حي الياسمين.. دراسة في الحالة ونمذجة الاشتباك

 

كأننا عشرون مستحيل في اللد والرملة والجليل

 هنا على صدوركم باقون كالجدار

 وفي حلوقكم كقطعة الزجاج كالصبار

 وفي عيونكم زوبعة من نار 

هنا على صدوركم باقون كالجدار نجوع؛ نعرى؛ نتحدى ننشد الأشعار.

محمود درويش

في حرب 67 وقف موشيه ديان فوق قمم جبال الضفة المطلة على الأردن..وقال هذه الجبال أهم بالنسبة لنا من تل أبيب كدلالة واضحة على أهمية المكان جغرافيا.. وعندما تكون هذه المنطقة هي منبع الثوار المعمدين بنور الشمس فان ديان وكل قادة الكيان الصهيوني سيتمنون لو انهم لم يخلقوا.  

 

في البلدة القديمة، التي تقع وسط مدينة نابلس، وتحديدا “حارة الياسمينة” التاريخي، وقعت أحداث مواجهات مسلحة عنيفة واشتباكات استمرت لأكثر من أربع ساعات، حيث أعلن عن استشهاد الشابين محمد بشار عزيزي (25 عاما) وعبد الرحمن جمال صبح (28 عاما) بعد حصار واشتباك مع قوات معززة من جيش الاحتلال.

وعند وضع هذه المعركة تحت الدراسة فإننا نرى هذا الجذر الاصيل يعود من جديد لافظا كل ما هو زائف, ناسفا الواقع المشوه الذي حاول الاحتلال وأدواته خلقه.. راسما لوحة عز وانتصار وتأكيد مطلق لا نقاش فيه بأن القضية الفلسطينية هي القضية الأعدل والأهم والأكثر مظلومية, وبأن الحقوق لا تسقط بالتقادم, وبأن الحرية لا تعود بالتسول والضعف والذل.. إنها لا تسترد إلا بسواعد الأحرار, تسترد بالدماء والحديد والنار والاشتباك, تسترد عندما يزداد الطلب على توابيت الموتى لدى الجانب المحتل الظالم.

النابلسي..هكذا يتم إعادة خلق النموذج الفلسطيني.

بعد معركة ضارية.. حيث أكدت العديد من المصادر بأن صراخ وبكاء الجنود الصهاينة كان مسموعاً.. يخرج الشاب النابلسي مشاركاً في تشييع رفاق دربه و متحدياً عصابات الاغتيال الصهيونية كرسالة واضحة فيها من العنفوان والتحدي والاصرار والكرامة والمقاومة ما فيها. هي رسالة الرفض المطلق للاحتلال بكل أشكاله ومستوياته. 

إن ما قام به هؤلاء الفرسان سواء من ارتقى منهم شهيداً ومن بقي منهم متمنطقاً سلاحه شامخاً منتظراً ومحتسباً.. هو خلق النموذج الفلسطيني المقاوم الذي تم العمل على شطبه من أكثر من عشرين عاماً بكل الطرق والوسائل. 

كيف يقرأ القادة الصهاينة هذه المعركة؟؟

إن أهم ما سطرته دماء فرساننا الابطال هو خلق الهاجس المرعب الذي يقض مضاجع القادة الصهاينة وهم يراقبون ما حدث بصمت مطلق. لقد انخرسوا تماما وأصدروا تعليماتهم وكما العادة بعدم نقل أي خبر عن القتلى والجرحى بين صفوف جنودهم. 

وعليه فإن قراءة الصهاينة لهذه المعركة هي قراءة الخوف والقلق والشعور باليأس والاحباط. ولسان حالهم بعد كل هذه الاجراءات وهذه السياسة من كي للوعي وخلق الفجوات الاقتصادية والاجتماعية من خلال المال الأمريكي والقتل والاعتقال والتسهيلات لنكون عبيدا نعمل في مستوطنات الجلاد كل هذا الجهد الهائل .. لا نحصد منه الا فرسانا يمتطون خيول النار ويشتبكون مع أعتى جيش في منطقة الشرق الاوسط.. يشتبكون اشتباك سلاح ووعي. اشتباك حديد وحقوق, اشتباك دماء وقيم لا تسقط بالتقادم.

