" حق المعلم تحت سياط القانون "
في ظل الأزمة الخانقة التي تمر بها العملية التربوية و التعليمية ، تهنا و ما تاهت مرامينا ، تعبت الدروب و لم تتعب عزائمنا ، تخطو أفكارنا في بحر متلاطم من الظلمات ، تتدحرج بين سياط الجلاد و بين مطالب سعى الموظف للحصول عليها لإنصافه ولو جزئيا اقتداء مع موظفي الدولة الآخرين ،
اجتمعت حلقات عديدة حول تلك الحقوق المشروعة بين مؤيد و معارض، متساهل مع المعلم و حقوقه و متشدد مع الحكومة و موقفها ، ودارت الصراع جهات كثيرة لكل منها مآربها و أهدافها التي قد تخرج أحيانا كثيرة عن الدائرة المسموح بها لحاضنة التعليم و التربية ،
و قع المعلم و تلعثر ، وقف و صحح ، أخطأ و أصاب ، وقف و مشى ، فكّر و تجاهل، تمسك بحقوقه وشخصيته و فسح المجال أمام مبادرات كثيرة لكسر عنق الزجاجة، صعد إلى الهرم وحيدا ، وعاد و نزل وتمسك بالجذر أيضا وحيدا ، غلّب مصلحته الشخصية وطاوع عقله وفكره حينا و طاوع قلبه وضميره ليجلس مع طلابه حينا آخر، تناقضات جمة فرضتها المرحلة و ترسبات السنوات السابقة ، سيدفع ثمنها الوطن و الأبرياء .
فيا حسرة على الذين لا يميزون بين الغث و السمين و ما بين الحق والباطل، يتبعون النزوات ، فقراء الفكر و الإدارة ، يميلون حيث تميل الرياح و الأهواء، أين نحن ذاهبون؟ إلى هناك حيث المزيد من الإرباك و الضلال .
في ظل التعنت الحاصل بين الأطراف المتنازعة منذ شهرين و أكثر، خرجت أصوات كثيرة تغرد خارج السرب ، نشاز و مشبوهة تتحدث وكأنها تحاول أن تتجردت عن ماضيها سيئ الذكر ، تعتقد أن معسول الكلام و بهرجة الجمل و العبارات يزيل عنها جبنها و ضعفها و تبعيتها ، مثل هؤلاء الأشخاص هم أدوات تتنقل حسبما يقتضيه الواقع و الحال الذي يفرضه من يشغِّلونهم ، فراحت تكتب بلغة الحرص على مصالح الناس و الفقراء ، مما أحدث الشرخ بين صفوف المعلمين من جهة، وأعطت الحكومة الحجة لتبقى متمسكة بقرارها الجائر بحق الموظفين، ويزيد من تعنتها ، وقد تلجأ إلى إجراءات تعسفية بحق المضربين بناء على تصريحات الأصوات المشبوهة التي تخرج من وكرها من حين إلى آخر و تبث سمومها هنا وهناك .
فمع الرفض التام و المطلق لكل الصفحات التي تحمل أسماء غير واضحة.. أو صفحات تحمل أسماء معروفة لكنها غير واضحة في فكرها و سلوكها ، ومع الإيمان المطلق بحق المعلم أرى أن الجهات الرسمية هي من فسحت المجال لمن يريد أن يغرد خارج السرب ، لعدم التزامها بالاتفاق الذي وقع قبل عام وعدم قدرتها على إدارة الأزمة و رفضها المطلق أن تتعامل مع الحقوق المشروعة بطرق سليمة ، إضافة إلى تصرف الاتحاد المسؤول الأول عن المعلم والذي أصبح متحدثا باسم الحكومة ، و ترك رعيته تواجه مصيرها وحيدة!
فجاءت تصرفات كثيرة لتضرَّ بالمعلمين وكانت في أغلبها مقصودة إذ تدخل في الزمن المناسب لنزع فتيل الاهتمام من جموع المعلمين و تتهاوى معنوياتهم من حيث لا يدرون،
قضيتنا أصبحت في فراغ لا نعول على نجاحها، لأن بعض المعلمين تماشوا مع الطرف الآخر ، وتركوا زملاءهم في معمعة الرحى يواجهون مصيرهم أفرادا لا جماعات ، كانوا نقطة ضعف للمعلم المضرب ، و أصبحنا في صراع داخلي بين المعلم نفسه ومع زملائه و مع الواقع السلبي المحيط ، خرجت الفعاليات عن العمل النقابي ، ولم تعد عملا من أجل مطالب أقرتها المؤسسات ، للاسف استطاعوا تفتييت وحدة الأضراب ، وجاء قرار فك الإضراب من المعلم نفسه ليزيد الفوضى ، وتمكنت الحكومة من الاسترجال على من تبقوا مضربين .
لم يكن الأمر سهلا داخل الوسط التربوي و التعليمي خلال الفترة الماضية ، اُستنزفت الطاقات داخل المؤسسة، شلل أصاب الجسم التعليمي ، لم يكن حضور الطلبة مقبولا ، ولم يقدم المعلم مادته بالشكل الذي يرضاه ، فهو يدرك أن مسيرة الدوام غير طبيعية و هناك إجراءات تربوية ستغير مجرى الأيام التي تلي الإضراب، فهو يعيش في مرحلة أكثر توترا من المعلم المضرب ، هذا زاد من نسبة الخطر على العملية التعليمية، وشتت المعلمين وزاد من قلقهم وحيرتهم ، و خاصة أن الوزارة لوحت بل أقرت برامج التعويض وهذا خلق أزمة جديدة عند المعلم الذي التزم دوامه ، إذ عليه أن يقدم المادة لمن غاب من الطلاب وهم كثر ،
إنّ عدم توافق المعلمين و تجاذب آرائهم أنتج مسوغات لأصحاب الرأي و المسؤولية، ليشككوا في الإضراب و يطلقوا عليه أسماء تمس هيبة المعلم و تقلل من دوره ، من ناحية أخرى مرروا للحكومة سببا كبيرا و واضحا لتماطل و تواجه و تخلق الأعذار الواهية لعدم مشروعية العمل النقابي الذي لجأ اليه المعلم ،
ما حدث لهو انقضاض على المعلم بطرق شتى و بوسائل مختلفة أهمها وأولها هو المعلم نفسه، حيث تقاعس و ركن إلى ذاته وتغطى بمصلحته الشخصية و آثر نفسه على الجميع، وغرد بعيدا عن الهموم التي تتكدس فوق الجميع، و اعتقد أنه على صواب و رأى أن جموع المعلمين لبسوا الباطل و تمسكوا بخيوط الضلال ،،،
ما يؤرق قضية المعلم تنوع الأفكار التي ينتمون إليها و تعدد مشاربهم التي ينالون منها أفقهم السياسي و الحزبي الضيق ، ناهيك عن جزء من المعلمين تحكمهم ظروفهم الوظيفية فهي بدورها تحول دون التزامهم مع زملائهم في أية خطوة نقابية ، لذا من الصعوبة بمكان أن تسير دفة العمل بهدوء ودون شوائب ، فعلى الجميع أن يتحمل النتائج مهما كانت مجحفة أو عادلة ، لترقيع ما يمكن من الثقوب التي أصابت سفينة التعليم.