الاسلام والجمال والفن
بقلم ثامر عبد الغني سباعنه - فلسطين
الابداع الفني والفكري والثقافي أحد الجوانب التي تُستخدم للتخويف من الاسلاميين، فكثيرا ما يُشاع أن الاسلاميين أعداء للابداع أعداء للفن، فهل هذا الادعاء صحيح؟
الاسلام والجمال:
ايات وايات قرانية يراد بها تذكير الناس بنعم رب العالمين، اضافة الى توجيهات واضحة ناحية الابداع والجمال، تحدث القرآن الكريم عن آثار الجمال التي قد تكون أثراً في العين أو على النفس، قال تعالى: (إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ)[1]، فالسرور في الآية الكريم هو شعور يتولد في النفس عند رؤية كل شيء جميل، كما أنّ من آثار الجمال في القرآن الكريم ما يحدثه نعيم الجنة من لذة للأعين التي تراه، قال تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ)[2]، كما جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ)[3]، فالإعجاب هو كذلك أثر من آثار الجمال على النفس الإنسانية.
القران نفسه نموذج أدبي من الفن الرائع في نمطه كله: لفظا، ونغما، وفواصل، فليس هو شعرا، ولا زجلا، ولاسجعا، مما يعهده الناس إنما هو منهج علوي له طابعه الخاص في تنسيقه، وله موسيقاه التي يسمو بها على قدرة الانسان والجن ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.[4]
و جعل الإسلام طهارة البدن الكاملة أساساً لا بدّ منه لكل صلاة، كما دعا الإسلام إلى أن يعتني المسلم بمظهره، ويأخذ زينته عند الذهاب إلى المساجد، إذ قال الله تعالى: (يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) ، ولقد عدّ الإسلام جمال الإنسان من مظاهر الجمال، ومثاله جمال الأنبياء، ففي شأن جمال يوسف -عليه السلام- قال -تعالى- عن النّسوة: (وَقُلنَ حاشَ لِلَّـهِ ما هـذا بَشَرًا إِن هـذا إِلّا مَلَكٌ كَريمٌ)[5]، روى الإمام مسلم في صحيحه: (إنَّ اللهَ جميلٌ يحبُّ الجمالَ)، هذا جزءٌ من حديثٍ صحيحٍ يؤكّد على أنّ الجمال في الإسلام قيمةٌ لها صلةٌ وثيقةٌ بالعقيدة.
تقوم الرؤية الشرعية لمظاهر الجمال التي أودعها الله وبثّها في الكون على أنّ هذا الجمال والإبداع في الخلق آيةٌ من آيات الله -تعالى- تستحقّ النّظر، وتوجب التّأمل والتّفكر، وهذا النّظر هو بحدّ ذاته عبادةٌ؛ لأنّه امتثالٌ لأمر الله -سبحانه- إذ يقول: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا)[6]، وهو كذلك طريقٌ للاستدلال على وجود الخالق -سبحانه- وعلى كمال قدرته وبديع صنعته، ومن ثمرات هذا النّظر بآيات الجمال الإلهي في الكون أنّه تنميةٌ للحسّ الجمالي لدى المؤمن التي تقود إلى الاستمتاع بما خلق الله -عزّ وجلّ- في هذا الكون من آيات الجمال.[7]
عدّ الإسلام جمال الخِلقة من معاني الجمال، ويظهر ذلك في:[8]
عدّ الإسلام جمال الإنسان من مظاهر الجمال، ومثاله جمال الأنبياء، ففي شأن جمال يوسف -عليه السلام- قال - تعالى- عن النّسوة: (وَقُلنَ حاشَ لِلَّـهِ ما هـذا بَشَرًا إِن هـذا إِلّا مَلَكٌ كَريمٌ)،[9] وما جاء من الرّوايات التي تصف جمال النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ وجهه كان يتلألأ مثل القمر ليلة البدر.