كما تجدر الاشارة الى حالة الترابط المتتالي بين مناطق الضفة الغريبة وتحديدا شمال الضفة( جنين ومخيم جنين والبلدة القديمة في نابلس) وهي حالة تقرأ في سياق تصاعدي لحالة المقاومة التي تعود بشكل جديد وبكل قوة وعنفوان. ولا يسعنا هنا كمتابعين ودارسين الا أن نرفع توصياتنا لفرسان الإباء والشموخ بأن يبتعدوا تماما عن أي وسيلة اعلام, وعن كل ماله علاقة بالتكنولوجيا راجين من الله أن يحفظهم من كل سوء. فأنتم ملح الارض.

انحطاط يقابله ارتقاء

إن أكثر ما يثير الفكر هذه الحالة التناقضية. بين شريحة لا بأس بها يترامون كبنات الليل والهوى عند اقدام فتى يغني هنا وفتى يغني هناك!! وبين فرسان عمالقة تترسخ فيهم كل معاني الرجولة يعانقون نور الفجر ويقبلون امهاتهم ويخرجون ليواجهوا أقوى جيوش المنطقة.. وشتان بين الثرى والثريا.

جوهر دراستنا السريعة هذه هو الفشل الذريع الذي حصده الاحتلال وأجهزة مخابراته ومستويات التخطيط العليا لديه.. فبعد كل هذه الجهود تتشكل خلايا نارية ملتحمة بالعقيدة والتاريخ والكرامة والوعي تتجذر بارضها ومدنها وقراها وتمرغ انف الظلم والاستكبار في وحل الذل والخزي والهزيمة.

 

نتائج وتوصيات 

نخلص في النهاية الى جملة من النتائج والتوصيات, والتي نعتقد أنها على درجة عالية من الوعي والاهمية..

أولا: النتائج

1_ إن ما حدث يعيد العلاقة مع الاحتلال الى طبيعتها. علاقة شعب محتل واحتلال يمارس احتلاله بكل بشاعة. وعليه فان المتعرض للاحتلال يمارس كل أشكال المقاومة وعلى رأسها الكفاح المسلح.

 

2_تعري هذه المعركة كل المطبعين والمنبطحين. وتلغي وبشكل مطلق كل مشاريع التسوية الماضية والحاضرة والتي يمكن ان تكون. 

 

3_تشكل هذه العملية بداية في سلسلة من العمليات التي سوف تتوسع على التوالي وبطريقة تصاعدية.

 

4_تنضم هذه العملية الى المجموع التراكمي المبشر بلعنة العهد الثمانين فيما يتعلق بزوال الكيان.

 

5_تعيد هذه العملية الاعتبار والصدارة لمدينة نابلس بعد فترة لا بأس بها من التراجع والسكون.

6_كما أن هذه العملية الاشتباكية تعيد المكانة الحقيقة للشعب الفلسطيني في ظل انحطاط شريحة اخلاقيا وفكريا وثقافيا.

 

ثانياً: التوصيات

1_ السرية ثم السرية. وعدم التعامل مع الاعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي. والاعتماد على الأساليب القديمة المجردة.

2_على كل حر وشريف يرى في نفسه القدرة والرغبة الانضمام الى هولاء الفرسان. سواء في نابلس أو جنين أو في أي منطقة من مناطق الضفة الغربية

 

3_ضرورة الارتباط الفعلي ما بين المدينة والريف. والتركيز على ايجاد بعد ريفي وتحديدا المناطق الجبلية الوعرة والمرتفعة.

 

4_الى أصحاب الأموال ورجال الأعمال.. إن دعكم لهؤلاء الابطال لهو من أعظم الاعمال فادخلوا حلبة العظماء والابطال من خلال أموالكم وسيخلدكم التاريخ .

 

5_ضرورة التنسيق ما بين المناطق..وتحويل الأفعال الى ثورة شعبوية كاملة بقيادة موحدة.