الحرية والمعرفة وعلاقتهما بالتنمية البشرية

مقالات
نسخ الرابط: https://almaidan.info/posts/146

الحرية والمعرفة وعلاقتهم بالتنمية البشرية

بقلم ثامر عبد الغني سباعنه – فلسطين

 

تناول أحد تقارير الأمم المتحدة للتنمية في العالم العربي، تناول العلاقة بين الحرية والتنمية ، وتقرير آخر علاقة المعرفة بالتنمية، وتم الربط بين إحداث التنمية الحقيقية في العالم العربي مع المعرفة وكذلك الحرية.

الحرية هي قدرة الفرد دون إجباره، أو مساومته بشرط أو ضغط خارجي، على اتخاذ قرار، أو تحديد خيار من جملة خيارات مُتاحة، ومن تعريفات الفلاسفة والكتاب كفولتير الذي قال حول الحرية :"أنا لست من رأيكم ولكنني سأصارع من أجل قدرتكم على القول بحرية" وهذا يوضّح أنّ مفهوم الحرية أيضاً قد يتعلّق بالرأي والتعبير عنه، وإتاحة الفرصة، وبذل الجهد حتى يتمكّن الآخرين من التعبير عن آرائهم أيضاً، والحرية أحد الأركان الأساسية لاحداث التنمية بمعناها الشامل، فالحديث عن التنمية من منظور اقتصادي فقط هي نظرة قاصرة غير دقيقة ووصف غير مكتمل للتنمية،تُعتبر التنمية من العناصر الأساسيّة للاستقرار والتقدّم الاجتماعي والإنساني، وهي عبارة عن عمليّة تقدّم ونمو تكون بشكلٍ جزئيّ أو شامل باستمرار، تتفاوت بأشكالها، وتُركّز على تحقيق الرقيّ والتقدم في مجالات الحياة الإنسانية، والمضي قدماً بالإنسان نحو الاستقرار المعيشي والرفاهية، وتلبية متطلّباته بكل ما يتماشى مع احتياجاته وإمكانياته في كافة المجالات، فالاصل تناول التنمية من منظور أشمل واوسع، وسواء كان الحديث عن التنمية الاقتصادية أو المفهوم الاشمل للتنمية نجد قيمة وأهمية الحرية في إنجاح هذه التنمية، فلا يمكن للمظلوم أو المسلوب من حريته أن يبدع أو يُحدث تنمية، ودون الحرية ستكون المعرفة مشوهه مرتبطه بالأنظمة أو القوى المُؤثره ، وبالتالي سترتبط هذه المعرفة بثقافة وتوجه وارادة صاحب القرار.

لا تقف الحرية عند ممارسات الانظمة السياسية القائمة ، ولا شكل الحكم – وإن كان له أثر كبير وملحوظ في موضوع التنمية- وتساهم الحرية الى حد كبير في احداث تنمية انسانية من حيث شعور المواطن بكرامته وقيمته وبالتالي يمتلك الدافعية للابداع والتحفيز للتنمية والبناء وإحداث التغيير نحو الافضل، كذلك دور الحرية في سماع صوت المعارضه والنقد البناء وبالتالي المحاسبة وبناء المؤسسات على اسس سليمه صحيحة اقرب الى الديمقراطية، والحرية تتضمن حرية الحصول على المعلومة وبالتالي المعرفة السليمة والتي تؤدي الى قدرة اكبر للابداع والنجاح.

عندما يتجاوز الشعب مستوى تنموياً معيناً، يصبح رافضاً للاستبداد والقمع، وعليه، تصبح القوانين الشفافة، المؤسسات المسؤولة والفضاء السياسي والنقابي الحر ضرورة مهمة، ونجد أن تجارب عالمية مختلفة تدخل في هذا الإطار كماليزيا وتشيلي، وكذلك كوريا الجنوبية التي تجاوزت أزماتها الاقتصادية من خلال الاتفاق الضمني للمستبد العادل، في حقبة الجنرال بارك شونغ-هي، من خلال عدم تدخل الشعب في القرارات السياسية وتوفير الحاكم الشروط الأساسية للمعيشة، لتتحول فيما بعد إلى دولة ديمقراطية مدنية تنبذ الاستبداد، وتحث الخطى نحو الازدهار الاقتصادي، عبر التحاقها بركب الدول المتقدمة.

