العلم  واستهداف الهوية الفلسطينية

بقلم ثامر سباعنه – فلسطين

 

العلم الفلسطيني هو رمز الدولة الفلسطينية ومظلة الشعب الفلسطيني وثورته، هو راية يستخدمها الفلسطينيون منذ النصف الأول من القرن الـ20 للتعبير عن حقهم الوطني في فلسطين المحتلة. صمم الشريف حسين الشكل الأساسي للعلم الحالي، على أنه علم الثورة العربية في العام 1916، وكانت ألوانه، من الأعلى للأسفل: أسود وأخضر وأبيض، مع المثلث الأحمر. واستخدم الفلسطينيون العلم في إشارة للحركة الوطنية الفلسطينية في العام 1917. وفي العام 1947 فسر حزب البعث العربي العلم كرمز للحرية والوحدة العربية، أعاد الفلسطينيون تبني العلم في المؤتمر الفلسطيني في غزة في العام 1948تم الاعتراف بالعلم من قبل جامعة الدول العربية على أنه علم الشعب الفلسطيني، وكذلك أكدت منظمة التحرير على ذلك فى المؤتمر الفلسطيني فى القدس في العام 1964.[1]

قبل اتفاق أوسلو 1993، كان رفع العلم الفلسطيني واحداً من الأعمال البطولية التي تتطلب تخطيطاً وتنفيذاً بعيداً عن أعين الاحتلال وعملائه، وتكلّف منفذها الملاحقة والسجن مدة تتراوح ما بين ستة أشهر سجناً فعلياً كحد أدنى، وثلاث سنوات مع وقف التنفيذ مع غرامة مالية.

 

قانون رفع العلم:

وسط حالة من الجدل الشديد حول رفع العلم الفلسطيني في القدس وفي أوساط الفلسطينيين العرب في إسرائيل، صادقت الهيئة العامة للكنيست الإسرائيلي، في مطلع شهر حزيران 2022، بالقراءة التمهيدية، على مشروع قانون يحظر رفع العلم الفلسطيني في المؤسسات التي تُموّلها الدولة، وقد صوّت إلى جانب هذا القانون الذي قدمه النائب الليكودي إيلي كوهين 63 عضواً من قوى المعارضة والائتلاف الحكومي على السواء، بينما عارضه 16 نائبا من النواب العرب وبعض ممثلي اليسار الصهيوني

اللجوء إلى خيار استثمار الغالبية المتاحة في الكنيست لفرض تشريعات تُقَيّد حقوق الفلسطينيين في إسرائيل في التعبير عن هويتهم الوطنية وانتمائهم القومي، جاء ردا على موجات التعبير عن هذه الهوية الوطنية عبر سلسلة من الفعاليات والأنشطة الجماهيرية، والتي امتدت من مسيرات العودة للقرى المهجرة خلال السنوات السابقة، وصولا إلى أنشطة الطلاب العرب في الجامعات الإسرائيلية وخاصة جامعة بن غوريون في بئر السبع، وجامعة تل أبيب، إلى مظاهر التعبير عن الهوية الفلسطينية كما في أحداث هبة تشرين العام 2000، أو أحداث شهر أيار 2021. الحادثة التي استفزت قوى اليمين الإسرائيلي من الشركاء في الحكومة وقوى المعارضة كانت فعاليات إحياء ذكرى النكبة في جامعة بن غوريون في بئر السبع، والتي دفعت رئيس بلدية المدينة، روبيك دانيلوفيتش، إلى اتهام إدارة الجامعة بالتخاذل قائلا إنه يشعر بالصدمة والخجل.[2]

طمس الهوية الفلسطينية:

