في السيطرة والهيمنة الإمبريالية والثقافية على الشعوب العربية

 نرى أن الانتاج الرأسمالي-الشكلي الذي نمارسه ونتعايشه يوميًا هو نمط معاش وضعه الاستعمار الذي سبق البشرية الى الرأسمالية فامتلك القوة والإنتاج الكثيف والثروات والقوة العسكرية. فالناهب، وبعيدًا عن العوامل السياسية، جزأ لكي يفصل ما بين الموارد الاقتصادية وما بين الرأسمال البشري وأقام في فلسطين بالذات كيانًا اجنبيًا كإسفين يفصل بين عناصر السوق وتكامل حجمها، مدمّرًا بذلك اي فرصة مستقبلية لبناء اقتصادٍ طبيعي متكامل يتيح النمو والإنتاج العادي. بعد التقسيم الاعتباطي الذي جاء تتويجًا لعملية تدمير ممنهج للإنتاج الزراعي والحرفي المحليّين، حرص الناهب الدولي على أن يترك للسكان المحليين وسيلة للعيش تنحصر بريع الموارد الطبيعية فقط. وههنا حرص على أن يسلم " إدارة" هذا الريع الى قبيلة محددة اختارها المستعمر لكي توزعه على " الرعايا" ( العرب) كهبات ومكرمات ورشوة زبائنية هرمية يراد منها اعادة انتاج شروط التخلف الاجتماعي والاقتصادي بما يؤبد التبعية الى ما لا نهاية. هذا النمط يجعل من كل الناس ضحايا إجباريين لعائدات الريع لانه رئة العيش شبه الوحيدة.

فلا فرق بالنتيجة بين كيس الدنانير مقابل موقف سياسي وبين نشاط اقتصادي خدماتي لا يعيش الا من هذا الريع. نمط انتاج يتيح للناهب الدولي النهب بلا حدود ولأدواته سلطة كيانات مخصية ومفخخة من الداخل. منظومة النهب مركبّة من عناصر وظيفة كلّ منها خدمة اعادة انتاج ذاته عبر خدمة النهب الخارجي بالأساس. فالوحدة "المرغوبة" ليست استجابة لتاريخ " سابق" بل هي حاجة " حالية" للبقاء، هي حاجة الحاضر، حاجة نباتية غذائية لمن يريد أن يبقى حيًّا. الوحدة ليست استجابة لثقافات موحدة سابقة أو لتاريخ سابق بل هي حاجة الى التاريخ اللاحق: البقاء. وجغرافية الوحدة لا يحددها الماضي فقط على أهميته، بل تحددها عناصر البنية الاقتصادية المادية الضرورية لابقاء الناس أحياء. الناس في معاشها تحتاج الى موارد مادية وبشرية وأمن. هذه هي حدود كل تشكيلة اجتماعية.

كما نرى أيضا من ناحية ثقافية يحاول الناهب الدولي عبر ادوات "مفكرة" من ابناء جلدتنا ان يسوق لفكرة ان خصمنا اقوى منا بكثير وانه مهما فعلنا فلن نستطيع ان نكسر الهيمنة الخارجية. ويحاول هذا الفكر -السلعة ان يقنعنا بنعمة الاستسلام وفشل محاولة التحرر سلفًا. ولكي يقنعنا يستنتج ان كل محاولات الصد قد انتهت بحروب خاسرة مرفقةً وملفوفة بخطاب مزيف عن نصر مزعوم. ينسى هذا الفكر-السلعة ان الشعوب تراكم وتتعلم في معاركها وهي تلتقط وميض الأمل قبل هذا الصنف من النخب المستلبة بكثير. الشعوب تتعلم من خسائرها كما من انتصاراتها وهي تتابع تطور موازين القوى التي تسمح لها بالتحرر. والشعوب المضطهدة، بعكس "قناعات" هذا الفكر، تغتنم فرصة تراجع عدوها ومأزقه وفرصة تعاظم محور الصعود لكي تخلخل منظومة عدوها وتزيد من ازماته الوجودية. والشعوب المضطهدة لا تتحرك وفق اجندات فلان او علتان بل وفق التقاطها لهذا الأمل الواقعي الذي يقربها من تحقيق امالها بالتحرر والتقدم وبناء دولتها الكبرى. لذلك فإن محاولات التركيز على الخسائر في حرب الشعوب هذه وطمس هزيمة الإستراتيجيات العدوة هدفه واضح زرع اليأس وتوجيه الناس نحو تناقضات ثانوية تعمق الصراع فيما بينها او التركيز على مواضيع بائسة سلفًاولا تقود الا الى اليأس والاستسلام.

 

مقياس النصر أو الهزيمة في الحرب الامبريالية الحالية ليس في عدد الابنية التي دمرت بل في مدى نجاح المحارب بالاقتراب أو لا من تحقيق اهدافه. ولو لم يكن ذلك صحيحًا لما كان العدو يتخبط اليوم ويعاني ما يعانيه، لما كان العدو يواجه في كل مرة قوة أعظم من كل سابقاتها وأكثر كفاحية وعقلانية وتصميما.

مقياس النصر والهزيمة موجود في النتائج التي تلي الحرب وتعمق أو لا مشاكل العدو الداخلية وتزيد أو لا من القوى التي تواجهه.

مقياس النصر والهزيمة موجود كذلك في قدرة العدو على الردع أو الارتداع وليس في قوته التدميرية المعروفة سلفاً. مقياس النصر أو الهزيمة هو أخيرا في "الجو النفسي" الذي يميز النتائج فعندما تنتشر فكرة "نهاية الرحلة" في صفوف العدو وعندما تعلو الاصوات المنادية بالرحيل من جديد ، عندها لا يمكن القول بأننا " نحول الهزيمة الى انتصار مزيف".

معيار النصر والهزيمة له مقاييس عقلية وموضوعية وليس مواضيع انشاء في الصفوف الابتدائية كما يحاول عبثا الفكر الاورومركزي أن يسوق. فمن يريد تحررًا بلا اثمان هو ليس من هذا العالم هو عبدٌ يستأنس حياة العبودية ويعشق استقرارا موهومًا وهو مُستَلب، رأسه بالغرب ولا يعرف ان رجليه في مكان آخر. بعقلانية وبكل برود وهدوء يمكن القول ان الزرع قد اينع وان القطاف لم يعد بعيدًا العدو انهزم نعم لأنه فقد وظائفه ودخل في مرحلة الافول اسوة بمنظومة الناهب الدولي التي دخل راعيها الدولي بمرحلة افول كذلك.