تقدير موقف – أحداث رمضان
تسعى هذه الورقة الى استشراف السناريوهات المتوقعة جراء الاحداث المستمرة منذ بداية رمضان في محيط وداخل المسجد الاقصى
تقديم
منذ نشوءها سعت الحركة الصهيونية الى لتثبيت روايتها التاريخية والدينية المزعومة حول فلسطين، وتثبيتها كحقيقة واساس في سياساتها وادعاءاتها في الاحقية بارض فلسطين، وقد شكلت السيطرة على الاماكن المقدسة احد اهم اركان هذه السياسة، وقد دفعت جهات عديدة داخل الكيان وفي مقدمتها الاحزاب والحركات الدينية اليمينية المتطرفة، الى الدفع قدما بضرورة السيطرة على الاماكن المقدسة وعلى راسها المسجد الاقصى المبارك واعتباره مقام مكان الهيكل المزعوم.
خلفية تاريخية
بعد احتلال شرقي القدس عام 1967 اغلقت قوات الاحتلال المسجد الاقصى بوجه اليهود لفترة محددة، ولم تشجعهم على الدخول اليه الا كسياح، لكنها استطاعت ان تنتزع حائط البراق من المسلمين، وتخصيصه لليهود دون غيرهم لممارسة شعائرهم فيه. وقد بقي صوت الفتاوى الدينية اليهودية القائلة بحرمة دخول المسجد الاقصى من قبل اليهود هو الاعلى، لكن شيئا ما تغير مع مرور السنوات، فقد بدا الامر بالتحول الى زيادة في اقتحام الاقصى على يد الصهاينة بعد اتفاقيات السلام مع الاردن والسلطة الفلسطينية، ومع ازدياد قوة التيار الديني الوطني الصهيوني في دولة الكيان، والذي ظل يرفض الاقرار بصحة الفتاوى الحريدية المانعة لدخول الاقصى، بل ان حاخامات هذا التيار اصدرت العديد من الفتاوى التي تشجع اليهود على اقتحام الاقصى وممارسة الشعائر الدينية فيه.
وقد وجد هذا التيار المتطرف اذانا صاغية له جيدا في المؤسسة الحاكمة في الكيان، خاصة في العقدين الاخيرين، كما انه تلقى كل الدعم من جهات اخرى عديدة من خارج الكيان، ابرزها التيارات المسيحية الانجيلية البروتستانتية في الولايات المتحدة، والتي تسعى منذ زمن الى تعزيز محاولات السيطرة على المسجد، او على الاقل الوصول مرحليا الى تقسيمه مكانيا وزمانيا، حيث زادت هذه المساعي والجهود في السنوات الاخيرة بصورة واضحة مع احكام اليمين المتطرف قبضته على مؤسسات الدولة في الكيان، ومع وصول ترامب الى رئاسة الولايات المتحدة ومنحه تفويض للصهاينة بالحق في القدس.
ومنذ العام 1996 شهد المسجد القصى ومحيطة العديد من المواجهات على خلفية السياسات الصهيونية الاستفزازية تجاهه، والتي اوقعت الاف الشهداء الفلسطينيين كان ابرزها هبة النفق عام 1996 التي استمرت قرابة اسبوع، وقدم فيها الشعب الفلسطيني اكثر من مئة شهيد، وانتفاضة الاقصى التي جاءت على اثر اقتحام شارون للمسجد والتي استمرت لسنوات مع عديد الاف من الشهداء والجرحى والمعتقلين، ثم هبة القدس عام 2015، وما عرف بهبة البوابات عام 2017 والتي اجبرت الاحتلال على التراجع عن مخططه، ربما الاخطر في السنوات الاخيرة، تلا ذلك معركة سيف القدس عام 2021 التي ميزها انضمام جبهة غزة هذه المرة والتي لقنت الاحتلال ضربات موجعة، واخيرا ولايبدو اخرا، الاحداث الدائرة الان في شهر رمضان المبارك \2022، ولاشك ان المتابع لهذه الاحداث سيدرك ان هذا التصدي البطولي من الفلسطينيين العزل للاحتلال وسياساته اسهمت فعلا في الدفاع عن الاقصى وادت الى افشال الكثير من مخططاطه الاستعمارية.
الاسباب والدوافع
اضافة الى الدوافع الدينية والايدولوجية التي تقف وراء سياسات الكيان في المسجد الاقصى، هناك دوافع سياسية واخرى روائية سردية لدى الاحتلال يسعى لتثبيتها في المكان، "فاسرائيل" تسعى الى تغيير الواقع للوصول الى بناء الهيكل المزعوم الذي يمثل قمة انتصار الرواية والسردية الصهيونية للمكان خاصة وفلسطين بشكل عام، الى جانب ذلك تجد "اسرائيل" في الظروف الحالية فرصة تاريخية لتحقيق التقدم والانجاز في اهدافها، فهي باتت ترى التراجع الواضح من قبل العرب في الاهتمام في القضية الفلسطينية، بل ان جزء ليس بالهين من هؤلاء قام بتطبيع العلاقات معها دون أي اشتراطات فيما يتعلق بالاقصى او القدس، كما انها تجد دعما دوليا لها تقريبا في كل ما تفعله وخاصة الادارات الامريكية، الى جانب وجود عالم واقليم شهد تغيرات كبيرة واصبح منشغلا اكثر بمشاكله وقضاياه الاقليمية والداخلية.
