الانتصار على الرغم من الكراهية

مِن طبيعة البشر أنهم يكرهون حسب أسباب خارجية فرضتها وقائع الحياة على الأرض، فالإنسان يكره العدو بناء على الأذى الذي يسببه هذا العدو، فلو لم يأت المحتل لن يجد الإنسان أي سبب لكُره و بغض هذا العدو، فَهُم على السواء بشر يندرجون معاً تحت تعريف الإنسانية.

الكراهية من جانب العدو أمر طبيعي وغير مستغرب، لا يجتمع النقيضان في جميع معادلات الحياة واجتماعهما يوحي بالخروج عما هو طبيعي. ومن هذا المنطلق تجد الشعوب المحتلة تكره اعداءها بسبب ظلمهم وجرائمهم وسرقاتهم والمحتلون يكرهون الشعوب بسبب مقاومتهم ورفضهم التسليم للأمر الواقع وتجريمهم المحتل.

علاقة البُغض والكراهية بين الاحتلال والشعب تبقى داخل الحيز الطبيعي ما لم تصل الى حدود متطرفة وجنونية في الكراهية، قد يسأل سائل وكيف لنا أن نعرف أن كراهية العدو خرجت عن إطار المعقول والتصور الإنساني؟

عندما ينتزع العدو صفة الآدمية من اعداءه ويقتل الصغار والكبار والنساء والرجال لا فرق بينهم، ولا تفرق جرائمه بين مقاتل ومسالم، عندما ينتهك العدو جميع الحرمات التي توقفت عندها الحروب، فاعلم أن كراهيته تجاوزت جميع الحدود المعقولة التي يقبلها العقل.

لا تصل الكراهية الى هذه الحدود الجنونية إلا بسبب عجز الاحتلال عن هزيمة الشعب المحتل، وهذه إشارة مستقبلية تحمل في جنباتها أملاً كبيراً بالانتصار القريب، بل أن هذه الكراهية العميقة تعد أول دليل على أن الشعب بشكل فعلي ينتصر على الاحتلال.

الاحتلال الإسرائيلي وصل مراحل وحشية وغير آدمية في كرهه لنا، نجدهم يبررون لأنفسهم قتل الأطفال والنساء وهدم البيوت وحصار شعب بأكمله عقاباً على مقاومته، الاحتلال دمر حي كامل وتسبب بموت عشرين طفل حتى يصل إلى قائد في حركة الجهاد الإسلامي، الاحتلال لا يتوانى عن قتل الصغار عندما يرمونه بحجارة لا يمكن أن تسبب للجندي أي خدوش، و هذا ما أبدى منه الشهيد يوسف ريحان (أبو جندل) تعجبه في وجه ضابط صهيوني عندما خرج في مجموعة من شرطة جنين للوقوف في وجه جنود الاحتلال عندما علم بملاحقتهم الأطفال بسبب قيامهم برمي الحجارة، قال أبو جندل للضابط: " كل هذا الاستنفار لقتال أطفال؟، انا عسكري و هذا وضع قتالي".

هذا هل هذا كُره طبيعي، هل العقل الإنساني المجبول على حُب العدل وتقدير قيمة الحياة يستطيع تَقبّل هذه البربرية؟

أنا لا أقول إننا لا نكره الاحتلال، ولكن كرهنا له لا يخرج من إطار ما هو طبيعي لعلاقة الشعب المُحتَل بعدوه، نحن لا نقتل الأطفال ونستهدف المدنيين، حتى في واحدة من عمليات المقاومة العسكرية في الضفة وهي عملية "ايتمار" تجنب المنفذون قتل الأطفال الذين كانوا في سيارة.

كنفاني صاحب الفلسفة العسكرية في المقاومة صور الصهاينة في رواياته على أنهم بشر عاديون تعرضوا الى الاضطهاد والإبادة، نحن نرى من العدو إنسان يجب قتاله بناء على تجاوزه وعدوانه لا أكثر، نحن لا نبني عقائدنا على بُغض من هم سوانا،

الصهاينة يمارسون الكراهية ويبررونها في كتبهم وأديباتهم حتى أصبحت جزء من عقيدتهم، وهذه الكراهية بلغت حدود اللاإنسانية أسباب عديدة، حسب الكاتب مروان بشارة فالاحتلال يكرهنا بسبب الخوف والغضب والحسد.

** الخوف: الاحتلال يهاب الشعب الفلسطيني ويرى فينا خطر وجودي، تخيل الاحتلال يقتل ويسجن ويطرد ويصادر، وبالأخير التوقعات تشير إلى أن الشعب الفلسطيني سوف يتفوق ديموغرافياً (عدد السكان) على اسرائيل، بالرغم من المذابح التي يرتكبها الاحتلال إلا أنه عاجز الى الآن وقف تزايد أعداد الفلسطينيين على الأرض، و بصورة مغايرة تماماً عما نعيشه على أرضنا، إلا أن شعبنا لا يكف عن الأمل بالتحرير و استرداد الأرض و يسلم الراية الى الأجيال اللاحقة حتى مع علمهم بشظف العيش و صعوبته مع وجود الاحتلال، هذا كابوس مرعب للصهاينة؛ نحن نهدد اسرائيل وجودياً بوجودنا وصمودنا على الأرض، لا يمكن لدولة أن تعيش وتستقر و هي خائفة على الدوام، كيف لهذه الدولة أن تجد لنفسها الراحة و السكينة في ظل خوف و رعب يغمرها كلياً.

** الغضب: اسرائيل غاضبة من الشعب الفلسطيني، على الرغم من كل ما نتعرض له، إلا أننا نرفض الاستسلام ونتمسك بالبقاء.

حكومات الدول العربية جميعها خضعت للصهاينة والعالم كله في جيبهم، لكنهم عاجزين عن هزيمة شعب اعزل متمسك بأرضه وثقافته، اللاجئون يلوحون بمفاتيح منازلهم املأ بالعودة والشعب يقاوم على الأرض. ما أن يقول العالم ها هو الشعب الفلسطيني توقف وها هي القضية الفلسطينية انتهت، يخرج جيل مطابق لأجيال سبقته في المقاومة والصمود وإثبات الوجود.

** الحسد: اسرائيل تحسدنا على هذا التمسك بالأرض والثقافة والإرث، اسرائيل تحسدنا على شجاعتنا وكبريائنا، اليوم الاحتلال يعاني في تجنيد شعبه بالرغم من جاهزية العتاد ووسائل الحماية الكثيفة، بينما الطفل او الشاب الفلسطيني يرمي نفسه الى الموت في مواجهة عدوه وكأن له تسعة أرواح. اسرائيل تحسدنا على تاريخنا، نحن الأرض والتاريخ، هم ليس لديهم تاريخ، تاريخنا ممتد في جذور هذه الأرض، لنا من التاريخ ما يغطي كل جانب، فلنا مبانٍ وطعام وملابس مرتبطة بهذه الأرض، بينما الاحتلال وصل في حفرياته الأرض السابعة ليجد ما يربطه بهذه الأرَض، حاولوا توريطنا في عبارة ارض بلا شعب، لكن وجودنا على الأرض إثبات حي لفشل وبطلان حججه للوجود في فلسطين.