لماذا على  الفلسطيني أن يقرأ التاريخ؟!

 

قراءة التاريخ على الرغم من أهميتها الكبيرة إلا أننا نجد معظم الناس لا يفضلون هذا النوع من القراءة، بسبب الاعتقاد الخاطئ أنّ قراءة التاريخ مملة الى درجة كبيرة، ويمكن القول أن هذا التصور عن قراءة الاحداث والاعمال التاريخية نابع من عدم إدراك الكثير لضرورة فهم حقل معرفي لا يقل أهمية عن أي حقول علمية ومعرفية أخرى.

الشعب الفلسطيني لديه خصوصية مع التاريخ، فقضيته تقوم على احداث تاريخية تسطر واقعه الى الآن.

الإلمام بالتاريخ ولا سيما تاريخ القضية الفلسطينية ينبغي أن يكون نقطة انطلاق لدى الشعب الفلسطيني لإحياء وتجديد الوعي بالهوية الفلسطينية المغيبة، فحروب التحرير من براثن قوى الاحتلال لم تكن لتتحقق إلا من خلال إشعال جذوة الهوية الوطنية، وهذا لا يُتصور حصوله إلا من خلال إحياء تاريخ القضايا الوطنية عند شعوب أهلها، وسأذكر هنا لماذا من المهم مطالعة التاريخ ودراسة تفاصيله:

 

يمكن من خلال التاريخ الحصول على حلول حقيقية لمشاكل تؤرق الواقع الذي نعيشه، ففي أفضل الأحوال يمكننا التاريخ من وضع يدنا على بعض الأمور التي نحتاجها اليوم، والتي -في الوقت نفسه- غير ظاهرة للعيان في عالم الوقت الحاضر. 

 

المجتمعات اليوم لديها هوس حول ما يحصل بشكل يومي، حيث إنّ البشر من غير وعي ينحازون للحاضر، عالم الأخبار اليوم يصب تركيزه على القوى الفاعلة في العالم بحيث لا تتجاوز نشاطاته الإخبارية عن دقائق او ساعات قد مرت، مع أنّ كثيراً من الأمور التي قد تساعدنا في معالجة مشاكلنا وتقديم الحلول لنا مثل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، تقع ضمن فترات طال عليها الزمن أي بكلمات أخرى تقع تحت إطار التاريخ.

 

نحن لسنا بحاجة الى مجرد أخبار، ما نحتاجه حقاً هي الأفكار الجيدة، ويمكن القول أن التاريخ مليء بهذه الأفكار، إنّ عدم رضاك على واقع الاقتصاد الفلسطيني غير كاف، فإذا عدت في التاريخ الى الوراء ستفهم كيف وصلنا الى هذه المرحلة من العجز الاقتصادي التام، قد يهمك قراءة امور مرتبطة بهذا الموضوع مثل تاريخ فلسطين في التجارة والزراعة، واتفاقية باريس الاقتصادية التي ربطت اقتصادنا بالاحتلال، وحرب 1948 وما نتج عنها من خسارة معظم الأراضي الفلسطينية، وتاريخ توسع الاستيطان وما نجم عنه من تقلص الأراضي الزراعية، وتاريخ الاتفاقيات الدولية التي حولت قضيتنا من قضية حول الأرض الى قضية مساعدات إنسانية.

 

التاريخ يُعلّم الناس أن الأمور حقاً تتغير ولا تبقى على حالها، فالتاريخ أثبت أن الوقائع لا تظل ثابتة، بل هناك متغيرات جديدة وكثيرة تفرض وجودها على الساحة، هذه الحقيقة دواء لمن يعيش على اليأس والإحباط حول مجريات القضية الفلسطينية، فبعد حرب عام 1967 وهزيمة الدول العربية، خرجت اسطورة أن الجيش الإسرائيلي لا يهزم، كاد الإحباط ان يجعل من العرب والفلسطينيين يصدقون هذه الأسطورة، الا أن جاءت معركة الكرامة بعد عام لتثبت أن هذه الأسطورة مجرد خرافة، وذلك عندما اشتركت قوات الجيش الأردني مع مقاتلي منظمة التحرير في معركة بطولية جعلت الشعوب العربية تفرح وتستيقظ على حقيقة أن بقاء الحال من المحال. وفي نفس السياق، من كان يتصور أنّ شعباً مُحاصراً براً وجواً وبحراً داخل حدود غزة يستطيع إذلال أحد اقوى جيوش العالم.

 

قراءة التاريخ تساعد في الخروج من قوقعة التصور الاستثنائي التي تعيش داخلها بعض الشعوب صاحبة القضايا، نحن لسنا أول شعب يقع تحت احتلال، بل التاريخ شاهد على شعوب أخرى عاشت احتلالات قد لا تقل سوءاً عما نعيشه تحت الاحتلال الإسرائيلي، وتمكنت في النهاية من الحصول على الاستقلال، فلو تقرأ عن احتلال المغول للعراق والاحتلال الصليبي لفلسطين واحتلال فرنسا للجزائر، فستشعر أن حالنا اليوم يستدعي الشعور بالتفاؤل والأمل مقارنةً مع ما مرت به هذه الشعوب.

 أنا لا أحاول نفي خصوصية القضية الفلسطينية عند الإنسان الفلسطيني، الطبيعي لصاحب القضية أن يشعر بخصوصية قضيته، لكن المشكلة أحيانا أنّ كثيراً من الناس يبالغون في التصور الاستثنائي لقضيتهم، الأمر الذي يجعلهم عرضة للوقوع في المغالطات والخرافات، فلو أردتُ مقاربة ذلك في مثال، هناك الكثير من الفلسطينيين يربطون قضيتنا بعودة المهدي المنتظر، بهذه النظرة الاستثنائية نجبر أنفسنا على الكسل والخضوع و قبول الواقع الذي نعيشه، مع أن ما ورد عن المهدي المنتظر لا يوحي على الإطلاق بقيام اليهود بفرض سيطرتهم على فلسطين. ما اريد الوصول له أن قراءة التاريخ تواسي الشعوب المضطهدة وتساعدهم بالعيش على الأمل وإمكانية التغيير.

    

 

أنا لا أحب مقولة أن الذي لا يعرف التاريخ محكوم عليه بتكراره، فهذه العبارة توحي أن التاريخ قائم فقط على الأخطاء، و من الأفضل القول إن الذي لا يعرف التاريخ لن يكون قادراً على تحسين حاضره، فيجب أن نتعامل في المستقبل مع التاريخ بالطريقة التي يتعامل بها الطبيب مع الأدوية، ففي البداية يجب تشخيص المرض لمعرفة ما نعاني منه وأيضا لمعرفة جذور المرض، و بعدها نرى الأسباب خلف فشل بعض الادوية في علاج المرض، و في النهاية نقرر ما هو الدواء الأمثل للمرض.