معركة الإصلاح
معركة الإصلاح وتدمير الفساد هي حقا معركة في فلسطين تتجاذبها أطراف ثلاثة..
أولاً:المطالبون بالإصلاح ، أي الشعب الذي يتعرض للنتائج القاسية المترتبة عن سياسات غير جدية.
وثانياً :الفاعل الإقتصادي والسياسي ، أي المسؤل الذي ينصت لمطالب الشعب ويحاول ما أمكنه أن يعمل على تحقيقها.
وثالثاً: الفاعل السياسي والإقتصادي الذي له رغبة في أن يوصل البلد إلى حافة السقوط المدوي ، والذي يعطل تحقيق الإصلاحات التي يشرع فيها الفاعل الإيجابي …
وهذه هي المعركة الحقيقية التي تدور رحاها على أرض الفاعلين المختلفين ، والشعب تنسأ له هذه المعركة في عمر الألم والشظف .
وكما أن نفس الفعل تكون له أسباب مختلفة ، فأمر الحراك الشعبي في فلسطين كذلك ، وإن كانت الرغبة في الإصلاح السلمي هي ما يحركنا ، ويجعلنا نصر على تغيير يناسب آدميتنا ،هي السبب المباشر ،ولا سبب غيرها ، للخروج في المسيرات والمساهمة في تغيير مفهوم المواطن … فإن سببا آخر يجعل الفاعلين الأشباح ، ولنسمهم هكذا ، يختفون وراء هذا الحراك الشعبي ، ويحاولون تأجيجه إلى اللاسلمي وذلك عن طريق تعطيل كل ما يمكن أن يطرح من إصلاحات ، والهدف واضح هو أن يقنعوا الشعب أن لا نية للمسؤولين في الإصلاح ، فيتحول السلمي إلى اللاسلمي ، ويتحولون هم إلى زعماء العصر الجديد ويصفوا حساباتهم الخفية .
بالإمكان القول أن النخبة في البلد واقعة تحت عداء شديد فيما بينها ، وإن جاز التوصيف الأسطوري القديم لآلهة الشر وآلهة الخير ، فإننا في هذه الحالة سنقسم النخبة لمريدي آلهة الخير ومريدي آلهة الشر ، وهم لا يستطيعون إخفاء توجهاتهم وإن حاولوا ذلك بشدة ، وبالتالي ستكون رؤيتهم للإصلاح إما قبوله كما هو والعمل على تحقيقه ، أو قبوله شرط أن يتحول إلى دم وعنف ، أو رفضه والمحافظة على الأوضاع القائمة كما هي الآن ، وهم تبعا لموقفهم من الإصلاح يتحركون ، ولا ضرورة للتأكيد على أن أشرهم وأخطرهم على البلد هم الذين يعملون على جر الإصلاح والحراك الشعبي إلى إصلاح لاسلمي
وفي هذا الأمر يستعين الفاعلون الأشباح بسبب نفودهم بالكثير من الوسائل واللوجستيك البشري لتنفيذ مآربهم ، ومن بين اللوجستيك البشري المستعمل هناك رجال الأمن .
إن ما فهمناه من أحداث سوريا قديما هي أنها شعبية ترغب في التغيير لكن لا يمكننا أن لا نفهم -مثلا - أن عم وإبن عم بشار اللأسد وهم يستفيدان من النظام القائم الآن يلعبان أيضا على ما يقع في سوريا ، والأكيد أن حزب البعث المقيت فيه من يساندهما أكثر من مساندة بشار ، وهذا يجرنا إلى إعتبار أن النية في الإصلاح تضيع بين نوايا تصفية الحسابات العائلية … المثال السوري يمكن أن يضيء الكثير من الخفايا عندنا في البلد .
سنعود مرة آخرى إلى العائلات الحاكمة بالبلد والتي أتبثت أنها غير شعبية دائما ، فيها يكمن أكبر عدد من الفاعلين الأشباح والذين يخيل لهم بسبب وعيهم السياسي المريض أن التحول من مطالب سلمية الى مطالب غير سلمية سيمس في الأصل الملكية التي يكنون لها الكثير من العداء الخفي ، وهذه نفس سياسية إستغباء الشعب الذي دائما في نظرهم لا يعرف، عليهم أن يعرفوا أن التغيير يمس الفاسد والفساد ، وسواء كنت في عائلة فلان أو عائلة علان فإن الفساد هو من يتم تغييره .
اللويبيات التي تنخر النخبة تتأرجح عندها الرؤية إلى المطالبات الشعبية بين فهمها بشكل جيد وبالتالي الإصغاء إليها كي لا يأتي اليوم الذي تمسهم المساءلة ، لأن فهم هذه الفئة يكون موضوعيا وشاملا وهم يقرأون الوقائع بشكل جيد ، وتتأرجح الرؤية عند الفئة الثانية بين عدم الفهم والتعنت الشديد ، فهؤلاء بسبب رغبتهم في تصفية الحسابات مع البعض يعتقدون أن مساعدتهم في تحويل المطلب السلمي إلى آخر عنيف سيخدمهم ، ويبتعدون بشكل كامل عن الوقائع التي تقول أن الذي تورط في وضع الوطن في علب العطور الباريسة النفيسة هو من تنتظره المحاسبة .
دعوكم من هذه التصفوية غير العملية ، فنحن نعلم دور الفاعلين الأشباح ، ومرة آخرى أقول أن المحاسبة مرتبطة بالفساد وليس بشيء آخر ، وأن تحريك الخيوط عن بعد والدخول في إستبعاد الموجة عبر توجيهها إلى جهات آخرى قصد تصفية الحسابات لا تنفع مع هذا الوعي السياسي ، لإننا نعي جيدا أن الموجة القادمة من التغيير تتجه صوب جرف الفساد الغائرة في تربة البلد ، وبالتالي يكون الأمر سهال ويسيرا وهو أن الفاسد والفاسدين هم من عليهم التنحي ، والأكيد أن إثبات الفساد يساعدنا الله على جعله سهلا وقانوينا وحضاريا ، فلا مجال للعودة إلى التلفيقات التي يشرع فيها الفاسدون ضد بعضهم البعض قصد الظهور بمظهر المهدي المنتظر.