في فلسطين .."الصحافة بلا حماية"

لم يكن مشهد اغتيال شيرين أبو عاقلة إلا دليلاً إضافيا على أن الصحفي معرض الى أقصى درجات الاستهداف وهي القتل، وخاصة من قبل الاحتلال، ولكن قبل ذلك هو معرض لأصناف عديدة من المضايقة والتضييق والملاحقة وليس آخرها الاعتقال.. ويبدو أن الصحفي في فلسطين مستهدف ليس من الاحتلال فحسب، فقد طالت يد الاعتقال السياسي الغاشم من حرية الصحفيين مرارا وتكرارا وليس آخرهم الصحفي  محمد عتيق المحتجز في سجن أريحا لدى السلطة الفلسطينية منذ أسابيع.

 

يكمن الهدف الاساسي في استهداف الصحافة هو منع وصول الحقيقة التي لا تريدها سلطة ما من الوصول الى الجماهير، ورغم صعوبة هذا الهدف في عصر السوشال ميديا وتنوع وسائل الاعلام، الا أن وسائل الحكومات وأذرعها الأمنية تطورت وتنوعت أيضا في ملاحقة ومحاولات اسكات صوت هذا الاعلام بما في ذلك حرب الاعلام المضاد والاشاعة الكاذبة، ويبدو لي أن كل السلطات وسواء كانت تمتلك الشرعية أم لا تضيق ذرعا بوسائل الاعلام، ولا ترغب أن يشكل الاعلام وسائل رقابية عليها ينتقد اداءها ويفضح ممارساتها ويشير الى تقصيرها ويسلط الضوء على تجاوزاتها، فقد امتدت مؤخرا يد عصابات الاجرام في الداخل الفلسطيني المحتل، التي باتت تمتلك سلطة قوية ناتجة عن غض الطرف عنها وعن جرائمها من قبل الشرطة الاسرائيلية، لتغتال الصحفي نضال اغبارية في ام الفحم مدير موقع بلدنا، كما اعتدت نفس العصابات على منزل الصحفي كمال عدوان في دالية الكرمل باطلاق وابل من الرصاص عليه لتنشر الرعب والفزع بين سكانه.

 

سلطات الاحتلال الصهيوني تعتقل في سجونها، حتى كتابة هذه الأسطر، سبعة عشر صحافيا كان آخرهم الزميلة لمى غوشه والتي أفرجت عنها سلطات الاحتلال للحبس المنزلي مع المنع التام من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، الصحافية المقدسية التي تسكن الشيخ جراح وتعمل لدى شبكة القسطل كانت تقدم برنامج بروفايل أسير، مسلطة الضوء على معاناة الأسرى المقدسيين وما يتعرضون له من معاناة وانتهاكات، وبذلك تكون سلطات الاحتلال مارست سياسة تكميم الأفواه بحق غوشة ومنعتها من الوصول الى الحقيقة بل إن الاحتلال يسعى الى تشويه الصحافي عبر اتهامه بدعم الارهاب والتحريض على العنف وهذا ما وجهته نيابة الاحتلال كلائحة اتهام ضد الزميلة لمى .

 

تتنوع وسائل السلطات في قمع الصحافة بدأ بالاغتيال مرورا بالاعتقال والملاحقة ومنع التنقل وتقييد الحركة وصولا الى التهديد وتشوية السمعة وانتهاء باغلاق المؤسسات الصحافية وقصف مقراتها، وفي ظل غياب تام للقانون الدولي أو رادع يمنع استهداف الصحافة تتواصل الاعتداءات عليهم دون رادع لمنعهم من أداء مهامهم في ايصال الحقيقة الى الناس.

 

أثبت الاحتلال أن سياسة استهداف الصحفيين هي منهج ثابت لديه، ليس الأمر مستغربا، فالاحتلال يريد أن يمتلك حصريا وحده رواية الأحداث وبما يضمن له أن يبقى دائما بعيدا عن موضع الاتهام، بينما يكون الفلسطيني الاعزل دائما هو المخرب والمعتدي والمهاجم، في حين يسمي جيشه بجيش الدفاع، وحتى عندما يرتكب جرائمه الواضحة أمام عدسة الكاميرا، يكون سلفا قد أعد التبرير الذي سرعان ما ينهار أمام الرواية الحقيقية .