هل مجتمعنا ذكوري يا ليلى غنّام ؟؟؟ 

 

 شاهدتُ حلقة بودكاست تمَّ فيها استضافة محافظ مدينة رام الله الدكتورة ليلى غنّام. طُرِحَت موضوعات عديدة في الحلقة، تضمنت تفاصيل عن حياة الدكتورة وآرائها حول أمور تَمس الواقع الفلسطيني مباشرة.

 وصفت الدكتورة المجتمع الفلسطيني بأنّه "مجتمع ذكوري"، وفي هذا الوصف تسير الدكتورة على نهج العديد من الجهات التي ترمي شعبنا الفلسطيني بهذا الاتهام دون بيان ما يقصدون بوضوح، ودون تكلف عناء وضع اليد على مكان الألم الحقيقي.

 

 عندما كنتُ أسمع أن المجتمع الفلسطيني "ذكوري"، كنتُ لا أعرف ماذا يُقصَد بهذا. انا لا أبالغ، فهذا حقيقي، وأي إنسان عاقل سوف يجد صعوبة في فهم معنى لفظ "ذكوري" عندما يقوم بإحاطة اللفظ من جوانبه اللغوية والقانونية والاجتماعية والعالمية.

 

 استخدام أي لفظ أو تعريف بغض النظر عن طبيعته يحتاج إلى معرفة مصدره، ومعرفة مَن الجهة التي تبنت استخدام هذا التعريف، وجعلت منه أساساً لإطلاق الأحكام على الجهات الأخرى. بعبارة أخرى أريد أن اعرف مَن قرر لفظ "مجتمع ذكوري" وما الأسس والمعايير التي انتهجها لإطلاق هذا الحكم على مجتمعات معينة، وهل هو نموذج يُحتذى به في التعامل مع المرأة واعتبار حقوقها.

 

 نحن المسلمون نعتبر القرآن الكريم والسنة النبوية مصادرنا التشريعية، ونستند عليها في الحكم على الأمور، لكن هل فعلاً مَن يحكم هو شرع الله؟ الشعوب العربية والإسلامية تُحكم وفق أنظمة علمانية غربية بعيدة عن الدين الإسلامي في كثير من التفاصيل، ولا يمكن إقحام الدين في معادلة لفظ "ذكوري"، لأن الدين لم تصل سلطته إلى مرحلة البت في هذا الموضوع.

 

 الإسلام واضح كل الوضوح في موضوع المرأة وحقوقها في جميع مراحل حياتها من المهد الى اللحد، والإسلام يقف بحزم في وجه من يتعرض إلى أصغر حقوق المرأة، ومن آخر وصايا النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع أَن استوصوا بالنساء خيراً.

 

 تحرير لفظ "ذكوري" ومعرفة المقصد وراءه يساعدنا في حل إشكالية "ظلم المرأة". كما قلتُ آنفاً هذا اللفظ لم يخرج مِن رحم الإسلام، ولو كان مصدره مِن العلوم الاستشراقية الغربية، يسقط اللفظ تماماً ولا يؤخذ به، وبمجرد مراجعة الأرقام والإحصائيات التي تشمل الاعتداءات على النساء وانتهاك حقوقهن في العالم الغربي، لن يبقى الغرب بالنسبة لأي إنسان مرجع و ثقة في موضوع لفظ "ذكوري"، و إن كان اللفظ مصدره ما جرت العادة أن ينطلق على ألسنة الناس، فمنذ متى نقع في رحمة ما يشيع على السنة ونحن نعتبر أنفسنا شعباً متحضراً، و ديننا الحنيف يحثنا على اتباع الحق حتى لو كان على حساب ما "ألفينا عليه آباءنا".

 

 يشيع استخدام لفظ "مجتمع ذكوري" لدى النسويات في المجتمع الفلسطيني، وانتقل هذا اللفظ الى الناس نتيجة تناقله بالألسن دون تحري المقصود به. النسويات مشكلتهن ليست بحقوق المرأة، النسويات تريد من المرأة أن تصبح رجلاً، وهذا سمعتُه من بعض النساء مِمّن انعتقنَ من جحيم النسوية وخرجن ليهاجمنها وكانت شكواهن سببها أن النسوية لا تريد أن تكون امرأة بل رجلاً. وكذلك النسوية تحارب بشراسة للخروج من عباءة الدين، وقوانين المجتمع، وتسعى إلى الحرية المطلقة التي تمكنها من فعل ما يحلو لها، حتى لو كلّف الأمر الكفر بكافة تشريعات المجتمع وأديانه وعاداته.

 وقع الكثير من الناس في خلط بين "حقوق المرأة المهضومة" و " المجتمع الذكوري"، وهنا نحتاج الى وقفة صغيرة لمراجعة كلا الأمرين.

 

 هل حقوق النساء مهضومة في المجتمع الفلسطيني؟، المرأة في مجتمعنا تتكافأ مع الرجل في حقوق التعليم والرعاية والصحة، وتزاحمه حتى في ميدان العمل والدكتورة ليلى نفسها خير شاهد على ذلك، فالمنصب الذي تعمل فيه يثبت أن للمرأة جميع الفرص التي تخولها الوصول إلى مسيرة عمل مرضية. مع أنّ الرجل غالباً يتحمل عبء تحمل التكاليف المادية للزواج وتدبير شؤون واحتياجات الأسرة المادية. المرأة لا تتزوج عن غير رضاها، ولا أحد يحق له إجبارها على ذلك سواء على المستوى الشرعي أو القانوني، ويحق لها في حالة الطلاق الحصول على النفقة والمهر الآجل حسب مقتضيات القانون. ويحق للمرأة المطالبة بإنهاء الزواج في حال عدم رضاها عن حياة الزوجية وكذلك أيضاً ضمن قوانين الشرع والدولة. .

 

 المرأة في مجتمعنا لها تقدير واحترام خاص في مراحل حياتها كافة، فهي الأخت والزوجة والأم والجدة، والتعرض للمرأة بسوء هو نسف للأعمدة التي يقف عليها المجتمع بأكمله.

 

 هل أنا أنكر أنّ هناك شواهد معينة تتعرض فيها المرأة الى الظلم وهضم الحقوق؟ وهل الظلم يقع عليها لأن المجتمع ذكوري بطبعه؟ المجتمع الفلسطيني يعيش اسوأ مراحله من ناحية هضم الحقوق، والتعدي على الحريات، كل الشعب الفلسطيني يعاني بطريقته الخاصة، الأزمات ضربت الموظف الذي يعيش على راتب قليل، والمعتقل السياسي الذي يقضي مراحل مهمة من حياته في السجون والملاحقة بسبب آرائه، والعامل الذي لا يحصل على حقوقه كافة ،والطالب الذي لا يكاد يذهب إلى الدوام و سرعان ما يعود بسبب الإضراب ،والفقير الذي لا يجد قوت يومه ولا أحد يدري عنه، والمريض الذي يعاني في مستشفياتنا بسبب إمكانياتها الضعيفة، والعائلة التي لا تجف دموعها بسبب موت أحد ابنائها هنا أو هناك إثر الشجارات التي تضاعفت بسبب انعدام الأمن وفقدان الرادع، و القائمة تطول بسبب كثرة المظلوميات في مجتمعنا.

 

هل تستطيع الدكتورة القول أن الأزمات المذكورة تقف خلفها الحكومة الفلسطينية؟ وهل توقف الأمر على حقوق المرأة حتى نَصِف المجتمع الفلسطيني بأنه "مجتمع ذكوري". 

عطوفة المحافظ نحن لا نملك مجتمعا أساساً حتى نقول إنه ذكوري بطبعه.