قراءة في كتاب(أعمق من الكلمة)

قراءة الاستاذ خالد سليمان- جنين

 

هو كتيب صغير يقع في95 صفحة، ويمكن قراءته في اقل من ساعتين مع قليل من التأمل. موضوعه الأساسي هو: مسألة الحوار. تضمن موضوعاته المتعددة قصة خيالية ثم تعقيبا على القصة الخيالية، بما سماه الكاتب بالافق الحواري. وقد وجدت في ثنايا الموضوعات والتعقيبات كلاما جميلا وحكيما وهادفا يصيب كبد الحقيقة في ما يتصل بموضوع الحوار والمتحاورين، ويبرز ما وراء الكلمة حقا، او ما هو اعمق من الكلمة كما صرح بذلك المؤلف، لذلك قررت ان الخص الموضوع تلخيصا عابراً للموضوعات التي أوردها الكاتب بما يخدم فكرة الحوار الدائر، وتحديدا على صفحات التواصل الاجتماعي، ومدى الكارثة التي وصل اليها هذا الحوار، وأسباب ذلك العلمية والنفسية.

(وفي السياق تذكرت ما كتبه الراشد في كتابة المسار حيث تحدث هناك عن شيئ اسمه صمت المليء. وقد فسره بالقول: ان الانسان اذا امتلأ صمت، واغناه الحال عن المقال، وانك لست تجد انسانا كثير الكلام الا كان قليل العمل، ولو تحقق في شيئ لنطق عنه الحال واغناه عن المقال، وهو ما يعبر عنه بـ : لسان الحال ابلغ من لسان المقال، او كفاية تعبير الحقيقة. اما الان فإلى التلخيص : يقولون: ان العربة الفارغة هي الأكثر جلبة، وثمة من لا يدافع عن رأي يعتقده بقدر ما يدافع عن واقعه الخاص ومشكلاته الذاتية، فلا يفرق بين رأيه وذاته، او ما يؤرقه، فتراه يتشنج بطريقة تجعلك تستبعد ذلك التشنج لاجل الرأي المجرد. ولا بد ان تدرك ان ذلك الرأي ما هو الا لوحة متقنة رسم فيها المجادل ذاته وايامه ولياليه وحوادثه. وثمة من تحدثه وتقدم له الحجة، فيكون في صممٍ ناتجٍ عن اغلاق منافذ الوعي عنده لانشغاله بتجهيز حجة ما، او دحض قولٍ ما، فهو منشغلَ بتلوين رأيه عن النظر الي رأيك، وعن سماع كلامك.

واصعب شيئ في الحوار هو: ما ان تنتهي من كلامك حتى يظهر لك المقابل بسؤال ما، او استطراد يوحي بانه لم يسمع شيئاً من كلامك وتوضيحك. لذا يجدر بك ان تحذر من أولئك لا يقدسون الكفرة، وانما يجعلونها ضمن العابهم الممتعة فيحاورونك حواراً يحمل وجه حصان وجسد حمار. والنصيحة هي ان تنسحب حين تجد مثل هذا الشخص دون اعتذار، وحرم ان تفتح معه حوارا. وبعض من يضيق صدره بالحقيقة، او يتحامل لسبب ما شخصي، فانه يذهب الى خانة أخرى للهجوم عليك في الحوار، كان يشير الى اخطائك، او بعض صفاتك التي لا تعجبه، او بعض الاعمال التي لم تنجزها بعد، المهم انه يريد ان يجد فيك عيباً، فلا ينظر بعين الرضا انما ينظر بعين السخط او الحقد او الحسد، فيبدي المساويا.

 

وهو أسلوب في الحقيقة غير نزيه، وغير أخلاقي، ومختل المعايير، يستبيح الناس ويفترسهم اذا وجهوا له النقد. ومن كان عنده موقع من مواقع التواصل الاجتماعي، وما اكثرها! فلا يعني ذلك انه مؤهل كافٍ بحد ذاته حتى ينتقد الناس او يستبيحهم، او ان ينقد تجربة لم يعشها بتفاصيلها. وحفظك لبعض المصطلحات الأجنبية ليس كافياً لكي تكون خبيراً ومحللاً في شؤون الدول والجماعات والسياسات، فعقلك ما زال بحاجة الى أشياء كثيرة حتى يدلف الى مطبخ المعرفة، وهذه الجمجمة التي تحملها على كتفيك بحاجة الى حشوها بالمعرفة المتنوعة والتجارب الثرة وليس بالتبن، حتى تتمكن من التأمل على الأقل. والاشد تعبا في هذا النمط من الناس هو: من يتصف ببعض الذكاء ويستطيع ان يغلف نزعاته المريضة بقناع منطقي، او آية من قرآن او حديث من سنة فيتعبك شرحاً وتوضيحاً، وهو في الحقيقة يجري خلف اهوائه. وكثير من اهل الاهواء يعلنون اهواءهم بادلة شرعية او منطقية ظناً منهم انهم يريحون ضمائرهم من الوخزات التي تدق بابهم باستمرار. وبقدر ما تنكر الحقائق وترد الواضحات تتشكل مع الأيام طبقات من الوسخ على نظارتك، فتتحول الى غبي في الاختيار، فلا ترد الحقائق من اجل الملاحاة. لذلك امسح نظارتك من الوسخ ونظف قلبك من الران حتى لا تكتشف بعد سنوات من الحوار والاخذ والرد انك صرت لا ترى شيئاً، وانك صرت تملك نظارة ترفض الضياء. وليحذر المحاور ان يدفع الآراء الهشة بالادلة القوية، فمن شأن ذلك ان يستهلك قوتك الاستدلالية ويهتك عضلاتك الحوارية، فتصور بعض الأفكار يكفي لبطلانها كما قال ابن تيمية. وهذه ليست دعوة لاحتقار الاخرين، بل دعوة لاحتقار التوهمات التي جعلها أصحابها في مقام المعتقدات، وهي لا تعدو ان تكون مهاترات جانبية، ونزقاً تدقيقياً غير سوي.