الحاضنه الشعبية .. التلاحم بين الشعب والمقاومة

بقلم ثامر سباعنه

مركز الميدان للدراسات والاستشارات

 

الحاضنة الشعبية، هو المصطلح الذي يُطلق على التأييد والدعم الشعبي للثائرين أو للمسلحين أمام خصومهم، سواء كان هؤلاء الخصوم النظام القائم المحلي أو القوة الأجنبية المحتلة. أو بعبارة أخرى: “الحاضنة الشعبية هي مجموعة من الفعاليات والمواقف الشعبية المساندة لقضية ما، وتأتي انعكاسًا لموقف أيديولوجي أو سياسي، كما تتأثر بالانتماء إلى ثقافة مشتركة، وتتسع أو تضيق حسب الظروف السياسية[1]

ان أي مقاومة شعبيه تحتاج لبعد شعبي يوفر لها الدعم والحمايه، وعلاقة السكان في أي مجتمع بالمقاومة هي علاقة حساسة وعامل مهم في نجاح او فشل هذه المقاومة، فالسكان والأهالي هم الغطاء الأساسي ومصدر القوى البشريه وكذلك مصدر المعلومات الامنيه اضافه الى كونهم مصدر الايواء والاختفاء للمقاومة ورجالها، يقول ماو ( الشعب يزود الجاريلا بالمقاتلين ويوفر المأوى والاستخبارات والتموين وعندما يقترب العدو يستطيع المقاتلون ان يختلطوا بالشعب وان يتظاهروا انهم مواطنون مسالمون هادئون وبذلك يستطيعوا ان يكونوا فلاحين بالنهار ومقاتلين في الليل) وجاريلا هي حرب العصابات او حرب الشعب.

الشعب في أي ثورة او حرب استقلال يُشكل الدعامة الأساسية لهذه الثورة او الحرب، ويتحمل الشعب عبء الحرب والتضحيات، لذا يلجأ المحتل للبطش بالشعوب ورفع فاتورة الاحتلال عليها ليضعف تمسكها وحمايتها للمقاومة، واحيانا يلجأ المحتل لضرب الحاضنه الشعبية كرد فعل على العمليات الناجحه للمقاومة.

يذكر التاريخ امثله كثيره على الحاضنات الشعبية للمقاومة، ومن هذه الحاضنات ما نجح ونجحت مقاومته ومنها ما انتهت تجربته بالفشل، ومن بين الامثله الناجحه الفيتنام، حيث شكلت الحاضنه الشعبيه مأوى وملاذ للمقاومة ضد الامريكان، مما دفع الامريكان لقصف وتدمير قرى فيتناميه بالكامل للانتقام من احتضانهم للمقاومة.

 

الحاضنه الشعبية الفلسطينية:

منذ بدء الاحتلال "الإسرائيلي" لفلسطين، شكلت الحاضنه الشعبية الفلسطينية ارضا خصبه للمقاومة، وركيزة من ركائز الثورة الفلسطينية، وساعد أمر الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين حركات المقاومة في كسب حاضنة شعبية أوسع من التي اكتسبتها حركات أخرى في بيئات غير محتلة، وهذا بسبب وضوح العدو لكونه عدوًّا أجنبيًّا يحتل البلاد بالقوة العسكرية، مما جعل حركات المقاومة الفلسطينية تختصر مراحل واسعة من الدعوة والإقناع لكسب التأييد الشعبي لقتالها ضد الاحتلال؛ على عكس حركات أخرى تقاتل ضد نظام محلي، فحتى لو كان في نهاية الأمر تابعًا للأجنبي؛ لكن تابعيته غير ظاهرة للعيان لكل أحد، مما حدا بهذه الحركات إلى بذل كثير من الطاقات في إقناع الجماهير بحقيقة النظام المحلي كما استقر في عقيدتها.

