المشهد الاسرائيلي / سبتمبر 2022

 

-         محاولات مستمرة لقمع الضفة الغربية

اقتحامات جنين نابلس

واصلت حكومة الاحتلال الصهيوني سياساتها العدوانية على الشعب الفلسطيني ولم يكن لاستلام اليساري يائير لبيد لرئاسة الحكومة بدلا من اليميني المتطرف نفتالي بينت أي تاثير على تلك السياسات بل يمكن القول أن وتيرة الاعتداءات زادت في شهر سبتمبر حيث نفذ الاحتلال عدة عمليات اقتحام لجنين ونابلس ومدن شمال الضفة الغربية.

اللافت في الأمر أن هذه السياسة العدوانية بدأت تواجه من قبل الفلسطينيين وباتت نواة مقاومة عسكرية فعلية تتشكل في كل من جنين ونابلس رغم إرادة السلطة الفلسطينية التي تسعى بكل قوتها لتحجيم هذه الظاهرة عبر الملاحقة والتضييق والاعتقال كما حدث مع المطارد مصعب شتية[1]، الذي أثار اعتقاله على يد السلطة موجة من الاحتجاجات العارمة والسخط الشعبي الواسع في الضفة الغربية بشكل عام وفي نابلس بشكل خاص.

لكن الأيام الأخيرة من شهر سبتمبر تشير عجز السلطة عن مواجهة هذه الحالة التي تحظى باجماع شعبي وفصائلي غير مسبوق منذ بدأت أحداث الانقسام بل إن بعض وجوه هذه الحالة تحولوا الى رموز وطنية وشعبية تلتف حولهم الجماهير وتستعد لحمايتهم كما هو حاصل مع أبو رعد خازم في مخيم جنين[2]، الذي بدوره بات يلعب دورا في توجيه الجيل الشاب حول ضرورة الالتفاف والوحدة الوطنية حول خيار المقاومة، كما وجه رسائل واضحة الى أبناء الأجهزة الأمنية بضرورة الانحياز الى خيار المقاومة .

 

-        خطاب لبيد- أبو مازن

ألقى كل من رئيس السطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي يائير لبيد خطابهما السنوي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث انتظر المتابعون أن يعلن الرئيس عباس عن خطوة ما بعد أن كان أمهل الاحتلال في العام الماضي عاما واحدا لانهاء احتلاله للضفة الغربية، لكن الخطاب جاء أقل من المتوقع خاصة في شقه السياسي ولم يقدم عباس أي تصور عن خططه للخلاص من الاحتلال، بينما تضمن خطابه الكثير من عبارات الاستعطاف والاستجداء للمجتمع الدولي، والتي باتت لاتسمن ولاتغني من جوع في ظل اصطفاف امريكي تام الى جانب الاحتلال بل وتبني شبه كامل لما تريده اسرائيل .

 

لا أمل بمسار سياسي

لقد بات واضحا للمراقبين أن الولايات المتحدة، قبل اسرائيل، ترى في السلطة الفلسطينة ضرورة أمنية وادارية، تسهم فعليا في اعفاء الاحتلال من كثير من تبعات وتكلفة احتلاله، ولا ترى فيها أبدا شريكا لمسار سياسي حقيقي يفضي الى قيام دولة فلسطينية .

هذا الى جانب تخاذل عربي رسمي عن نصرة الفلسطينيين او منح القضية الفلسطينية أولوية في علاقاتهم المتنامية مع الاحتلال، ناهيك عن انسحاب الولايات المتحدة تدريجيا من التدخل في الملف الفلسطيني، تاركة لاسرائيل حرية فرض الحقائق على الأرض والتهام الضفة الغربية بالاستيطان، قاضية على أي بارقة أمل لدى قيادة منظمة التحرير بامكانية قيام دويلة فلسطينية.

