ثقافة انتخابية "مجني عليها " في فلسطين ..

الانتخابات بذاتها علامة صحة للمجتمع، ومؤشر إيجابي على حيويته وسلامته، وعلامة تدلل على رقيه وتحضره. إلا أن سلامة العملية الانتخابية لا تتوقف على مجرد إجرائها ، بل ترتبط أيضا بمفاصل وتفاصيل عدیدة مرتبطة بها ومنها دوريتها وانتظامها، والثقافة الانتخابية المترسخة في هذا المجتمع .

هنا في فلسطين، ثقافة انتخابية " منزوعة الدسم " ، لا تحمل - في كثير من الأحيان - الجوهر الذي يجب أن تتمتع به لا في دوريتها ولا في احترام نتائجها .

للتوضيح بالمثال ، نبدأ مع الانتخابات الرئاسية في فلسطين .. فبعد ثلاثين عام على قيام السلطة الفلسطينية نجد أن الانتخابات الرئاسية لم تُجر إلا مرتين (عام 1996 ، وعام 2005 ) بينما يقضي النظام الانتخابي بإجراء الانتخابات كل خمس سنوات ..

ما ذكرناه عن الانتخابات الرئاسية ينطق على الانتخابات التشريعية فبدلاً من ست عمليات انتخابية كان المفروض أن تعقد خلال هذه العقود الثلاثة ، لم تُجر إلا مرتين (عام 1996، وعام 2006). ولم يجد صاحب القرار الفلسطيني حرجاً في تأجيلها مرة بعد مرة، حتى بعد أن تم تحديد موعدها، والبدء باجراءاتها، والوصول الى نقطة هي أقرب ما يكون منها، عام 2021. لتعود الأمور الى نقطة الصفر أو ما قبلها.

وعلى صورة مصغرة يمكن الحديث عن بعض النقابات والاتحادات التي لا تجري انتخابات، أو تأخذ انتخاباتها طابعاً شكلياً، لا يحمل في جوهره أي مقومات ديمقراطية حقيقية أو اختيار نزية.

أما الانتخابات الجامعية التي نعيش في ظلالها، فهي - وإن تمتعت بأجواء أكثر حرية -، إلا أنها عانت في بعض الأحيان مما عانى منه غيرها..

غداً تجري انتخابات مجلس الطلبة في جامعة النجاح الوطنية، فإن أخذناها نموذجاً سنجد أن الانتخابات تأجلت أو تم الغاؤها خلال العشرين سنة الماضية بقدر ما تم عقدها بل أكثر بقليل.. فالانتخابات الأخيرة في الجامعة كانت عام 2017، والتي قبلها عام 2013 . علما أن النظام يلزم إدارة الجامعة باجراء الانتخابات كل عام طبعاً وما يجرى في النجاح يجري في العديد من الجامعات غيرها . بل بعضها أنكى .

ورئيس مجلس طلبتها كذلك ، يجلس على كرسي الرئاسة منذ سنوات طوال ، وعمره يفوق عمر آباء بعض الطلاب.. وشواهد الاعتداء على "الثقافة الانتخابية " برمتها كثيرة ليس من اليسر الوقوف عليها ..

فما خطورة ذلك ..؟!

بالاضافة الى الاضرار المباشرة المتحصلة من الاعتداء على الانتخابات ومجمل الاجراءات الديمقراطية في إدارة الشأن العام .. أقول :

أن يستمرء الناس - كل في موقعه - تلك المشاهد والحالات، وأن يعتاد على رؤية الانتخابات تنتهك، وأنظمتها تُخترق، ومساراتها تنحرف و أن يتقبل عدم مشاركته في اختيار ممثليه، وأن لا يكون جزء من قرارات مؤسسته التي ينتمي إليها ... يعنى أن تصبح الانتخابات كمبدأ بالنسبة إليه شيئاً لا قيمة له. فتضمر الثقافة الانتخابية في عقله، ويضمر معها الشعور بالانتماء لهذه المؤسسة والحرص عليها.. ويعني أيضاً أنه قبل بأن يصنع غيره القرار الذي يخصه ھو ، دون أن يحرك ساكناً، وهو شعور لا يختلف كثيراً عن شعوره بالقبول بالاستعمار ..