جنين : الأصل أم الاستثناء؟!

ثامر سباعنه – جنين

 

لم تغادر جنين دائرة الاحداث والمقاومة منذ أشهر، ويلاحظ ارتفاع منسوب التحدي للاحتلال في جنين ومخيمها، وانتقال هذا المشهد الى نابلس وبعض مدن وقرى رام الله وكذلك طولكرم.

جنين شكلت الان رأس حربة في مواجهة جيش الاحتلال، إذ تجد مئات المسلحين الفلسطينيين الذين يتصدون لجيش الاحتلال كلما اقتحم المحافظه، وتجد مئات الشباب الثائر الذي يتصدى للعدو بصدورهم العاريه والحجارة ووضع المتاريس والعوائق لاعاقة تحرك جيش الاحتلال في شوارع المدينة والمخيم.

 

لماذا جنين؟؟؟

 وهل ما يحدث في جنين هو استثناء؟ أم هو الأصل في فلسطين؟

لو عدنا بالتاريخ لوجدنا أن لجنين سجل حافل بصور ومشاهد المقاومة والرفض للمحتل، ابتداءا من حكايات المقاومة ضد الاحتلال البريطاني لفلسطين ، والأمثلة كثيره على ذلك، فقد نظمت عام 1935 أول مقاومة مسلحة بقيادة عز الدين القسَّام، أحد كبار المقاومين للاحتلال البريطاني آنذاك، الذي وجد في جنين حاضنة شعبية من الفلاحين تؤمن بالثورة وتدعمها، وتحوَّلت المنطقة منذ ذلك الحين إلى مركز للمقاومة الفلسطينية الذي انتقلت قيادته بعد استشهاد القسَّام إلى فرحان السعدي، سليل إحدى الأسر المقاوِمة.

معركة مخيم جنين عام 2002 والتي سطرت نموذج فريد من المقاومة في الضفة الغربية، وكانت معركة حقيقية ضد جيش الاحتلال رغم قلة إمكانات مقاتلي المخيم، وكان لهذه المعركة دور في تعزيز روح المقاومة لدى أبناء المخيم وجنين، وخلقت نموذج وذكرى يعتز بها شباب وأهل المحافظة.

ففي 3 أبريل/نيسان 2002: اقتحم جيش الاحتلال مخيم جنين، العملية التي أطلقت عليها تل أبيب "السور الواقي"، استعدت لها المقاومة بتشكيل غرفة عمليات مشتركة من كافة الفصائل ،ومع بدء الاجتياح الذي أشرف عليه بشكل استثنائي رئيس أركان جيش الاحتلال شاؤول موفاز، نصب المقاومون الكمائن المفخخة في أزقة المخيم التي تسببت بمقتل عدد من الجنود، فقتل أحدها 13 جنديا إسرائيليا وأصيب 15 آخرين، وهو ما جعل الاحتلال يغير خططه ويقرر هدم جزء من المخيم وتسويته بالأرض، وهي المنطقة التي كان يتحصن بها المقاومون، حاصرت إسرائيل المخيم 10 أيام مُنِعت فيها عن المخيم المياه والكهرباء والطعام والعلاج، كما قصف الاحتلال المخيم بطائرات "إف-16" (F-16) والمدفعية.

 

جنين أشركت كل الفصائل في المقاومة سواء في معركة المخيم أو ما يجري حاليا من مواجهة مع الاحتلال، وتجد في جنين بروز قوي لفصائل مقاومة مثل سرايا القدس التي يُلاحظ وجود عدد كبير من مقاتليها في شوارع جنين والمخيم، إضافة لمقاتلي كتائب الأقصى التابعه لفتح –رغم عدم تبني السلطه لهذا النهج- وبروز كتائب القسام رغم ما تعرضت له الكتائب من ضربات وملاحقة من الاحتلال والسلطه.

لا يمكن الحديث عن جنين والمقاومة ، بل الضفة الغربية ككل والمقاومة دون التعريج على معركة سيف القدس، فلمعركة سيف القدس التي قادتها المقاومة في غزة ضد الاحتلال كان ولا زال لها الأثر الأكبر على كسر حاجز الخوف لدى الشباب الفلسطيني، ورفعت منسوب التحدي لدى الفلسطينيين خاصة بعد أن وجدوا أن جيش الاحتلال (الذي لا يُهزم) قد هُزم حقيقة على أيدي مقاومة غزة، كما وجد المقاومين في الضفة الغربية أن هناك سند ونصير لهم في غزة.

ظهور شخصيات كان لها دور في تعزيز روح المقاومة والثبات في جنين مثل أبو رعد خازم (فتحي خازم) الذي سطر بثباته وكلماته معاني كبيرة يحتاجها الشباب الفلسطيني بشكل عام وشباب جنين بشكل خاص، فأبو رعد هو والد لشهيدان وهدم له منزلان وهو مطارد ومطلوب لجيش الاحتلال، مما خلق من هذا الشخص قُدوة يُحتذى بها،خاصة في ظل ما يعيشه الشباب الفلسطيني في الضفة من غياب لمثل هذه الصورة.

جنين بمخيمها ومدنها وقراها ليست استثناء في الحالة الفلسطينية، وليست حالة شاذه أوغريبه عن باقي محافظات فلسطين، بل إن كل مدن ومحافظات فلسطين هي على طريق جنين، ولعل خير مثال نابلس التي باتت تشكل أرق وحالة مقاومة ترهق الاحتلال، لكن المطلوب توفر باقي الظروف التي ستساهم في تحويل مدن الضفة الغربية الى جنين .