 

-        الانتخابات للكنيست الاسرائيلي

شهر أو أقل لموعد الانتخابات البرلمانية في الكيان الصهيوني وقد انتهى مشهد اعداد وتقديم القوائم الى تقدم بالنقاط لمعسكر اليمين بزعامة نتنياهو عل حساب معسكر الوسط واليسار الذي لم يستطع التوحد كما حدث في اوساط أحزاب اليمين المتطرف واليمين الديني، حيث استطاع نتنياهو في اللحظات الاخيرة وقبل انتهاء فترة تسليم القوائم المتنافسة أن يجمع قوائم اليمين الصهيوني الديني المتطرف في قائمة واحدة بزعامة بن جفير وسموتريتش كما استطاع أن يوحد أجنحة حزب ( يهدوت هتوراة ) في قائمة واحدة تضمن لها البقاء في البرلمان الى جانب الحزب الديني الشرقي (شاس) وهو الأمر الذي يجعل من فرص معسكر نتنياهو وتجاوزه حاجز ال 60 مقعد أمرا واقعيا[3]، خاصة اذا ما نظرنا الى المعسكر الاخر والذي فشل فيه يائير لبيد في اقناع كل من حزب العمل وحركة ميرتس في التوحد في قائمة واحدة رغم استطلاعات الرأي التي أظهرت أن توحدهما يكمن أن يزيد من حصتيها من المقاعد[4].

 

انقسام عربي على مستوى احزاب البرلمان

أما على صعيد الأحزاب العربية المتنافسة  فقد قدمت لنا الاحزاب الثلاث المنضوية في القائمة المشتركة دراما سينمائية في الساعات الأخيرة قبل انتهاء موعد تقديم القوائم، حيث كان كل الجبهة والتجمع قد وقعوا اتفاق تحالف بينهما قبل اسبوع وبدى كأن العربية للتغيير قد تجد نفسها مضطرة للانضمام اليهما في تشكيل للقائمة المشتركة من جديد، أو تغامر بالذهاب وحيدة للانتخابات لكن الذي حصل في الساعات الأخيرة هو توحد الجبهة بزعامة أيمن عودة مع العربية للتغيير بزعامة أحمد الطيبي وبقاء التجمع بزعامة سامي أبوشحادة في قائمة منفردة الى جانب طبعا القائمة الموحدة برئاسة منصور عباس ليصبح لدينا ثلاث قوائم عربية متنافسة في ظل نسبة حسم 3.25% وفي ظل تدني متوقع لنسبة التصويت في الوسط العربي.

هذا المشهد، اذا ما صدقت استطلاعات الرأي حتى الان، يعني تأرجح القوائم العربية الثلاث حول نسبة الحسم مع احتمال أكبر لعدم تجاوز التجمع وخروجه من البرلمان، تقارير كثيرة أشارت الى مؤامرة تمت بالخفاء ضد التجمع وبدعم من يائير لبيد الذي يرفض التجمع التوصية له في التكليف لتشكيل الحكومة بعيد الانتخابات، هذا على مستوى السياق الخاص بالانتخابات المقبلة تحديدا، بينما في السياق السياسي العامّ والمُتراكم فلسطينيًّا وعربيًّا، فإن ما يدور هو جزء من مسار حملة "قلع البنطال" التي تشنها إسرائيل وأجهزتها على الحركة الوطنية، أو لنقل على الصوت الوطني في الداخل على الأقل، فكل من لا يريد القول إلا "لا"، رافضا الصعود على متن سفينة إسرائيل، بشروط يهودية الدولة[5] وصهيونتها، سيكون تحت طائل الإقصاء أو الشطب والتجريم.

 

-        الجريمة

لقد باتت الجريمة وباء فتاكا يضرب بكل عنف داخل المجتمع العربي في الداخل المحتل فلا يكاد يمر اسبوع دون قتلى أو اعتداءات على البيوت والأفراد بالرصاص واذا ما دققنا في الأمر فان أياد خفية تقف بالضرورة خلف تلك الاعمال التي باتت تستهدف النخب من المثقفين والسياسيين والاعلاميين ورجال الاصلاح كما أنها تستهدف بشكل أساسي الشباب، ولا يبدو الأمر مستغربا في ظل سيطرة دولة ترى في الأقلية العربية عدوا لها، ولطالما شكّل الوجود الفلسطيني عموماً، وذلك الراسخ بقوّة في الأراضي المحتلة سنة 1948 بالأخص، هاجساً مؤرقاً لكيان الاحتلال، أوّلاً لأنّ هذا الوجود ما زال يرفض ويقاوم كلّ محاولات التهجير أو التذويب أو التدجين الصهيونية، وثانياً لأنه وجود حيٌ وفاعلٌ ويتنامى باستمرار داخل جسد الكيان، وبما يهدّد وجوده وبقاءه، بالبُعدين الاستراتيجي والديموجرافي معاً.

