الدساتير في السلوك السياسي العربي

تلعب الدساتير دوراً بارزاً في تحديد طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم, فالهدف الرئيسي هو تقييد سلطة الحاكم من أجل حرية المواطن, فالدستور يحد سلطات الدولة ويحدد اختصاصاتها وعلاقاتها ببعضها البعض, كما ويحدد العلاقة بين مواطني الدولة مع بعضهم ومع مؤسسات الدولة[1], وفي حين نجد أن دول العالم التي يوجد فيها دساتير فعّالة كلما تم تطبيق بندٍ بما ينص عليه الدستور كلما تحددت معالم الديمقراطية والاستقرار، نجد دولاً لديها دساتير ولكنها بالمجمل تبقى حبراً على ورق, في المقابل فإن دولة مثل بريطانيا لا يوجد لديها دستور، ولكن طبيعة العقد الاجتماعي هو الذي يحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم فيها يجعلها من أفضل الدول التي توجد بها معالم الديمقراطية[2].

الدول العربية تمتاز بأن صياغة دساتيرها تكاد تفوق صياغة دساتير الدول الغربية, من ناحية تحدد العلاقة بين مؤسسات الدولة والعلاقة بين مؤسسات الدولة والمواطن, كما وتحدد العلاقة بين سلطات الدولة بما تكفله من الحريات والفصل بين السلطات وإعطاء المواطن الحرية المطلقة في إطار القانون، إضافة إلى نصها على التعددية الحزبية وحقوق الإنسان[3]. كما تنص بنود دساتيرها على عدم التمييز بين مواطني الدولة على أساس الجنس أو العرق أو اللون أو الدين أو الرأي أو الفكر, وأنها توفّر الأمن والطمأنينة وتكافأَ الفرص لكافة المواطنين في المجتمع. عدا عن صون الكرامة بعدم التعذيب بدنياً أو نفسياً أو أي مظهر من مظاهر الإساءة البشرية التي تحط من كرامة الإنسان[4].

بنود الدساتير في الوطن العربي لم تخلُ من تضمين العديد من المواثيق التي من شأنها أن تعلي من سمو المواطن. والتي تضمنت الحرية والتسامح وحقوق الإنسان والمساواة والاعتدال وأن الحقوق المتعلّقة به لا يمكن أن تكون مجتزأة بحيث أنها مترابطة ومتشابكة, عدا عن تضمينها الحرية باختيار النظام السياسي دون إجبار أو إكراه, وأن من يقرر مصير موارد وثروات الدولة المواطن نفسه[5].

بالرغم من قوة بنود دساتير الدول العربية ورفع شأن المواطن بما تتضمنه, وأهمها أن المواطن هو من يملك السلطة وتقرير المصير. إلا أننا نجد أن الدستور شيء والتطبيق شيء آخر, فالنتيجة الفعلية أن مزيداً من القيود على الحريات وتمكين الدولة من المجتمع وزيادة دور الدولة البوليسية بالتدخل المباشر في كافة مناحي حياة المواطنين[6], وبسط نفوذ السلطة التنفيذية على السلطات الأخرى, فالملاحظ أن البنود انحسرت على التسميات الشكلية في حين أن قمع الشعوب وامتهان كرامة المواطن هو العنوان الدائم.

لم تعهد الدول المتقدمة في تغيير بنود دساتيرها إلا في حالة واحدة ألا وهي تمكين المواطن وحرياته أكثر مقابل الحدّ من سلطة الدولة والحاكم, في حين أن التعديلات في الدولة العربية كان لها هدف مغاير والمتمثل في منح سلطات أوسع إما لشخص الحاكم أو للسلطة التنفيذية, فبذلك حدّت من حق المواطن لتمنح لنفسها السلطة المطلقة, هذا الفعل أدّى بالمواطن العربي إلى أن يلجأ إلى جماعته أو قبيلته للاحتماء بها تارة أو الإستقواء بها تارة أخرى في ظل غياب دور الدولة الحقيقي كما تنص عليه دساتيرها, فتحوّلت الدساتير من حماية للمواطن وحقوقه إلى حماية الحاكم وحزبه, عدا عن تحوّل في دور السلطات حسب الدساتير فبدلاّ من مسائلة السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية أصبحت السلطة التنفيذية هي من تشرّع ومن تحكم.

تجدر الإشارة أن العديد من الدول العربية خاصة بعض دول الخليج لم يتطرق دستورها للسماح بوجود الأحزاب مطلقاً في الدولة. لتضمن حكم العائلة الواحدة بعدم وجود معارضة منظمة من الممكن أن تعيق عمل النظام، كذلك هنالك دول أخرى تم فيها إدراج التعديلات الدستورية التي تنص على أن الحزب الحاكم هو القائد في المجتمع والدولة[7].

كما وتجدر الإشارة أن الاستطلاع الذي أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عام 2016 بيّن أن 32% من مواطني الدول العربية لا يثقون بالجهاز القضائي في بلدانهم[8].

 



[1] الخزرجي, ثامر: النظم السياسية الحديثة والسياسات العامة, دار مجدلاوي للنشر والتوزيع, عمان, ط1, 2004, ص281.
[2] الجمل, يحيى: أهداف الدساتير ووضعها في العالم العربي, الجزيرة نت, 16/6/2017, http://www.aljazeera.net/programs/withoutbounds/2009/7/11/
[3] الهيتي, نعمان: الدساتير العربية النافذة, دار رسلان للطباعة والنشر والتوزيع, دمشق, 2007, ص36.
[4] البياتي, رفعت: حقوق الإنسان في دساتير العالم العربي, دار الفارابي, بيروت, ط1, 2013, ص63.
[5] المرجع السابق, ص61.
[6] القحطاني, محمد: تلك الدساتير العربية, العربي الجديد, 16/6/2017, https://www.alaraby.co.uk/opinion/2017/2/12/
[7] دخيل, محمد: أنظمة الحكم في الوطن العربي, مرجع سابق, ص80-82.
[8] برنامج قياس الرأي العام، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات, مرجع سابق, ص46.