بسم الله الرحمن الرحيم
عند منتصف الليل "صلاح الحموري"
1. خطوط مثقلة بهموم الوطن الجريح، تجر نفسها مكلومةً وتشعر بالظلم الذي أرخى قهره على قهر المكان، وبردٌ يتسلل إلى الروح بغصةٍ هنا ولهفةٌ هناك، يفرض كانون الأول صقيع لياليه على جدران الميتم ينتصب فيه المقاتل ثائرًا ينازع الموت روحه فيبلغ فيه الصوتُ المدى يفعل فعله ضجيجٌ هز أركان الكون أربك النجوم في خدرها والوجع يخرق كل شيء لا يقف عند حد.
2. يلتصق بالأرض وبُغاتُ القوم يشدونه بالسلاسل يبكي كالطفل الذي تاهت به الدنيا في طرقاتها ينادي على (دينيس)(1) بسمة الورد في ملتقى الوادي عليها قطرٌ من ندى صبح بلادي وتلفها شوكةٌ عند الساق تحميها من عبث العابرين تفيح منها ريح الهوى وعبق التاريخ تُهدي بطيب خاطرها الأقل لكل من ضل الطريق والشوق لها يعبر كل حدود.
3. يسابقه الليل يحث خطاه نحو الغرب والفجر ينتظر ليلته الأخيرة، غريب هذا الرجل لا يريد أن يرى فجر ذلك اليوم كأنه يبغي الليل أن يبقى سرمديًا يطلب منه أن يتوقف فرجاؤه من الأم الأرض بأن لا تثور فلا يريد أن ينهي زمانه هنا.
4. تجره يد منقوعةٌ بدماء الأبطال في بلادي وأخرى تدفعه من الخلف يتحدى يقدح من عينيه الشرر يرفع رأسه كثلاثة أبطالٍ ذهبوا إلى الموت بالأمس كانوا أزهارا على أعواد المشانق كما هم اليوم وفي كل يوم.
5. ها هو أمامي في الخندق عند منتصف الليل منتصبًا شامخًا كأنه الموت، تحركه عاصفة هوجاء مبدأها ظلام البحر ومنتهاها عند الفجر، لا ينحني.
6. أخرجت بقايا جسدي من قوة في المصباح أتلمس حزن بقاياه، يزرف الدمع ولغة الصمت تقتلني، يبتسم ثم يصيح في وجه الريح سأعود.
7. انتهت معركة الليل وأوقات الفجر تدقُ الساعات موعد الرحيل إلى مدينة الأنوار، بساطٌ أطير على جناحيه، أركب الغيم من فوق ترتحل أشلائي قطع في الزمان تلتوي عقارب الساعة لتتأخر هنا لحظة مع الدهر.
8. يودعني يرتبك لساني أتعالى على سطوة الموقف، أتقدم إليه وما زالت أطراف أصابعي تلامسه وكلماتي الأخيرة إليه وبينما شاهد القبر الذي أعيش فيه يا رفيقي أنا افتخر بك والسلام .
(1) دينيس: والدة الرفيق صلاح الحموري وهي من اصول فرنسية.
الأسير / إسلام حسن حامد 22/12/2022م