الاكتئاب ليس مزحة... !
قرأتُ خبر قيام أحد الشباب في غزة بالانتحار نتيجة معاناته الشديدة من الاكتئاب الحاد، وكتب الشاب في رسالة الوداع عن خضوعه للعلاج المكثف والذي كان آخره على شكل صدمات كهربائية.
الاكتئاب مرض حقيقي ويدخل في خانة الأمراض النفسية، والعالم الطبي يعترف بوجوده وهناك علاجات متنوعة لهذا المرض الخطير.
لا يوجد في البلاد العربية وعيٌ كافٍ بحقيقة مرض الاكتئاب لأسباب مختلفة منها: تداخل الجانب النفسي بالجانب الروحي عند كثير مِن الناس، وعدم وجود دراسات حقيقية شاملة لحالات مرضية مرتبطة بموضوع الاكتئاب، والوصمة الاجتماعية السيئة التي تلحق الإنسان إذا تبين إصابته بالمرض بسبب التصورات الخاطئة عن مراجعة الأطباء النفسيين، والخضوع لعلاجات تشبه ما يخضع لها المرضى العقليون.
الإنسان المكتئب يصبح لديه نوع من العدمية وعدم جدوى الوجود بسبب استنزاف مشاعر الأمل والسعادة والغاية الوجودية، فهو يرى كل شيء حوله سوداويًا كئيبًا، وهو لا يتبنى هذه المشاعر متعمداً إنما تكون مفروضة عليه. والإنسان المكتئب عادةً يبذل جهوداً حثيثة للخروج من حالته المرضية، لكن غالباً ما تكون عقيمة وبلا جدوى. .
من الأخطاء الحقيقية التي نقع بها هي محاولة ربط المرض بالبعد عن الله، هناك مَن يدّعي أن المكتئب يمر بما يمر به الآن نتيجة علاقته الضعيفة بالله. قد يكون الإنسان نشيطا على المستوى الروحي، يتمتع بصلة قوية مع خالقه، ويعاني في الوقت نفسه من الاكتئاب.
لا يمكن إنكار حقيقة أنّ البعد عن الله، والسير في الضلال من مسببات الاكتئاب، لكن هذا يندرج تحت الاكتئاب الروحي، وهناك أنواع أخرى من الاكتئاب، فمنها مرتبط بالجسد نتيجة عدم توازن العناصر الكيميائية في الدماغ، وهناك نوع آخر يحصل نتيجة الصدمات النفسية، فكل حالة مرضية تعامَل على حدة بناءً على النوع والظروف والمتغيرات التي تؤثر عليها.
يجب الأخذ بجميع الأسباب عند الإصابة بالمرض، الأحرى على الإنسان الذي يعتقد بمرضه التوجه إلى الطب اولاً
لا أنكر أنّ القرآن شفاء، وهناك معجزات حصلت فعلاً بالعلاج القرآني، لكن الطب يأتي أولاً اقتداءً بمبدأ الأخذ بالأسباب، وأنّ لكل داءٍ دواء حسب حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
لا يوجد مبرر يسمح بالانتحار، اياً كان ما يعانيه الإنسان. الانتحار جريمة كبيرة في الاسلام يـخلّد المرء على إثرها بالنار. والنبي لم يصلّ على منتحر حتى يزجر الناس عن فعل هذا الأمر الخطير جداً، لكنّ الصحابة صلّوا عليه.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "من قتل نفسه بحديدة؛ فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن شرب سما فقتل نفسه؛ فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه؛ فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا". "
في نفس التوقيت، نحن لا نجزم بدخول أي إنسان النار بالرغم من وضوح النص النبوي، فالحكم على الإنسان يأخذ أبعادًا مختلفة تفوق قدرات الوعي لدى الإنسان، وهناك إمكانية أن يُغفَر للإنسان بأن يُشفَّع او يُرحَم.
الاكتئاب ليس مرضًا عابرًا، وليس مزحة، والمكتئب لا يقوم بالدراما بادعائه هذا المرض. الاكتئاب مرض حقيقي يجب أن تتكاثف الجهود على المستويات كافةً في دراسته وعلاجه، والشخص المكتئب يحتاج بجدّ الى عناية ورعاية حقيقية حتى يرسو على بر الشفاء.