ملاحقة الجنود الإسرائيليين للشباب وهم يرفعون علمهم، تعيد للذاكرة مشاهد من الانتفاضة الأولى حين كان الاحتلال يلاحق من يرفع العلم ويرسل وحدات لإنزاله أينما رُفع.لكن اليوم بات الأمر مختلفاً، لاسيما بعد اتفاقية أوسلو فلم يعد هناك مبرر قانوني يمنع رفع العلم الفلسطيني، إذ اعترفت (إسرائيل) بمنظمة التحرير، وبات من المصرّح به رفع العلم في كل فلسطين التاريخيّة.ومع ذلك يتيح القانون الإسرائيليّ لقوّات الاحتلال المناورة، وفعلياً ما تزال منظمة التحرير الفلسطينيّة من نواحٍ قانونيّة وتقنيّة تعدّ منظمة إرهابيّة والعلم الفلسطينيّ رمزًا لها، وهذا يمكّن الاحتلال من ملاحقة ومحاسبة كل من يرفعه بالقدس.[3]

سعت دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى محاربة الرموز الوطنية الفلسطينية، ولعل العلم الفلسطيني أبرزها حيث أقرت قانونا يحظر علم فلسطين عام 1967 ويمنع إنتاج أعمال فنية تتكون من ألوانه الأربعة، وطوال مسيرة النضال الفلسطيني استشهد وجرح واعتقل مواطنون من أجل العلم الفلسطيني، خاصة خلال انتفاضة الحجارة عام 1987.

من الواضح أن حساسية دولة الاحتلال الإسرائيلية وأجهزتها والقوى التي تقودها إزاء قضية العلم الفلسطيني، بل ومن أي مظاهر ترمز للحضور السياسي الفلسطيني في القدس، تعود إلى تصميم هذه القوى على فرض السيادة الإسرائيلية على المدينة بأي ثمن ومهما كلّف الأمر، وذلك ما يفسر سلسلة المواقف المتطرفة والسماح بالاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى، ثم في حالة الإجماع اليميني التي نشأت حول مسيرة الأعلام التقليدية، والتي كانت في الماضي تقتصر على قوى الصهيونية الدينية المتطرفة.[4]

سبق للنائبة أوريت ستروك، من حزب الصهيونية الدينية اليميني المتطرف، أن اقترحت مشروع قانون في أيار الماضي يمنع رفع العلم الفلسطيني قطعيا في "مناطق" إسرائيل، وبررت اقتراحها بأن ما اسمته علم السلطة هو علم لكيان إرهابي ينص في وثائقه على تمويل الأعمال الموجهة ضد إسرائيل، وبذلك يعدّ هذا العلم علما إرهابيا، وينطوي مشروع القانون الذي اقترحته النائبة اليمينية، بحسب موقع (سيروجيم)، على عقوبة الحبس لمدة ثلاث سنوات أو غرامة بمقدار خمسة آلاف شيكل، وتمتد العقوبات بحسب المشروع المذكور لتشمل المشاركين في مظاهرات واجتماعات يرفع فيها "علم السلطة الفلسطينية.[5]

 الكاتب والأكاديمي "الإسرائيلي" اليميني المتطرف مردخاي كيدار الأكثر وضوحا في تفسيره للجدل الدائر حول معارك العلم، فكتب في صحيفة "مكور ريشون" بتاريخ 17//5/2022 أن "العلم ليس قطعة قماش بريئة، فعندما تتصارع مجموعتان على أرض واحدة، فإن الأعلام التي ترفرف تشير إلى الهدف، وكذلك إلى الخصم والعدو، وبالتالي فإن رفع العلم هو إعلان حرب بوسائل مرئية، إنها دعوة صريحة وواضحة للقتال، فالعلم يعبر عن هوية جماعية، ويعبر عن طموح وطني، وبالتالي يحدد من ’نحن’ ومن ’هم’"..

 



[2] مدار: حول رهاب العلم الفلسطيني وحساسية اسرائيل من الحقوق الوطنية للفلسطينيين https://www.madarcenter.org/

 

[3] صحيفة الرسالة: لماذا يرعب العلم الفلسطيني الاحتلال ، https://alresalah.ps/post/246163

 

[4] مدار ( المصدر السابق)

 

[5] مدار (المصدر السابق)