لا يمكنك تغيير العالم مِن كَرت..!
تشهَد هذه الفترة مع حلول اشهر الصيف إقامة اعداد كبيرة مِن الأعراس في مجتمعنا الفلسطيني، و معها تترافق العادات التي دائماً تكون جنباً إلى جنب مع الأعراس.
كنتُ انا و عدد من الاصدقاء نتحدث عن عادة ملازمة للزواج في بلادنا الا و هي عادة توزيع كروت الأعراس او كما نسميها بلغة مجتمعنا "كروت المعازيم". "
الكثير من عادات الأعراس اليوم مازالت على النهج الذي ورثناه عن أجدادنا، بعض هذه العادات بقيت كما هي و أخرى خلطت بين حداثة العصر الجديد و أصالة العادات والتقاليد، يمكن أن نقول أن كروت الأعراس تقع ضمن الصنف الثاني من عادات الأعراس. في السابق، اعتادَ أصحاب العُرس على دعوة الناس من خلال توزيع الكروت، و الآلية تتم من خلال تسليم الكرت الى الشخص المدعو باليد، و مع بداية الزحف التكنولوجي على الساحة، باتت الهواتف و الجوالات مفيدة لدعوة بعض الناس، و دخلت مواقع التواصل الاجتماعي لاحقاً لتلعب دوراً كبيراً في إراحة الناس من توزيع الكروت.
و في النقاش مع اصدقائي، قلتُ لهم نحتاج إلى جرأة من الناس للتوقف عن استخدام الكروت و إنهاء ظاهرتها تماماً، لما يسبب هذا الامر من تعب و جهد، و جاء ردهم أنّ الكثير من الناس يأخذون على خاطرهم بل و منهم من يرفض القدوم اذا لم يتم إقامة الواجب بحقه من خلال الكرت او الحضور الشخصي.
حتى أكون صريحاً مِن ناحية إقامة الواجب، اعتقد أن الناس تبالغ كثيراً في أمر التوجيب و تخرجه عن مقتضاه المعقول. اين الإهانة في دعوة انسان من خلال الهاتف او مواقع التواصل الاجتماعي؟ و لماذا نتعالى الى هذه الدرجة الغريبة؟
مَن يرغب حقاً في القدوم إلى عُرس احد الناس، لن يثنيه شيء عن الذهاب و لو وجد ألف عذر، بينما مَن لا يرغب في داخله بالقدوم، حجة واحدة بالنسبة له تكفيه حتى يعدل عن قرار الذهاب. مَن يحبك و يحرص على القدوم من أجلك لن يحتاج إلى كرت دعوة.
الأمر الآخر، الأعراس الفلسطينية قديماً كانت محصورة في تجمعات سكانية صغيرة مثل القرى و الحارات، لم يكن على ايامهم إشكال كبير في دعوة الناس بسبب تجمعهم في حيز جغرافي ضيق. لكن اليوم توسعت العلاقات و بات الإنسان على معرفة بأشخاص آخرين من كل حدبٍ و صوب، و اصبح إرسال الكرت امراّ صعب و معقد. التوزيع الجغرافي للناس على حدود و مواقع بعيدة و متباعدة مع وجود مواقع التواصل التي خلقت بين كثيرٍ منهم فرصة للتعارف و التقرب، و هذا أغرى العديد الى استبدال الكرت بالهاتف او الانترنت لدعوة الناس.
قد يختلف الكثير معي لاعتباري كروت الأعراس من العادات الغابرة التي يجب تجاوزها، هم لديهم كامل الحق لأن الكرت ما زال على الساحة.
وجهة نظري قائمة على مبدأ تسيير الامور و تسهيلها قدر المستطاع، و تحديداً أن ديننا الحنيف قائم على التيسير و التخفيف.
في نهاية النقاش مع الأصدقاء، قال احدهم بما يقتضي المعنى، أتريد أن تغير العالم من كرت عرس؟؟؟ لن اغير العالم من كرت عرس، لكن أنا لا استحقر الأمور الصغيرة، فالجبال ما هي الا حصى متراكم، و لو وضعنا العقدة في المنشار عند كل أمر نريد تغييره، لن نغير شيئاً على الاطلاق.