المفلس نتنياهو يستعرض في أنفاق المسجد الأقصى
منذرا خصوم إسرائيل بضربة مفاجئة
أثار عقد الحكومة الإسرائيلية اجتماعها الأسبوعي الأخير في نفق تحت الحرم الشريف غضب الفلسطينيين. جاء الاجتماع ردا على كلمة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ قال فيها إن ملكية الحائط الغربي تعود حصرا للوقف الإسلامي، وأنه لا علاقة لغير المسلمين بالمسجد الأقصى. من جهته قال نتنياهو خلال الاجتماع "ان المعركة لا تزال مستمرة من أجل وحدة القدس".
يذكر أن جلسة الحكومة الإسرائيلية كانت محددة منذ عدة أيام لعقدها في أنفاق حائط البراق الملاصق للمسجد الأقصى، وهي جزء من شبكة أنفاق واسعة تضم 57 نفقا حفرها الاحتلال، وبعضها كان جزءا من قنوات المياه التاريخية في القدس.
إن هذا الخطاب من عباس ورغم أنه معاكس لسياسته التنسيقية مع الاحتلال، الا أنه يستفز اليمين، والأهم أنه يناقض الرواية الصهيونية تماما التي تفشل حتى الان في اقناع العالم، إضافة الى جزء من اليهود، ان لهم موطئ قدم في قبلة المسلمين الأولى.
وأكد الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، أن "هوية القدس العربية بمقدساتها الإسلامية والمسيحية لن تغيرها تصريحات نتنياهو ولا الواقع الموجود بحكم الاحتلال، لأن هذا الاحتلال لن يغير التاريخ ولن يصنع مستقبلا، ووجود نتنياهو وحكومته إنما هو بقوة السلاح والاحتلال الباطل، ونهايته إلى زوال".
من جانبها قالت حماس: إسرائيل تصعّد حربها الدينية على القدس، وأكدت الحركة أن عقد حكومة الاحتلال اجتماعها في أنفاق حائط البراق "تصعيد خطير للحرب الدينية التي يشنها الاحتلال على المدينة المقدسة". مؤكدة ان "شعبنا الفلسطيني سيواصل قتاله ونضاله المشروع للحفاظ على هوية مدينة القدس العربية والإسلامية".
يريد نتنياهو أن يثبت أنه خرج متفوقا من جولة مواجهة مع قطاع غزة، وضد الجهاد الإسلامي تحديدا، لذا فهو يريد مواصلة الظهور بمظهر القوي والمتحدي أمام المقاومة الفلسطينية من ناحية، كما يريد تلبية رغبات اليمين المتطرف في حكومته من ناحية أخرى، الامر الذي يعزز من تماسك الحكومة واستمرارها لأطول وقت ممكن. لذلك سعى الى استغلال التوقيت مباشرة بعد انتهاء جولة القتال الأخيرة وركوب موجة مسيرة الأعلام ثم عقد الاجتماع في انفاق المسجد الأقصى لمراكمة تجسيد صورة القوة التي قد تعيد له من جديد شعبية حكومته التي تمنحها استطلاعات الراي تراجعا كبيرا.
لكن قراءة معمقة أكثر للمشهد تكشف أنه ورغم نجاح الاحتلال في عملية المباغته واغتيال قادة المقاومة، الا أن المقاومة أظهرت تماسكا واستيعابا للضربة بل وتفوقت في معركة الوعي وتوازن الردع وأدخلت معظم سكان الكيان الى الملاجئ لفترات طويلة، عدى عن استمرار اطلاق الصواريخ وبكثافة عالية طوال فترة المواجهة، كما أنه بات واضحا عدم رغبة الاحتلال في الدخول في مواجهة واسعة مع القطاع، ما يعني أن توازن الردع ما زال قائما رغم الفارق الكبير في القوة العسكرية .
