"ديناميات ومحددات عودة العلاقات مع سوريا"

بعض الدول العربية والاسلامية التي تستقبلك على أراضيها منذ سنوات (مشكورة)، وتفتح لك أبوابها، هي المستفيد الأكبر من وراء هذا الوجود، على صعيد شعبية النظام بين شعبه وناخبيه، سيما بين الفئات المحافظة (المتدينة)، وتلك التي تعادي المشروع الاستعماري، ويضاعف من قدرة تلك الحكومات على إدارة ملفات اقليمية مهمة وكبيرة، مما يمنحها أفضلية في حقل العلاقات الدولية والإقليمية، ويجعل منها دولة محورية.

وفي حال لاحظت هذه الدول أن خسارتها أكبر من مصلحتها عند وجودك على أراضيها، سيما في حال تراكمت عليها الضغوط الأمريكية والصهيونية، حينها تطلب منك المغادرة أو تقنن أوضاعك، وهكذا تعاملت كل الدول العربية والإسلامية السائرة في فلك حلف النيتو والغرب واسرائيل، وفعلت ذلك مع حركات المقاومة ومع حركات المعارضة والإصلاح والعدالة والحرية.

لذلك عليك أن تميز بين تحالفاتك الاستراتيجية وبين علاقات المصالح، وعند رسم سياساتك العامة، وعند نسج تحالفاتك، وكذلك عند نسج علاقات جديدة مع بلدان وعواصم لديها توتر في العلاقة مع مُضيفيك، وأتحدث هنا عن تركيا وسوريا، وقطر وسوريا أيضاً.

ويلاحظ أن غالبية البلدان التي تفتح لك أبوابها مؤخراً، هي جزء اصيل من مفاعيل السياسة الأمريكية في المنطقة، وتمتلك علاقات مع الاحتلال، وهنا وجَبَ التنويه.

إن فتح علاقات جديدة مع النظام السوري في هذه الفترة، من شأنه أن يظهر حقيقة نوايا عدة بلدان، ومن شأنه أن يمنحك متابعة جيدة لما يجري من حركة دبلوماسية محمومة قد تحركت ولن تتوقف، وقد تحمل في طياتها محاولات للاحتواء والاحتضان وقد تقدم عُروضٍ.

ونتيجة تدافع محموم في مفاعيل العلاقة بين بلدان المنطقة، تستطيع أن تلعب أدوار اكبر من قدراتك كحركة مقاومة، سيما في موضوع العلاقة السورية التركية، وأن تلعب دور الوسيط.

لم تقدم قوى المعارضة السورية - الاسلامية والليبرالية -، لنفسها وللشعب السوري وللعالم نموذجاً للوحدة، ولم تقدم مشروع دولة، لقد ارتهنت في مجملها لدول الخليج العربي على اختلافها، هي بلدان تسير في فلك السياسة الأمريكية والاسرائيلية، وبعض هذه المعارضات السورية متصالح مع تركيا وأخرى متخاصمة معها.

لطالما خاضت هذه الفصائل قتالٍ شرس مع بعضها البعض، لقد فاق صراعها مع النظام السوري، وإن نجاح هذه الفصائل في إسقاط نظام الأسد مرهونٌ بتبدُلِ السياسات الغربية تجاه النظام السوري، بمعنى متى تحولت الرغبة الأمريكية والاسرائيلية من بقاء نظام الأسد المنهك على حاله، إلى رغبة بسقوطه، حتما سيسقط، في حال صدرت الأوامر لدول المنطقة العربية لتتحرك وتدعم الفصائل مجدداً.

لم يتوجه الغرب نحو إسقاط حقيقي لنظام الأسد منذ الثمانينات والسبعينيات وخلال أحداثها الدامية، عبر السماح بدعم محدود لمعارضيه، سيما عبر السعودية وعبر تركيا، نتيجة تعارض وتصارع ثقافة الحكم والايديولوجيات بين تلك الدول خلال تلك الفترة، ورغم قوة وتجانس الأنظمة المحيطة بسوريا اليوم، ورغم علاقتها الحيوية باسرائيل، ورغم شدة المعارضة السورية، الا انه لم تصل الأمور إلى مرحلة سقوط النظام السوري، لأن البديل غير مأمول السلوك وغير معروف التوجهات.

ولطالما كانت الشام معقل الرجال وفيها الخير الكثير، ولذلك الحفاظ على النظام في حالته هذه هو توجه مؤقت، إن لم يحدث تحول جديد على صعيد الخرائط السياسية والمصالح والتحالفات.

لذلك لا يجوز أن تبقى علاقاتي السياسية مع نظام الأسد وفق محددات قديمة قائمة على حالة القطيعة، ووفق رؤى وتصورات مر عليها عقد من الزَمَن، وحملت في طياتها الكثير من التحولات المحلية والاقليمية.

كثيرة هي الدول والكيانات التي تخاصمت خلال مترات الربيع العربي، وعادت وتصالحت، هذا هو واقع حركة التاريخ الإنساني، وعلينا اتقان التعامل مع دينامياته.

أضف إلى ذلك، وربما عودة علاقة حماس مع نظام الأسد، قد تؤجج عليه السهام مجدداً، لأنه ليس من السهل أن يُسمح بتعزيز تماسك قوة هذا المحور، وهنا يشكل ذلك امتحان حقيقي لهذا النظام، ولطبيعة دوره.