من جمال الخِلقة التي ذكرها القرآن الكريم على أنّها نوعٌ من الزينة ومظهرٌ جماليٌ يريح النّفس جمال الحيوان؛ حيث قال تعالى: (وَلَكُم فيها جَمالٌ حينَ تُريحونَ وَحينَ تَسرَحونَ). [10]
دور الفن في الحياة:
الفن لا يعدو كونه محاولة للتعبير عن هذا الجمال والحسن الذي يتراءى في أرجاء الكون، والفن لم يوجد عبثا في الحياه، فلولاه لكانت الحياه جافة، جامده، كما للفن دور في العمران والبناء والعلوم المختلفه، الفن وسيلة اتصال بين الناس، يتحقق من خلالها نوع من الاتحاد العاطفي والتناغم الوجداني، بعيدا عن حواجز اللغة والوطن والجنس والدين،الفن ترفيه وترويح عن البشر ، فالنفوس محبه للجمال وتبحث عن ما يلطف حياتها ويغير من لون المعيشه، فكان للفن الدور البارز في ذلك.
الانخراط بالأعمال الفنيّة إلى تخفيف التوتّر والإجهاد، وتحسين الحالة المزاجيّة، كما أنَّ المشاركة بالأنشطة الفنية المُختلفة تقوي الروابط في المُجتمع وتزيد من تماسكه، أمّا الأهمية الثقافية للفن فتكمُن بقدرته على تعزيز مجموعة من القيم الإيجابية في نفوس الأفراد، كالتعبير عن المُعتقدات بحريّة، وزيادة التسامح، ونبذ التعصُّب، و تكمن الأهميّة الاقتصاديَّة للفن في خلق فرص عمل جديدة، وزيادة القوى العاملة، الأمر الذي يُسهم بشكل كبير في زيادة الناتج المحلّي الإجمالي، وتنمية اقتصاد الدولة.
يقول الدكتور ابراهيم البيومي غانم في مقالته ( مقاصد الشريعة بمذاق الفنون الجميلة) ان للفنون مهمات لاغنى عنها في كل حضارة من الحضارات وان اختلفت مرجعيتهم الفلسفيه، وتكاد تشترك في أهم مقاصد الفنون وهي:
1- تنمية العاطفة والوجدان.
2- تنمية مهارات الحواس.
3- تحفيز الانسان على الابداع والابتكار وتأكيد الذات.
4- ضبط الانفعالات وترويض النزعات الجامحه ووضعها في حالة اتزان.
5- تقدير العمل اليدوي ومهارات الصناعة.
6- فتح المجال أمام الخيال واستثماره في خدمة الانسان والعمران.
الاسلام والفن :
استنتج الفيلسوف "روجيه جارودى" أن العامل المحرك للفن الإسلامي هو المسجد وفن عمارته، ثم قال مقولته الرائعة: إن الفنون في الإسلام تفضي إلى المسجد، والمسجد يفضي إلى الصلاة . وهذا يعني أن الفن الإسلامي يجذب الإنسان جذبا إلى الله تعالى، فيتوق إلى عبادته ويستلذ مناجاته؛ رغبة في التخلص من كل عبودية لسواه. إن الفنان المسلم لا يكون فنه أصيلا إلا إذا عاش في رحاب المسجد، ووقف بين يدي الله في إخبات وخشوع، في أوقات الصلاة المكتوبة على الأقل، يتأمل أسرار الوجود، وحقيقة الحياة والموت، ويتلقى إيقاعات لا حد لها، تخاطب العقل والسمع، وتهز القلب والوجدان، وتناجى الروح، وتحث الجسد على التسامي، ففي الصلاة يتساوق جمال الاستقامة مع جلال الخشوع لله، ويتلازم انتظام أجسام المؤمنين في الصفوف مع قوة وحدة قلوبهم، وصفاء أرواحهم، عندما تسمو في معارجها إلى الله تعالى، كلما سجدت لله أو ركعت رغبة أو رهبة، أو محبة وتذللا، أو استمعت إلى القرآن يتلى متدفقا في أسلوبه الآسر، الذي يفيض حسنا ويشع ألقا وسناء، يرشد الحائر، ويهدي الضال، ويأخذ بيد من يستجيب له إلى سعادة الدنيا، ونعيم الآخرة، فيزداد قلبه صفاء، وروحه طهارة، وحسه رهافة، ونفسه فهما للوجود واستعدادا لتقبل الخير والتخلص من جواذب الأرض.[11]
مظاهر اهتمام الاسلام بالفن :
الخط العربي.
المساجد.
الفن المعماري.
