التدخين فشل على مستوى الحكومة
كنتُ من وقتٍ قريب اتحدثُ أنا ومجموعة مِن الاصدقاء عن آفة التدخين في بلادنا، و كيف تحولت بلادنا الى مقهى كبير تُغلّفه انواع عديدة و متعددة من الادخنة سيئة الرائحة و المضرة صحياً.
عندما نتحدث عن مشكلة التدخين في بلادنا، نحاول جعل المشكلة مقتصرة فقط على أبعاد اجتماعية و تربوية بحتة، لكننا نغفل عن أهم عامل و الذي بدونه ما وجد التدخين حيز مكاني كبير في المجتمع، و هنا اتحدث عن العامل السياسي او بكلمات اخرى " ادارة الحكومة".
لفتَ انتباهي تقريراً نُشرَ في الفترة الماضية عن نسبة المدخنين في فلسطين و كان قد صدر من وزارة الصحة الفلسطينية، كشف التقرير أن ٣١٪ من سكان الشعب الفلسطيني هم مِن المدخنين. فلسطين بالرغم من مساحتها الصغيرة و عدد سكانها القليل مقارنةً بالدول الاخرى المجاورة، الا أنها تربعت على عرش نسب التدخين، فهي الدولة الاعلى في الشرق الأوسط على مستوى التدخين.
كل السياسات التي اعلمها ناجعة و مفيدة في بتر هذه العادة القبيحة، تدير الحكومة ظهرها عنها غير مكترثة، و يبدو من الواضح أنها مستفيدة مادياً من تجارة تقتل الشعب و تحديداً الشباب مقابل تحصيل الأموال. القاصي والداني يعلم أن التجارة المرتبطة بالتدخين تُدِر و تُدخِل اموال كثيرة على خزينة الحكومة.
قال لي شخص بلسانه هذه القصة "عندما كنتُ في الثانوية العامة تقريباً، كانت لي مع عائلتي زيارة الى الاردن، وقتها كنتُ اخفي عن اهلي عادة تدخين الشيشة، خلال إقامتنا في الاردن توجهت إلى مقهى لأدخن،عندما رآني صاحب المقهى طلب مني الهوية، وعندما علم عدم امتلاكي لهوية شخصية، امرني بالخروج من المقهى، مع أنني اعتدتُ الذهاب الى مقاهي مدينتي للتدخين دون الحاجة إلى اجابة اي اسئلة متعلقة بالعمر".
اليوم أصبحت الامور أكثر سوءاً في بلادنا، الاطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم العشر سنوات يستطيعون شراء الدخان بشكل طبيعي و بدون مسائلة، فيقعون ضحية إدمان يتعلق مثل طفيل الدم بأجسادهم و ارواحهم مِن سنوات الطفولة و الطيش الى سنوات الكهولة و الشيخوخة.
كثير من الشباب و مِن خلال تواصلي معهم يخبرونني بمدى بغضهم لعادة التدخين لكنهم عاجزين عن الإفلات منها، لذلك تجد العُقّال يقولون أن المدخن إنسان مُبتلى.
الحكومة مستفيدة فعلياً من ظاهرة التدخين و تسمح بانتشارها من خلال رفع يدها عن الكثير من التجارمِن أصحاب الاستعداد لبيع الطفل البريء سيجارة مقابل مبلغ مالي حقير و تافه يدمر حياته الصحية و الاسرية في المستقبل.
من خلال رؤيتي للإحصائية، كانت مدينة غزة اقل المدن الفلسطينية احتواءاً للمدخنين، بالرغم أن المدينة تتوفر فيها العوامل التي تشجع على التدخين، و هذا ما اثار استغرابي، لأنه حسب الدراسات كلما كانت الأوضاع الاقتصادية و السياسية و الحياتية متردية، إزداد إقبال الناس على عادة التدخين..
عندما تتبعتُ الموضوع، اكتشفتُ أنّ الحكومة في غزة اتخذت إجراءات عديدة للحد من التدخين منها رفع الضرائب على منتجات الدخان. و هذا يثبت صحة كلامي أنّ الإجراءات تلعب دوراً فاعلاً في الحد من الازمة و إلا ما كانت غزة أقل المدن الفلسطينية تدخينا.
انا دائماً اتجنب الحديث عن ظاهرة التدخين ضمن ابعاد اجتماعية و اسرية، انا لا أُلغي وجود اسباب من هذا القبيل، لكن بالنسبة لي الحكومة هي المسؤولة عن تفشي الظاهرة بسبب عجزها و تجاهلها للأزمة.
هل هناك عاقل يلوم طفل بسبب وقوعه ضحية لآفة التدخين بينما يرى بعينيه كيف تقوم الحكومة بتوفير كل الفرص و الطرق التي من خلالها يمكن للطفل أن يصبح مدمناً على التدخين؟؟؟.