تؤكد الدراسات الإحصائية على مدى السنوات الماضية ارتفاع نسبة جرائم القتل بين فلسطينيي 1948، مقارنة بالنسب العادية أو المقبولة في المناطق المحتلة سنة 1967، أو داخل الكيان الإسرائيلي، بالإضافة إلى دول العالم.

فقد أصدرت “بلدنا – جمعية الشباب العربي” بالتعاون مع “المركز من أجل الثقة، والسلام والعلاقات الاجتماعية” في جامعة كوفنتري Coventry University البريطانية، دراسة إحصائية شاملة لـ”9 سنوات من الدم 9 years of blood”، رصدت معلومات إحصائية عن ضحايا جرائم القتل خلال الفترة 2011-2019، لأول مرّة منذ تفشّي هذه الظاهرة الخطيرة.

ووفقاً للدراسة، يرتفع المعدّل السنوي لجرائم القتل في المجتمع الفلسطيني في الداخل إلى 64 جريمة، وهو معدّل مرتفع جداً بالمقارنة مع نظيره في الضفة الغربية من جهة، وفي المجتمع الصهيوني من جهة أخرى

ويظهر التقرير أنّ غالبيّة المستهدفين في العقد الأخير على يد الجريمة المنظمّة في الداخل المحتلّ هم من الشباب؛ أكثر من 40% منهم ما بين عمر 20- 30 عاماً، وأكثر من 25% منهم بين عمر 30-40 عاماً. تبيّن هذه الأرقام الاستهداف الممنهج والمستمرّ لممارسات الجريمة المنظّمة للشباب، كما تحمل هذه الممارسة (قتل الشباب) في طيّاتها دلالات سياسيّة واجتماعيّة واقتصاديّة عديدة، فيُمكننا القول إنهّا أقرب لممارسات هدر وتفكيك مجتمعي تغذّي منظومةً ماليّة.[6]

وقد نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصدر كبير في شرطة الاحتلال الإسرائيلي، تأكيده أن "المجرمين الذين يقودون اليوم الجريمة الخطيرة في مجتمع فلسطينيي الـ48 أغلبهم عملاء للشاباك"

وأكد مراسل "شؤون شرطة" في "القناة 12"، موشيه نوسباوم، أن "هذا الأمر طُرح في أحد النقاشات التي أُقيمت مؤخراً كتحضير للقاء الذي جرى اليوم بين قائد الشرطة ووزير الأمن الداخلي"

وأضاف أن مصدراً كبيراً قال في ذلك الِنقاش "المجرمون الذين يقودون اليوم الجريمة الخطيرة في المجتمع العربي أغلبهم عملاء للشاباك، وفي هذه الحالة فإن أيدي الشرطة مكبَّلة، لأنه لا يمكن المس بهؤلاء العملاء الذين يتمتعون بحصانة.

وفي السنوات الـ5 الأخيرة، قُتل قرابة 500 فلسطيني دون أن تحرك الشرطة ساكنا.[7]

 

-        اقتحامات الاقصى

وجدت ما يسمى بجماعات الهيكل والمتطرفون الصهاينة في الاعياد اليهودية (رأس السنة- الغفران- العرش) والتي تبدأ نهاية سبتمبر، فرصة كبيرة لتعزيز محاولاتها المستمرة لاقتحام المسجد الاقصى وصولا الى تقسيمه زمانيا ومكانيا، مدعومة بحماية شرطة الاحتلال وقوات الأمن الصهيونية . وقد بات واضحا حجم التنسيق بين هذه الجماعات المتطرفة وبين المؤسسة الأمنية في دولة الاحتلال في مختلف تفاصيل الاقتحامات سواء من حيث التوقيت أو اعداد المقتحمين أو الممارسات التي يقوم بها هؤلاء المقتحمون أثناء الاقتحام، حيث يسعى الاحتلال الى التقدم رويدا رويدا في مشروع التهويد والسيطرة على المكان .

