المقاوم ليس عدواً
" من غير نضال لن يكون هناك تقدم، فأولئك الذين يصرّحون بدعمهم للحرية وفي ذات الوقت يستحقرون الثورة، هم رجال يريدون المحصول دون حرث الأرض، يريدون المطر دون رعد وبرق، يريدون المحيط دون أمواجه الهدارة، فالقوى لا تتنازل عن شيء من غير مطالبة حقيقية، فلم تفعل ذلك من قبل ولن تفعل"
قبل 150 عاماً من الآن، كانت هذه الكلمات الجميلة تعبر عن حقيقة الكفاح والثورة، وقيلت على لسان فريدريك دوغلاس، وهو عبد سابق ومناهض لإلغاء الرق في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد وضعتها هنا لما وجدت فيها من ارتباط وثيق بقضيتنا الفلسطينية.
قبل أيام أخبرني صديقي عما سمعه من قيام شخص ما بشتم أحد منفذي العمليات في الداخل المحتل، بسبب اعتقاده أن العملية ستكون سبباً في إغلاق المعابر والطرق المؤدية الى هناك، وما سينتج عنه من فقدان مصدر رزقه.
وقد بات واضحاً أنّ ظاهرة التنكر للعمليات ومنفذيها باتت ثقافة شائعة عند بعض الناس في بلادنا، وقد تعددت الأسباب التي تقف خلف هذه الظاهرة المؤسفة، فمنها رؤية البعض للحياة من منظور ضيق للغاية لا يختلف إطلاقاً عن رؤية الماشية للحياة، والتي تقوم على الأكل والشرب والتكاثر، فالحاجة الى الاستقرار المالي متطلب إنساني يتشارك به الجميع، لكن هذا لا يأتي على حساب الخطوط الحمراء والمبادئ.
لا يمكن تبرير التنازل، فموقفنا ثابت ومبادئنا واضحة لا يمكن التعدي عليها، فعلى سبيل المثال لا يمكن تبرير الزنا بسبب الحاجة الى إشباع الشهوة الجنسية، أو تبرير الفساد بسبب الحاجة الى بعض المال، كما قال الشاعر المصري الراحل امل دنقل " هناك أمور لا تُشترى"، فجميع كنوز الدنيا لا تساوي قضيتنا المقدسة. الفلسطيني في القدس يأبى أن يبيع منزله مقابل أموال يمكن أن تحقق جُل أحلامه في هذه الدنيا، وأحيانا يخرج من منزله بالقوة من دون أن يحصل على أي مقابل مادي حتى لا يعتبر نفسه بائعاً لقضيته، مع أنه قد يعيش بعدها لاجئاً في الشوارع.
لا يمكن لأحد أن يتنكر للأعمال البطولية التي ينفذها بعض الشباب، الذي قرروا بيع أرواحهم وكل شيء لديهم من أجل الدفاع عن قضية قدسية يحاول الاحتلال إطفاء جذوتها في قلوبنا، وجود مثل هؤلاء الأبطال هو الذي يضمن لهذه القضية البقاء على قيد الحياة.
الشعوب التي ذاقت حلاوة الاستقلال والحرية، دائما ما تمجد أبطالها الذين فُقدوا في طريق الثورة والكفاح، فهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنه لولا هؤلاء لما كانوا يتنعمون الآن في الاستقلال والحرية.
وقد نسي هؤلاء أنهم يعادون الله، بتخليهم عن طريق الجهاد، وعليهم مراجعة أنفسهم، ولن أقول انهم وقعوا تحت شبهة الخيانة والنفاق، ولكني متأكد انهم مهزومون داخلياً.
و في وقت سابق، قامت رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير بعقد رهان مع الشعب الفلسطيني حين قالت عقب النكبة في 1948 أن الكبار يموتون والصغار ينسون، و قد دحض الشعب الفلسطيني مقولتها و فاز بالرهان، الشعب الفلسطيني اختار طريق المقاومة منذ بداية القضية، فمن العشرينات الى اليوم، والشعب يكافح ويحفر في الصخر من أجل قضيته المباركة والعادلة، قاد فيها العديد من الانتفاضات والهبات والإضرابات والعمليات، ولم يتوانَ يوماً عن طريق المقاومة في سبيل القضية.
من المؤكد أن من خسر رهان جولدا مائير، هم الأشخاص الذين يفضلون متاع الدنيا الزائل على قضيتهم، وأنستهم أوهام المال والاستقرار ما وجب عليهم تجاه قضيتهم وعدالتها.
و لا يمكن أن ننسى أن سياسة السلطة الفلسطينية في إدانة اعمال المقاومة وملاحقتها، هي من الأسباب الذي دفعت بعض الناس الى الخروج بجرأة وانتقاد المقاومة والمقاومين.
و من غير العادل ما تقوم به تجاه المقاومة الفلسطينية، حيث أوصدت الأبواب امام الفدائيين و عملياتهم، و بثت روح الاستسلام و الهزيمة بين أفراد الشعب الفلسطيني، و أسكتت الأقلام الحرة على الرغم أن ترسيخ الهوية الفلسطينية و تحقيق الانتماء من مسؤوليات الحكومة.
فالحكومة موقوفة ومسؤولة عن تعزيز ارتباط الانسان الفلسطيني بأرضه وقضيته، وهذا لا يحصل إلا من خلال دعمهم لكل عمل ينصر القضية الفلسطينية، والتي بالتأكيد منها أعمال المقاومة.
بعد مرور أكثر من سبعين عام على النكبة والاحتلال الإسرائيلي الفعلي لفلسطين، ما زال الشعب الفلسطيني على طريق المقاومة وما زال يدعم طريق المقاومة، باستثناء مجموعة قليلة جداً لا تمثل إلا نفسها. خطاب دعم المقاومة يجب أن يكون في مركز خطاب القضية الفلسطينية، لأن هذا يؤكد أن إسرائيل لم تنتصر والشعب الفلسطيني لم يهزم بعد.