نقابة المحامين تنتصر..! 

لمدة تصل لأربعين يوماً، استمر الاضراب الشامل عن العمل الذي قادته نقابة المحاميين النظاميين الفلسطينيين، الحراك الذي أُطلق في وجه حزمة من القرارات بقانون غير الدستورية التي أصدرها رئيس السلطة محمود عباس في بداية العام الجاري، واستمر في وقف نفاذها مرة تلو أخرى تحت تهديد الاضراب الشامل من نقابة المحامين، وانتهى بإلغاء هذه القوانين جملة.

قرارات بقانون تخالف القانون، قرارات من السلطة التنفيذية غير المخولة أصلاً وغير المناط بها سلطة التشريع، التي تمت مصادرتها بقرار سياسي فجّ من رئيس السلطة وبمساعدة من المحكمة الدستورية المشكلة أيضاً بقرار بقانون غير دستوري. كانت هذه القرارات على قدر كبير من الخطورة القانونية، إذ إنها انتهكت ضمانات المحاكمة العادلة، وجعلت من ملاحقة ضباط الأجهزة الأمنية وأفرادها شبه مستحيل وذلك بتعليق ملاحقتهم على إذن خطي من النائب العام الفلسطيني، وهو المعين من رئيس السلطة بشكل مباشر أسوة برئيس مجلس القضاء الأعلى عيسى أبو شرار. مع الإشارة الى أنني في هذا المقال المقتضب لا أنوي ذكر الانتهاكات الكثيرة وغير المبررة التي شرعنتها القرارات بقانون التي احتجت عليها نقابة المحامين، وبالإمكان الرجوع للكثير من المقالات والدراسات في هذا المجال.

إلا أنني أنوي الإشارة لعدة أمور جرت بعد خلال وبعد الاحتجاجات التي قادتها نقابة المحامين الفلسطينيين على طول الضفة الغربية من الخليل حتى جنين.

 

أولاً:

النظام السياسي الفلسطيني منهار فعلياً، ويتحكم به عدة أشخاص ذوي مصالح اقتصادية تارة، أو يتطلعون لمستقبل سياسي بعد محمود عباس، وهؤلاء الأشخاص هم المسؤولون فعلياً عن الأزمات المتكررة التي تحدث في المجتمع الفلسطيني بين الحين والآخر، كنظام الضمان الاجتماعي أو تحويل رواتب عمال الداخل للبنوك الفلسطينية التي يشغل عضوية مجالس ادارتها هؤلاء المتنفذون، وهم المسؤولون عن أزمة القضاء الفلسطيني لمحاولتهم خلق موظف تابع يسمى زوراً قاضٍ، هم لا يريدون قاضٍ مستقل لا سلطة عليه إلا ضميره والقانون بل موظف أسوة بأي موظف آخر يتلقى راتبه الشهري من هذه المنظومة وعليه اتباع ما يأمر به مشغلوه. 

ثانياً:

ثبت أن حراك نقابة المحامين الذي انضمت له غالب نقابات الوطن بإمكانه إحداث التغيير، وبالإمكان تعزيز ذلك عن طريق تشكيل هيئة مشكلة من كل نقابات الوطن الكبيرة للقيام بدور المجلس التشريعي الرقابي لحين إجراء الانتخابات العامة التي عطلها محمود عباس لعدة أسباب، أحد أهم هذه الأسباب استئثاره بسلطة التشريع والقضاء بدون حسيب أو رقيب.

ثالثاً:

استطاعت نقابة المحامين وهيئتها العامة الشجاعة بحراكها القوي الموحّد العابر للتنظيمات السياسية أن تنتزع قراراً بإلغاء القرارات بقانون الخطيرة رغم معارضة عيسى أبو شرار رئيس مجلس القضاء الذي نسّبها لمحمود عباس لإصدارها، ورغم معارضة علي مهنا مستشار محمود عباس القانوني، ذلك أن رئاسة السلطة استشعرت بالخطر الكبير من هذه القوانين عندما أشارت لجنة متابعة انضمام فلسطين لاتفاقية مناهضة التعذيب في تقريرها الأخير لهذه القوانين وزنها تنتهك معايير المحاكمة العادلة وتشرعن التعذيب بصورة أو بأخرى، الأمر الذي سيغضب الجهات المانحة للسلطة، وهو آخر ما تريده السلطة في ظل أزمتها المالية المُدّعاة.

أخيراً،

نحن شعب تحت الاحتلال، والقضاء الفلسطيني يجب أن يأخذ بعين الاعتبار هذه الحقيقة، وأن يكون عوناً للمواطن الفلسطيني لا أداة لانتهاك حقوقه كما يفعل الاحتلال الإسرائيلي. القضاء هو الضامن الداخلي لاستقرار أي مجتمع، وهو حصن المواطن وملاذه الأخير، وفي حالات الاحتلال يزداد هذا الدور أهمية بلا شك. إن اجراء الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية وإعادة هيكلة منظمة التحرير هو الخيار الوحيد أمامنا كفلسطينيين اليوم لإعادة الاعتبار لقضيتنا الوطنية لا الدخول في معارك داخلية جانبية حفاظاً على حقوق المواطن الفلسطيني، وممن؟ من الذين يأخذون رواتبهم من جيوب المواطنين لتأمين الحماية لهم والحفاظ على حقوقهم وحرياتهم في مواجهة عدو مجرم لا يرحم. إن الاستمرار في هذا النهج الخطير نهايته وخيمة، نهايته لن ترحم أحداً وسندفع كشعب فلسطيني ثمن كبير ما زال بالإمكان تفاديه بالاستجابة لتطلعات هذا الشعب في الحرية والحماية والأمان في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

المحامي مصطفى شتات