ويسعى الاحتلال الى تنفيذ مخططاته دون الوصول الى حالة الصدام الشامل مع الفلسطينيين ما أمكن لعلمه بحساسية الموقف وبقداسة المسجد الاقصى لدى العرب والمسلمين، فهو، أي الاحتلال، يبذل كل الجهد في الاستمرار في مخططه دون التخريب أو التأثير على مسار التطبيع مع الدول العربية وبعض الدول الاسلامية، وما يقف حجر عثرة في طريقه سوى المقدسيين والفلسطينيين بشكل عام، الذين يواجهون اقتحاماته بصدورهم العارية ويتصدون ببسالة لمحاولات الاحتلال المستمرة في السيطرة على المسجد

 

-        التعليم – مناهج ومشاكل افتتاح العام

كل ما هو عربي في القدس مستهدف من قبل الاحتلال بالتزوير والتحريف والتهويد، ومحاولات أسرلة التعليم في المدينة ليست جديدة ومواجهة المقدسيين لها قديمة  فمعركة المقدسيين الكبرى هي تلك التي تستهدف عقول أبنائهم وهويتهم الوطنية. فمنذ العام 2010، تتداول جلسات لجنة التربية والثقافة والتعليم في الكنيست الإسرائيلي موضوع المنهاج الفلسطيني الذي يُدرّس في معظم مدارس القدس. وقد خلص تقرير صادر عن هذه اللجنة إلى أن الكتب الفلسطينية تفتقر إلى ما سماه "وسائل تعزيز قيم السلام والتصالح مع إسرائيل"، وإلى الاعتراف الواضح بوجود دولة إسرائيل وتتجاهل علاقة اليهود بأرض فلسطين.

في عام ٢٠٠٠ بدأت سلطات الاحتلال بتضييق الخناق على مدرّسي المدارس من الضفة الغربية الذين يدرّسون في مدارس القدس، باللجوء إلى أساليبها الاحتلالية المعهودة من منع حصولهم على تصاريح وتعطيل على الحواجز واعتقال، فباتوا يشكلون اليوم أقل من ٢٠٪ من نسبة مدرسي المدارس في المدينة، بعد أن كانوا يشكلون أكثر من ٦٠٪ من مجمل المدرسين فيها في ذلك العام. في العام ٢٠١١ بدأت سلطات الاحتلال بأسرلة مناهج التعليم الفلسطينية في مدارس المدينة الابتدائية والاعدادية العامة الحكومية وشبه الحكومية "مدارس المقاولات"، وذلك بتبديل أو حذف المواد المنهجية والمعلوماتية التي ترسخ الهوية الفلسطينية العربية، واستبدالها بمواد أخرى تروج للرواية الصهيونية وتسويغ سياسة الاحتلال. كما قامت سلطات الاحتلال في بعض من تلك المدارس بتدريس المنهج الإسرائيلي، الذي يدرس للفلسطينيين في أراضي العام ١٩٤٨، والذي يحمل طابعاً صهيونياً سياسياً ويهودياً دينياً بامتياز. وتكمن المشكلة في أن المدارس الحكومية وشبه الحكومية في القدس تمثل حوالي ٤١٪ من مجمل مدارس المدينة، كما يدرس فيها حوالي ٤٩٪من مجمل طلاب المدينة الفلسطينيين.

إن أسرلة التعليم وغسيل أدمغة أطفالنا ليست هي الطريقة الوحيدة التي يتبعها الاحتلال لمحاربة الانسان الفلسطيني وهويته في القدس وضواحيها، ففصل أحياء المدنية وحدودها بالحواجز العسكرية وقطع الطرق التي تحول دون وصول أطفالنا إلى مدارسهم بأمان، خصوصاً بعد بناء جدار الفصل العنصري وفصل القرى والبلدات المقدسية عن مدينة القدس، والاعتداءات والاغارات الممنهجة على مدارس المدينة، واعتقال وإبعاد الطلبة والمدرسين، ووضعهم تحت الإقامة الجبرية، وعدم منح تراخيص البناء والترميم للمدارس لزيادة عدد الفصول فيها، بما يتناسب مع الزيادة السكانية الطبيعية، وتقليص عدد الأساتذة وتدني أجورهم مقارنة بمستوى المعيشة في المدينة وبنظرائهم في مدارس القدس العامة، ورفض الاعتراف بشهادة الثانوية العامة الفلسطينية، كلها وسائل يحقق من خلالها الاحتلال مخططاته.[8]