إن الاعتداءات المتكررة في القدس تأتي كمحاولة من العدو لترميم صورته التي اهتزت بعد المس بهيبة الجيش الصهيوني من قبل المقاومة في غزة خلال معركة سيف القدس، ووحدة الساحات، وثأر الأحرار مؤخراً. هذا كله يأتي في ظل اجواء من الاستنفار والاستنزاف التي يعيشها الاحتلال منذ فترة تربك حساباته… لذلك هل تقدم اسرائيل على توجيه ضربة وقائية الى إيران او حلفاءها بهدف كسر هذه الأجواء وحتى لا يبقى الاستنزاف القائم لصالح المقاومة؟
هذه التطورات تأتي في ظل تراجع مكانة إسرائيل المحلية والاقليمية، عدى عن الآزمة الداخلية، والتطورات الاقليمية، وزيادة قوة محور إيران وحصولها على الشرعية الاقليمية وعلاقاتها مع روسيا والصين، كل هذا يعقد المشهد أمام إسرائيل، الذي يجعل الحرب من وجهة نظر اسرائيلية قد تكون أقل كلفة من بقاء الانحدار التدريجي. ولكنها تأتي في طل الحديث المتزايد عن ازمة اقتصادية جديدة، حيث تتزايد في الأيام الأخيرة المعطيات السلبية للاقتصاد الإسرائيلية، التي باتت تتنبأ بحالة ركود اقتصادي قريبة، مع استمرار وتيرة التضخم المالي العالية، وارتفاع كلفة المعيشة، وتحذير الخبيرة الاقتصادية الرئيسية، في وزارة المالية الإسرائيلية، من عجز إضافي في الميزانية العامة، على ضوء الصرف الزائد للحكومة، الذي يتصدّره دفق الميزانيات الضخمة على مؤسسات وجمهور المتدينين المتزمتين، الحريديم، علاوة على الميزانيات الضخمة أصلا التي يتلقونها.
فهل يكون الاحتلال يسعى من وراء استفزازاته في الأقصى والحديث عن حرب تلوح في الأفق الى تحقيق أحد امرين، اما يؤسس لقواعد اشتباك جديدة تنهي تعامله مع الوضع القائم في عدة اتجاهات، واما الى حرب وقائية بعيدة الاثر مع محور المقاومة.
وماذا تعني الحرب الوقائية في ظل التحدّيات التي تهدد التفوّق الجوي الإسرائيلي في مواجهة الأنواع الجديدة من الأسلحة التي لم تكن متوافرة سابقاً، مثل المسيّرات الهجومية القادرة على التسلّل إلى أراضي الخصم وضرب أهدافها بدقة، وأساليب الحرب السيبرانية التي من شأنها التشويش وعرقلة عملية الرقابة والتحكّم وزرع البلبلة وشلّ عمل البنى التحتية الحياتية؟
لكن السؤال الأساسي الآخر:
ماذا يعني مفهوم حرب وقائية في زمن الصراعات الحالية المسلحة التي شهدت تغيّراً جذرياً، وتحوّلت من حربٍ نظاميةٍ بين جيوش تابعة لدول إلى حرب عصابات وحروب تخوضها مليشيات مسلحة متغلغلة وسط السكان المدنيين، وليست لديها قواعد ثابتة كبيرة وأغلب قواعدها تحت الأرض؟
من أهم مبادئ الحرب الوقائية نقل المواجهة بسرعة إلى أراضي العدو، وإبعادها عن الجبهة الداخلية، بينما من الواضح، منذ اللحظة الأولى لاندلاع مثل هذه الحرب، أن جبهة إسرائيل الداخلية وبناها التحتية ومنشآتها الاستراتيجية ستكون عرضة للضرب، سواء بواسطة الصواريخ الدقيقة التي لدى حزب الله والمقاومة في غزة، أو المسيّرات الهجومية الإيرانية التي زوّدت بها إيران حلفاءها في المنطقة، ومن الصعب كشفها وأن تسقطها منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية على اختلاف أنواعها، ولا سيما في مواجهة هجوم صاروخي على أكثر من جبهة وفي وقت واحد.
والسؤال الأهم:
ماذا ستستهدف الحرب الوقائية؟ الترسانة الصاروخية لحزب الله في لبنان؟ المليشيات الموالية لإيران المتمركزة في سورية؟ حركتا حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة؟ أو منشآت نووية في إيران نفسها؟ بالطبع، لا إجابة شافية وقاطعة. لكن ما يدور في إسرائيل من جدل بشأن هذه المسألة والسيناريوهات التي يجري الحديث عنها هناك يشير فعلاً إلى الورطة التي تجد إسرائيل نفسها في مواجهتها مع خصومها والتخبّط وغياب استراتيجيا واضحة في ظل حكومة يمينية لديها أجندة داخلية بالدرجة الأولى، هي تغيير صورة دولة إسرائيل، بحيث تصبح دولة قومية دينية، والقضاء على الحلم الفلسطيني بدولة مستقلة، حتى لو أدى هذا إلى تحويل إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية. فضلاً عن أن نتنياهو نفسه خلال الحكومات الكثيرة التي ترأسها لم يتّخذ يوماً قراراً بشنّ حرب من أيّ نوع، بل خاض عمليات عسكرية محدودة ضد الفلسطينيين.
ومن الصعب أن نراه اليوم يدخل في مغامرةٍ عسكريةٍ جديدةٍ على أكثر من جبهة، يعلم تماماً أنه لا يضمن نتائجها.