رغم ما يعانيه عالمنا العربي الإسلامي من مصاعب، إلا أن هناك توجها متناميا في الثقافة العربية  الإسلامية يربط، بشكل وثيق، بين مقومات الحرية والعدل والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، على تفاوت نسبي في ترتيب الأولويات بينها. وهو ما من شأنه أن يقود إلى إرساء أسس نموذج عربي في “الحكم الصالح ذي نزعة إنسانية قوامها الحرية والإبداع والعدل والرفاهية والكرامة والنزاهة والخير العام” يتجاوز المفهوم الليبرالي الضيق المرتبط بالتجربة الغربية، الذي يقصر الحرية على الحقوق والحريات المدنية والسياسية ويربطها بفكرة المواطنة والديمقراطية، ويتبنى مفهوما أشمل للحرية ” يضيف إلى الحريات المدنية والسياسية، التحرر من جميع أشكال الحط من الكرامة الإنسانية مثل الجوع والمرض والجهل والفقر والخوف. ليتسع لكامل محتوى منظومة حقوق الإنسان؛ أي للحريات المدنية والسياسية بالإضافة إلى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، والثقافية والبيئية.[1]
وإجمالاً، الحرية والتنمية متلازمتان لا غنى عنهما، والتكامل بينهما واضح بما يعزز العدالة الاجتماعية، كحالة ينتفي فيها الظلم والاستغلال والقهر والحرمان من الثروة أو السلطة أو كلتيهما، ويغيب فيها الفقر والتهميش والإقصاء الاجتماعي، وتنعدم الفروق غير المقبولة اجتماعياً بين الأفراد والجماعات والأقاليم داخل الدولة. علاوة على ذلك، يتمتع فيها الجميع بحقوق اقتصادية واجتماعية وسياسية وبيئية متساوية وحريات متكافئة، ويعم فيها الشعور بالإنصاف والتكافل والتضامن والمشاركة الاجتماعية. كما يتاح فيها لأعضاء المجتمع فرص متكافئة لتنمية قدراتهم وملكاتهم وإطلاق طاقاتهم من مكامنها، وحسن توظيفها لصالح الفرد، فلا يتعرض فيها المجتمع للاستغلال الاقتصادي، وغيره من مظاهر التبعية من جانب مجتمع أو مجتمعات أخرى.[2]

راس المال المعرفي أحد أركان التنمية الشاملة ولعل التطور التكنولوجي السريع والتطور في العلم بشكل عام زاد من قيمة ومكانة المعرفة، والمعرفة هنا يمكن الحديث عنها من خلال عدة أُطر:

- التنشئة وارتباطها بنشوء وتربية الطفل واعداده ضمن قيم يتربى عليها وتكون رصيد ثقافي له.

- التعليم ويتناول سنوات التعليم التي يمر فيها الانسان من الروضه الى المدرسه الى الجامعه والتعليم العالي، وكذلك البحث العلمي ومقدار انتاج الانسان وما قدمه في المجال العلمي .

- الترجمة بكل ما اشتملته من نتاج وقيمة للمواد المترجمه

- الاعلام سواء المكتوب والمنشور والمقروء وحتى الاعلام الحديث عبر الانترنت .

وبالعودة للاطر الاربع السابقة يمكن ملاحظة اهمية الحرية ودورها وتأثيرها الواضح في هذه الاطر، ومدى تاثير الحرية في قيمة المعرفة ، كذلك مدى تأثير الدولة عل هذه الاطر ومدى اسهام الانظمة في رفع او خفض هذه الاطر لتكون ذات انتاجية ودور فعال ومهم في التنمية او العكس.

بالمعرفة يستطيع الناس اكتشاف الأمراض وأسبابها وعلاجاتها والتحرر من تلك الأمراض وتقوية أجسامهم ومنحهم القدرة على مزيد من الإنتاج والعطاء، وبالمعرفة تستطيع الشعوب اكتشاف الوسائل التي تمكنها من حماية بلدانها وتحصين حدودها ومنع عدوها من الاقتراب منها والتحرر من أيّ طامع أو غازٍ أو محتل، وبالمعرفة تستطيع الشعوب التخلص من اعتمادها التامّ على الآخرين والتحرر من إملاءات هؤلاء الآخرين التي تقيد إرادات تلك الشعوب، وبالمعرفة يستطيع كل فرد أن يتعلم كيف يتعامل مع كل من حوله فيجتنب أي إضرار بهم وأي ضرر قد يلحق به.[3]

واستعين هنا بكلمة للدكتور حسن أيوب  : ( لا يوجد تنمية بمعناها الشامل دون رأس مال معرفي ولا يتأتى بناء رأس المال المعرفي بلا حرية).

بالعودة للعلاقة بين مجتمع المعرفة والحرية ، لابد من وجود وتوفر الحرية لاقامة مجتمع المعرفة للسير نحو التنمية الشاملة، كذلك المعرفة السليمة طريق للحرية وبالتالي التنمية.



[1] عبدالسلام طويل،في العلاقة الوظيفية بين الحرية والتنمية https://www.massarate.ma/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B8%D9%8A%D9%81%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%85%D9%8A%D8%A9.html

[2] يونس بلفلاح،الحرية والتنمية اي علاقة https://www.alaraby.co.uk/opinion/2015/8/6/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D9%8A-%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A9

 

[3] صلاح جرار،المعرفة والحرية http://alrai.com/article/10427076/كتاب/المعرفة-والحرية