كل ذلك دفع "اسرائيل" الى اعتبار ان مكانتها وقوتها ودورها في المنطقة والعالم، وحجم ما تمتلكه من علاقات وامكانات يؤهلها الى تحقيق انجازات على الارض اكثر بكثير مما هو قائم، معتقدة ان الفلسطينيين اضعف من السابق ولن يكون بمقدورهم لوحدهم لجم سياساتها.
السيناريوهات المحتملة
اولا: استمرار الاوضع القائم
تسعى"اسرائيل" الى التقدم في خطواتها عاما بعد عام ضمن استراتجية مدروسة تهدف الى تحقيق غايتهم في المدى القريب، وهي تطبيق التقسيم الزماني والمكاني للمسجد، على ان لا يقود ذلك الى انفجار الاوضاع تماما، فهي تكتفي في كل عام بالتقدم خطوة واحدة الى الامام وتجتهد في تثبيتها واقعا معاشا يعتاده الناس، وفي سبيل ذلك تتحمل بعض الصدامات والموجهات التي تبقى في حدود السيطرة، اضافة الى ذلك تقوم "اسرائيل " خلال تلك الجولات بجس نبض الفلسطينيين ومدى تقبلهم للتغيير الحاصل، وهو الامر الذي ينفذه الاحتلال في كل جولة من جولات المواجهه، دون ان ينتبه لذلك الناس، وهذا بالفعل ما حصل في هذه الجولة من المواجهة وفي الغالب سينتهي التوتر الحاصل هذه المرة دون صدام شامل لكن مع فشل الحتلال في التقدم شيئا عما كان عليه الوضع قبل رمضان وهذا يعود بالاساس لصمود المقدسيين ومن ساندهم من كافة انحاء فلسطين المحتلة وهو السيناريو الراجح عندنا حاليا.
ثانيا: انفجار الاوضاع
قد تتدحرج الامور وتخرج عن مسارها الذي تسعى "اسرائيل" ان تبقيها فيه وذلك بقيام احد المتطرفين الصهاينة بارتكاب حماقة ما تؤدي الى تفجر الاوضاع وذهابها الى مرحلة المواجهة الشاملة التي تضم كل الساحات الفلسطينية بما في ذلك جبهة غزة، او قيام الاحتلال برد غير معتاد على مساندة غزة للمرابطين في الاقصى ما يقود الى تغيير في المشهد وعندها ستكون الامور خاضعة الى الميدان اضافة الى جهود الضغط على الاحتلال ليتراجع عن عدوانه على الفلسطينيين وان كنا نستبعد هذا المسار حاليا لحرص الاحتلال على المحافظة على الاوضاع الحالية كما هي والى الابقاء على حكومته في حال استقرار سياسي، والى عدم رغبة سلطة اوسلوا باي تصعيد ميداني وجاهزيتها لقمعه.
ثالثا: تراجع صهيوني
اثبت الفلسطينيون انهم على قدر التحدي رغم الفارق الهائل بينهم وبين الاحتلال بالامكانات ، لكنهم في الميدان استطاعوا ان يفشلوا الى حد ما الكثير من مخططات الاحتلال واذا استمر هذا الصمود، وهو مرشح لذلك، وتم اسنادة بعمل سياسي ودبلوماسي فلسطيني وعربي ضاغط على الاحتلال سيقود غالبا الى تراجع الاحتلال عن مشاريعه الخبيثة تجاه الاقصى خاصة وانه بات يدرك ان العبث بمصير المكان هو لعب بالنار قد يكلفه اثمانا باهظة، ويبدو هذا السيناريو ضعيف التحقق لغياب هذه الاحاضنة العربية او الاسلامية الجاهزة لاسناد الفلسطينيين في هذه المرحلة.
خلاصة
تدرك "اسرائيل" جيدا الواقع الصعب جدا للشعب الفلسطيني، في ظل الانقسام وفي ظل ادارة الظهر للقضية الفلسطينية من قبل العديد من الانظمة العربية، وفي ظل وجود سلطة فلسطينية تسعى جاهدة الى تطويق أي حدث في الضفة الغربية، وعدم السماح بالانزلاق الى مربع الصدام الحقيقي مع الاحتلال، لذلك تستغل "اسرائيل" هذا الحال الى جانب وجود جو دولي صامت عن جرائمها او مساند لها، لتحقق المزيد من احداث تغيير في واقع المسجد الاقصى، وصولا الى تقسيمه ان استطاعت. لكن في مقابل ذلك ورغم ما ذكرنا من واقع صعب يعيشونه اثبت الفلسطينيين، الا انهم دائما مستعدون للتضحية والصمود مهما كانت الامكانات قليلة، بل وتحقيق النجاح في التصدي لمخططات الاحتلال وافشال اجزاء مهمة منها، وتبقى جولات النزال سجالا بين الطرفين.