الفن الزخفي بكل أنواعه.
فن الكتابة والشعر.
الرسول عليه الصلاة والسلام والجمال:
من المواقف المهمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والتي توضح مكانة الجمال في حياته وتعاليمه، عندما توفي ابنه إبراهيم، وكان في المقابر يدفنه، وقد قام بهذه المهمة أحد الصحابة، وبعد الانتهاء من دفنه، نسي الرجل فجوة صغيرة في القبر، فقال له صلى الله عليه وسلم: "اردمها"، أي أغلقها بشيء من الطين، وتعجب الصحابي هنا من هذا الأمر، فما الحكمة منها؟ فقال متسائلا ومتعجبا: يا رسول الله، أو يضره ذلك أو ينفعه؟!! يعني: هو ميت، هذه الفجوة الصغيرة لن تدخل له بردا في الشتاء، ولا حرا في الصيف فيتأذى منها، فما الحكمة من ردمها، وهي لن تضره، فقال صلى الله عليه مبينا حكمة أمره بردمها، وهل تضره أو تنفعه: قال: لا، أي لا تضره، "ولكنها تؤذي العين".
نهى صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والثوم دون طبخ، لما ينشره من رائحة كريهة، فإن كان لا بد من أكلهما، فعلى آكلهما أن يتجنب إيذاء الناس برائحته الكريهة، فقال: "من أكل بصلا أو ثوما فلا يقربن مصلانا"، أي لا يؤذي الناس بهما، يهتم صلى الله عليه وسلم بجمال الصوت عند الأذان، وعند تلاوة القرآن، فعندما رأى عبد الله بن زيد رضي الله عنه رؤيا الأذان، وقد وافقت ما أوحى الله له به، فقال له صلى الله عليه وسلم: "حفظها بلالا فإنه أندى صوتا منك"، فبحث عن الأجمل صوتا ليكون عنوانا للصلاة، وقال لأبي موسى الأشعري ممتدحا جمال صوته في تلاوة القرآن: "لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود"، وهكذا نظرته صلى الله عليه وسلم للجمال بكل مجالاته.
الجمال مفهوم فلسفي طبيعي فطري، تتجلّى معانيه في خلق الله تبارك وتعالى بمكوناته الإنسانية والحيوانية والنباتية والطبيعية، وتتنوّع معطياته حسب كل نوع، وتتفرّع مجالاته حسب نزعات ونزوات كل خِلقة، فالله عز وجل الخالق المبدع، سمّى نفسه خالقا لأنه خلق جميع هذه الأشياء من العدم، وسمّى نفسه مبدعا لأنه أبدع في تجليات هذا الجمال الذي لا يضاهيه جمال، وحيث إن من أسمائه الحسنى الخالق البارئ المصوّر، سبحانه وتعالى تفرّد بالخلق من العدم ووهب الجمال لعباده وأسبغ على تصوير الطبيعة البهاء والجمال والتنوّع، فكان خلقُه سبحانه وتعالى دليلا قويا على وجوده وتعبيرا عميقا على قدرته المطلقة على كل شيء، وفي أي وقت يريد.[12]
تعالى( يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ) ويقول تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)
إن قضية الصراع بين الدين والجمال ما هي إلا محض أوهام نسجها الحقد الدفين لهذا الدين في عقول أعداء الرسالات السماوية ، محاولين أن يظهروا دائما موقفا عدائيا بين الدين والمتعة
لكن شتان بين توظيف الجمال ومعاداته
شتان بين المتعة الحقيقية والمتعة التي لا يلوي أصحابها على شيء
شتان بين الطهارة النقية والدنس المشوب بكل قذارة
شتان بين أن نكون آدميين وأن نكون شهوانيين[13]
المراجع:
- القران الكريم
-الخوف من حكم الاسلاميين، عصام تلمية،الشبكة العربية للابحاث والنشر،ط1،بيروت،2013
[11] المهدي،محمد، الاسلام لايحارب الفن ولايعادي الجمال، https://www.lahaonline.com/articles/view/2207.htm
[12] فوزي بن حديد، فلسفة الجمال في الاسلام، https://blogs.aljazeera.net/blogs/2018/6/2/%D9%81%D9%84%D8%B3%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D9%84-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85