استيطان الظل أو الاستيطان الخفي

اذا ذُكرت كلمة استيطان فإن مخيّلة الفرد الفلسطيني تتجه لاستحضار ذلك السرطان الممتد في كل مكان يجتث الأرض من قلوب عاشقيها ويسيطر على الممتلكات والمقدّرات لينفذ مخططاته بالاستحواذ على اكبر بقعة من أراضي القدس والضفة وذلك لفرض أمر واقع يريده الاحتلال ..

هذا الاستيطان إن شئت فسميه الاستيطان الظاهر لأنه على مرأى الجميع دون أن يحرك في القريب أو البعيد أيّ توجه لإيقافه أو منعه.. الذي نود الالتفات إليه، وهو بالأساس احد مقومات ودعائم الاستيطان الظاهر، ما نسميه استيطان الظل: وهو ما يشرف عليه الاحتلال أو يدعمه أو يغض الطرف عنه لأنه يصب في مصلحته أو يمهد ويسهل تنفيذ مشاريعه، ذلك هو الاستيطان المتمثل بأشخاص أو شركات أو هيئات، يقومون بتنفيذ مصالح اقتصادية بحتة تهدف لتحصيل رأس المال كأي عمل استثماري ولكن في المحصلة الهدف الأساس هو تسهيل بعض الخدمات التي تصب في مصلحة المحتل داخل حدود الضفة،وذلك أن الاحتلال لا يستطيع فعل ذلك بنفسه بحكم الواقع والمصالح السياسية الكبرى، فيُوجِد (بطريقة مباشرة أو غير مباشرة )ظلا له لتنفيذ هكذا مصالح وبالطبع فإن هذا لا يثير أي سخط أو اعتراض أو مقاومة لأن الواجهةَ غيرُ الاحتلال،ولكنه في النهاية هو المستفيد الاكبر من خيراتها..كيف لا وهو المتحكم بكل المفاصل الهامة في كل مكان فيسهل لهذا ويمنع ذاك ويورد ويصدر ما يشاء لمن يشاء من مواد وبضائع ومنتجات، وإنّا على يقين تام بان كثيرا من النجاحات الاقتصادية والتجارية لا شك أن للاحتلال يد فيها بطريقة أو أخرى، مما يجعل جميع الخيوط بيده وبالتالي يتحكم في السوق بما يشاء ،وخير دليل على ذلك وجود بعض المناطق التي يستطيع من خلالها المواطن غير "الإسرائيلي" الدخول للأراضي المحتلة عام 48 دون امتلاكه لتصريح من الاحتلال وهو ما يسمى بالمصطلح المحلي بـ " الفتحات "، والتي ظن الكثير من الناس في بادئ الأمر أنها مغامرة من الاحتلال ولكنّ الأيام أثبتت أنها ذات فوائد سياسية لأنها أثبتت انه المتحكم بمفاصل ودقائق الحياة اليومية،وكذلك ما يستفيده من مصالح اقتصادية من خلال توسيع حركة النشاط التجاري والعمراني والإنتاجي على جميع المستويات،وحتى لا نذهب بعيدا نذكر بعض الأمثلة على استيطان الظل،واخطر تلك الأمثلة وجود كمية كبيرة نسبيا من الكسارات التي تحفر الأرض وتخرب البيئة والطبيعة الخلابة للأرض وتمنع المزارع والمواطن من الاستفادة من خيراتها والمواطن من التمتع بجماليتها، والكل يعلم أين يذهب إنتاجها من مواد البناء التي تستخدم بشكل أساسي في إنشاء التجمعات السكنية سواء في الداخل المحتل أو في المستوطنات المقامة على أراضي الضفة، وهذا على المدى البعيد عظيم الفائدة للمحتل من وجهين، الأول هو ما ذكرنا من فوائد مادية تعود عليه، والوجه الآخر وهو الأهم بالنسبة له ويكمن في تخريب الأرض التي هي أيقونة الصمود ومحل الصراع وبالتالي يزيد من اعتماد الكل الفلسطيني على الاحتلال كمورد لكثير من المنتجات التي يتحكم بأسعارها وكمياتها من حين لاخر وهذا يصعب المهمة الأساسية في الاستقلال الكلي،ومثال آخر هو تخريب الأراضي الزراعية واستخدامها للبناء [ المرخص للأسف من الدوائر الرسمية] مما أدى في المحصلة أن مدينة كمدينة  طولكرم مثلا والتي كانت تصدّر المنتجات الزراعية كالحمضيات وغيرها إلى دول الطوق ،وتعتبر السلة الغذائية لمساحة واسعة من الضفة،أصبحت الآن من اكبر المناطق المستوردة للمنتجات الزراعية من الاحتلال،وكذلك الأمر بالنسبة لغزة المحاصرة التي كانت تورد الفراولة والورود وغيرها، ولك أن تتخيل الفوائد السياسية والأمنية والاقتصادية التي يستفيدها من ذلك.

ختاماً

وبعد توصيف المشكلة وتحديد معالمها،لا بد من وضع الخطط ورسم الحلول وتنفيذها 

بشتى الوسائل المتاحة وهذه الحلول متمثلة بما يلي:

* تقديس الأرض وإنماء الزراعة ودعم المزارع وتعويضه في حال وجود المخاسر.

لانفكاك عن الاحتلال وعدم الاعتماد عليه،وهذا بحد ذاته من اكبر وسائل المقاومة الشعبية لأنه يضعف من سيطرة المحتل على الأرض والإنسان.

* نشر ثقافة الاهتمام بالأرض وعدم التفريط بها أو بيعها لأرباب الأموال والمشاريع الضخمة الذين لا يهمهم إلا جني المزيد من الأموال بغض النظر عن تخريب الأرض أو العواقب المترتبة على ذلك.

*الحفاظ على المناطق الزراعية من خلال عدم إعطاء تراخيص للبناء فيها كتشجيع لأصحابها للاستفادة منها أو الإبقاء على مساحات خضراء .

* محاربة ومنع تسريب الأراضي لسماسرة الاحتلال .