أدركت الحركة الثورية منذ بدايتها مدى أهمية وجود حاضنة شعبية لفصائل المقاومة، فكانت مخيمات الأردن ولبنان تحديداً ذلك الحاضن الشعبي والخزان الذي لا ينضب لرفد العمل الكفاحي بالطاقات والموارد البشرية. وكون الحاضنة الشعبية بكل تلك الأهمية فقد حاول الاحتلال، وكل من يتضرر من وجود المقاومة وقوتها، أن يجهض هذه الحاضنة والبيئة الشعبية عبر مخططات كبرى استهدفت كل أشكال الالتفاف حول المقاومة ودعمها، إذ أدرك المحتل أن ثقافة المقاومة نفسها التي تعتنقها الجماهير الفلسطينية هي الكفيلة بإبقاء الكفاح المسلح حياً ومتوارثاً من جيل إلى جيل، الأمر الذي دفعه إلى أن يعيد قواعد الاشتباك إلى الأساس الشعبي، باستهداف الفلسطينيين، ليس فقط جسدياً عبر الهدم والقتل والتهجير، بل أيضا عبر محاولات إعادة الهندسة الاجتماعية والثقافية للمجتمع الفلسطيني ككل. وأدت السلطة الفلسطينية في هذه الهندسة الجديدة دورا كبيرا بفعل ارتهانها المستمر لبنود اتفاقية أوسلو، وما يترتب عليها، وبفعل الابتزاز المالي الدائم الذي جعلها ترضخ للطلبات الصهيونية، وأشدها فتكا هو التنسيق الأمني، الأمر الذي أفقد الجماهير ثقتها بقيادتها المفترضة.[2]

وخلال الانتفاضات الفلسطينية عام 1987 وعام 2000 برز بشكل واضح دور الحاضنه الشعبية الفلسطينية التي كانت هي بالأساس تشكل حالة المقاومة والرفض للاحتلال من خلال مشاركة المجتمع الفلسطيني في فعاليات الانتفاضه من القاء الحجارة الى الاعتصامات الى حالات الاضراب وغيره من فعاليات للانتفاضه، إضافة الى بروز حركات وجماعات المقاومة الفلسطينية التي تشكلت من الشباب الفلسطيني الذي هو بالاصل جزء من الحاضنه الشعبية الفلسطينية.

وفي حالة المقاومة الفلسطينية التي تشهدها الضفة الغربية منذ عام 2022 شكلت الحاضنه الشعبية علامة فارقه، وظهر بشكل واضح جدا دورها في احتضان المقاومة، واربكت حسابات الاحتلال "الإسرائيلي".

كما لايغيب عن المشهد حالة الاحتضان الشعبي للمقاومة في قطاع غزة التي خاضت مجموعه من الحروب ضد الاحتلال "الإسرائيلي".

 

إجراءات واليات تكوين الحاضنة الشعبية:

تعزيز دور المجتمع الفلسطيني وإشراك المجتمع  في المقاومة عن طريق تحميله مسؤولية المقاومة كما هي مسؤولة عنها وإعداد شبابه للمشاركة فيها، وظهور المقاومة على انها حماية ودفاع عن الشعب الفلسطيني اضافه الى كونها طريقا للتحرير.

الاهتمام بالاعلام وتحديدا الاعلام المقاوم ولغة الخطاب المتداول بين حركات المقاومة والحاضنه الشعبية، فالإعلام المقاوم هو الذي يسير مع البندقية جنبًا إلى جنب؛ فيحمي ظهر المقاوم ويثبت استقرار الجبهة الداخلية، ويعمل على تماسكها ومقاومة الشائعات والاضطرابات.

الحملات الإغاثية وكفاله الشعب والمجتمع الفلسطيني  وتوزيع المساعدات وتلافي أضرار الحروب والحصار، سعيًا لامتصاص موجة الغضب الشعبي من آثار الهدم ونقص الحاجات الأساسية وتبنى عائلات الشهداء والأسرى وتقديم العون للجرحى والمصابين.

 

 



[1] ماجد إبراهيم أبو دياك، الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية، ورقة عمل مقدمة لمؤتمر: مستقبل المقاومة الفلسطينية في ضوء الحرب على قطاع غزة، ص1، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، سبتمبر 2015م.