على المستوى الرسمي الافريقي، وظهر ذلك من خلال :
- تراجع التصويت لصالح القرارات المتعلقة بفلسطين من خلال الامتناع عن التصويت أو تصويت بعض الدول ضد قرارات لصالح فلسطين
- ارتفاع في عدد الدول الافريقية المُطبعة مع "اسرائيل" اذ بلغ عدد الدول المطبعه مع "اسرائيل" 46 دولة افريقية.
- لم تعُد القضية الفلسطينية من أولويات لقاءات الاتحاد الافريقي
- قبول "اسرائيل" كمراقب في الاتحاد الافريقي عام 2021 في اجتماع اديس ابابا.
وعند دراسة العوامل التي أدت لهذا التراجع، برزت العوامل التالية:
1- التطبيع العربي –"الإسرائيلي" ابتداءا من اتفاقية السلام المصرية –"الاسرائيليه" مرورا باوسلو وليس انتهاءا باتفاق ابراهام، لذا بات من غير المنطقي مقاطعه الدول لــ "اسرائيل" بينما الدول العربية تُطبع مع "اسرائيل: ( لا تكن ملكيا أكثر من الملك).
2- ترى الدول الأفريقية في إسرائيل وجهة للاستفادة من الخبرات والتقنيات الإسرائيلية في مجالات الأمن والتكنولوجيا والتطوير الزراعي والري والمياه، ومدخلاً لتحسين العلاقة مع الولايات المتحدة.
3- تراجع الدبلوماسية الفلسطينية والسياسة الخارجية الفلسطينية،خاصة بعد الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، وتراجع في دور وعمل ونشاط الدبلوماسية الفلسطينية.
4- الانقسام في المواقف العربية، وعدم قدرة الدول العربية على تقديم الدعم لدول افريقيا، وعدم التزام العرب بكامل التزاماتهم تجاه افريقيا.
5- ثورات الربيع العربي والتي أدت لحدوث تغيرات جذرية في بنية نظم سياسية لدول عربية افريقيه تبعتها حالة انكفاء على الذات لفترات طويلة وبالتالي انشغالها غعن القضية الفلسطينية وتراجع دورها كأولويات.
6- النشاط "الإسرائيلي" في افريقيا، وتشكيل اللوبي الافريقي داخل الكنيست "الإسرائيلي" والذي أعلن رسميا عن تشكيله عام 2016.
7- الارهاب، فقد ظهرت العديد من الحركات والتنظيمات الارهابية في افريقيا، وهنا سعت الدول الى الابتعاد عن صفة الدول الداعمة للارهاب وحاولت ضرب التنظيمات الارهابية في افريقيا وبالتالي انشغلت بنفسها أو على الاقل باقليمها الافريقي عن باقي القضايا الدولية ومن بينها فلسطين.
8- تغلغل الجماعات المؤيدة لإسرائيل كالكنيسة الإنجيلية في أفريقيا في السنوات الأخيرة.