"العودة للبؤرة حومش" ..مخطط عسكري ينفذه المستوطنون
الكاتب محي الدين نجم
في حدث وصف بالخطير اقتحم مجموعة من المستوطنين على رأسهم وزير المالية بتسلإيل سموتريش البؤرة المخلاة"حومش" الواقعة جنوب مدينة جنين والتي تم إخلاؤها بموجب قانون فك الإرتباط عام 2005، وتكمن خطورة هذا الإقتحام بإحضار ما يسمى"كرفان" لإقامة مدرسة دينية في البؤرة المخلاة.
وقد تناول الإعلام العبري هذا الحدث بردات فعل متناقضة؛ ما بين مؤيد لهذه الخطوة ومعارض لها، بالرغم من أنها جاءت بدعم من وزير الدفاع الإسرائيلي "غالينت".
إلغاء القانون
ومن المعلوم أن مستوطنات شمال الضفة الغربية التي تم إخلاؤها في العام 2005 بموجب قانون فك الإرتباط وهي "جانيم" و"كديم" و"حومش" و"سانور".
وفي وقت لاحق صادق الكنيست الإسرائيلي بالقراءتين الثانية والثالثة على إلغاء بنود هذا القانون في 21 من مارس الماضي من هذا العام.
وعقب رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست يولي إدلشتاين في حينه "لقد صادقنا على إلغاء قانون الإنفصال، هؤلاء الناس الرائعون سيعودون إلى أرضهم وأرض عائلاتهم، ولن يعودوا بعد الآن مخالفين للقانون".
وقد جاءت العناوين كحدث بارز ومهم وهذا ما يعكس حالة من رضى الحكومة اليمينية المتطرفة، وكان من أبرز تلك العناوين:
حيث ذكر موقع واي نت العبري
"تشييد مدرسة دينية في بؤرة حومش في "عملية ليلية سرية" والقفز عن القانون، و مسؤولون أمنيون صهاينة عقبوا على ذلك بالقول "إن هذا العمل قد يشعل النار في المنطقة".
ضبابية الموقف
وذكرت صحيفة معاريف وتحت عنوان "توترات بين الرتب العسكرية والسياسية" أكد الجيش الإسرائيلي أمس أنه تلقى توجيهًا صريحًا لا لبس فيه بعدم تطبيق القانون والسماح بنقل المدرسةالدينية لبؤرة "حومش"خلافًا للقانون الذي ينص على أنه لا يمكن تشييد المباني دون عملية منظمة.
وأوضح موقع صحيفة يسرائيل هيوم العبري: بأن هذه الخطوة جاءت كمقدمة لإقامة البؤرة بشكل كامل، و أن غالينت وجه الجيش الإسرائيلي للتوقيع على أمر يسمح للمستوطنين بإقامة مدرسة دينية سراً، وقد حاول المستوطنون إحضار مبانٍ متحركة وجرارات إلى الموقع الجمعة الماضية بأمر من المستوى السياسي ، لكن الجيش الإسرائيلي أوقفهم.
وأكد الموقع أن وزير الدفاع غالينت قدم هدية للمستوطنين بإقامة البؤرة، انسجاما مع مخططاتهم المدمرة والتي جاءت على حساب أمن إسرائيل ومستقبلها وديمقراطيتها، وقد أثبت غالينت أنه لا يهتم بغالبية الشعب ومئات الآلاف الذين ساندوه بعد "طرده" ، فهو يهتم بالمستوطنين الفوضويين ومصالح نتنياهو.
وقد حضر أمس يوسي دغان رئيس مجلس مستوطنات ما يعرف بيهودا والسامرة لمكان البؤرة المخلاة ووضع على باب الغرفة التي ستستخدم كمدرسة دينية ما يسمى "المزوزا" أي عضادة الباب وهي قطعة خشبية بداخلها ورقة تحتوي شعارات أو تعويذات دينية يهودية يضعها اليهود على مداخل بيوتهم.
لحظة تاريخية
وصرح دغان"هذه لحظة تاريخية - وعلى بعد خطوات قليلة فقط من تصحيح الظلم الرهيب لترحيل ساكني بؤرة حومش، والتي منذ ترحيلهم ونحن نعمل ليلا ونهارا لتصحيح هذا الظلم من إخلاء سكان هذه البؤرة وغيرها من البؤر .
فيما حضر للمكان عدد من قيادات المجالس الإستيطانية في الضفة الغربية لمباركة هذا الفعل والثناء عليه، ومن بينهم شموئيل فاندي الرئيس التنفيذي لبؤرة حومش الذي قال " إتخذنا هذه الليلة خطوة هامة وكاملة نحو إقامة وتشييد البؤرة وإقامة معهد ديني فيها".
وعلق وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفيرعلى تلك الفعلة بالقول “إقامة المدرسة الدينية في حومش هي لحظة تاريخية مثيرة ترمز إلى الإنتقال من حكومة التدمير إلى حكومة بناء وتطوير إسرائيل بأكملها”.
إدانة وقلق
وتعقيبا على ما سبق :
اكتفت السلطة الفلسطينية على لسان الناطق بإسمها نبيل أبو ردينة بإدانة ما قام به المستوطنون في البؤرة المذكورة، في حين أدان الإتحاد الأوروبي كالعادة هذه الخطوة وأعرب عن قلقه إزاء ما يحدث .
ويرى الكاتب أن :
هذا الإجرام بعد سلسلة إقتحامات لساحات المسجد الأقصى وخاصة في شهر رمضان المبارك، وبعد مسيرة الأعلام في القدس، مرورا باقتحام المتطرف بن غفير لساحات الأقصى، هذا بالإضافة إلى إعطاء الضوء الأخضر للمستوطنين بسرقة الأراضي وإقامة الغرف الجاهزة عليها كمقدمة لشرعنتها والمصادقة عليها .
الأمر الآخر أن هذا الصلف الصهيوني في الحقيقة يشكل صفعة في وجه السلطة التي نفذت العديد من اللقاءات مع هذا الكيان، في تساوق منبوذ من الشعب الفلسطيني وقواه الحية.
وأضاف الكاتب إلى أن الإعلام العبري كعادته يصور الأمر على أنه أمر طبيعي، ويأتي بدعم من وزير الدفاع غالينت وضغوط كبيرة من وزير المالية سموتريتش، بمعزل عن المستوى السياسي وحكومة الكيان الذي إدعى أن هذه الخطوة جاءت بشكل سري وتمت بعد إنشغال الجيش بأحداث في مدينتي جنين ونابلس، وأنها تمت دون موافقة الجيش عليها، فلو كان هذا صحيحا لما ساندها وزير الدفاع لأن هكذا خطوات لا تنفذ إلا بتعليمات من المستوى السياسي وينفذها المستوطنين مع حراسة مشددة من الجيش .
يشار إلى أن قائد منطقة الضفة الغربية في جيش الإحتلال "يهودا فوكس"كان قد وقع الأسبوع الماضي أمرا عسكريا يسمح للمستوطنين بالتواجد في البؤرة المذكورة، وبموجب الأمر العسكري يحق للمجلس الإستيطاني في "يهودا والسامرة ” بأن يكون له نفوذ في الأراضي المصادرة التي نُقلت تلك المدرسة إليها.
خطوة إستباقية
ويرى الكاتب أن إقامة المدارس الدينية الصهيونية في بؤر إستيطانية مخلاة يشير إلى عدة أمور:
أولا/سيتم الضغط على الحكومة اليمينية المتطرفة بشرعنة البؤرة، وليس هذا فحسب بل وجعلها مزارا وتجمع للمستوطنين، الأمر الذي يشكل خطرا على سكان المنطقة.
ثانيا/الأمر الآخر أن ذلك يعني توسع في سرقة الأراضي المحيطة للبؤرة والإستيلاء على خيراتها، وتصبح من الصعوبة بمكان الخروج منها، كما أنها ستشجع العودة للبؤر الثلاثة الأخرى.
ثالثا/ هذه البؤر ستصبح ميادين رماية لتدريب المستوطنين والجيش على حد سواء، والذي سيهدد أمن سكان المنطقة بكاملها.
رابعا/ إن العودة للبؤر المخلاة في شمال الضفة الغربية، وتحديدا بين مدينتي نابلس وجنين يضع المنطقة لسلسلة من الأحداث والمواجهات مع هذا الكيان وعلى رأسهم المستوطنين في المنطقة ذاتها، ويعطي مؤشر على إجتياح لشمال الضفة الغربية .
خامسا/إن عودة المستوطنين لهذه البؤرة بالذات والموافقة عليها من قبل المستوى السياسي ودعم من وزير الدفاع، بالترافق مع نشاط المقاومة في جنين ونابلس يؤشر إلى أن هذه الخطوة تتجاوز مخطط بناء مدرسة دينية، وكخطوة إستباقية لأي تدخل عسكري لكبح جماح المقاومة.
وختم الكاتب وجب على الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه وفصائله، وعلى المستويين الشعبي والرسمي الوقوف بوجه هذه الخطوة الخطيرة التي ستهدد شمال الضفة الغربية بتوغل الإستيطان، وعدم الإقتصار على التنديد والشجب والإستنكار، والتوجه لخطوات عملية لمنع إستكمال هذا المخطط، وإيقاف المستوطنين عن مراميهم الهادفة لإبتلاع الأراضي الفلسطينية.
*أسير محرر قضى 17 عاما في الأسر، وكاتب ومهتم بالشأن العبري