قراءة سياسية لمناسك الحج ؟!
ينبغي لموسم الحج أن يحدث نقلة نوعية في المجتمعات المسلمة، وهو غير مقتصر على من يذهب للحج وإنما هو عبادة تشترك فيها الامة المسلمة برمّتها، وخير دليل على ذلك أن مسك ختامها يكون عيدا يشارك فيه كل عناصر الامّة الإسلامية. وهو ترقية على صعيد هوية الامة الثقافية وروحها الدينية وترقية على الصعيد الأخلاقي والاجتماعي والفكري والاقتصادي والسياسي، سأحاول في هذه المقالة تقليب بعض الصفحات والتجليات السياسية للحج:
· الحج بداية هو قرار ذاتي ينحاز فيه المسلم الى المشروع الإسلامي والى ما يريده الإسلام منه، يترك أهله وماله وكل رغباته وشهواته وكل ارتباطاته في حياته الخاصة الى صبغة الله الكاملة له مجيبا وملبيا -" لبيك اللهم لبيك"- الى كل ما هو مطلوب منه تماما كالجندي في المعركة، من البداية أنت لست ملك نفسك ولست ملكا لأحد ولا سلطان لاحد عليك وإنما هي ولاية الله وسيادته الكاملة عليك، وهذه الطاعة الكاملة والمحبة الكاملة لله لها تبعات أهمها أنك تقرّر بأنك لن تكون لغير الله ولن تقبل بأية هيمنة على نفسك وحياتك الا لله ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله)، فبداية الحج قرار بالحرية والتحرّر وهذه تشكّل بداية العمل السياسي القائم على القرار السيادي المستقلّ المتحرّر من أية سيادة لغير الله. وهذه تعني أن المسلم لا يمكن ان يقبل احتلالا او استعمارا أو دولا تعيش التبعية السياسية او الاقتصادية للاستعمار، أو تفكّر بالتطبيع أو التعايش أو التفهّم أو الخضوع او الالتقاء بمنتصف الطريق لاي ظالم. إن أوّل ما ينبغي للحج أن يفعله هو الانحياز للحق في مواجهة الباطل والانحياز لمحور المقاومة في مواجهة محور التبعية والاستعمار، سياسيا الحج يحدّد الاصطفافات الصحيحة سياسيا على أساس الغايات العليا لدين الإسلام ومنها تحقيق حرية الانسان وهي أمر مرتبط بعقيدة التوحيد لهذا الدين وليست مسألة فقهية هامشية. "فلبيك لا شريك لك"، عملية تحرير شاملة من كل شراكة باطلة لا تنسجم وتتوافق مع الاستجابة الكاملة لله. فالسياسة في الإسلام مرتبطة بشكل كامل بالحرية التي يعمل الإسلام بشكل نوعي لتكون قيمة عظيمة مزروعة في أعماق القلوب ولها تطبيقاتها الكاملة في واقعهم السياسي والاقتصادي.
· أن يترك الحاج كل الألبسة الملوّنة ويلبس البياض بأبسط صوره دون زينة أو مخيط إشارة واضحة على تميّز هذا الانسان في انحيازه للمشروع الإسلامي الذي لا يقبل التلوّن أو التهجين من هنا وهناك أو اختلاط المناهج والبرامج، إنما هو لون واحد يحقّق الغايات والاهداف الخالصة من كلّ شائبة، أخطر ما يعاني منه المسلمون هذه الأيام في العمل السياسي هو عمى الألوان، وحضور الاجندات الخارجية التي تحرف البوصلة، الحج يقول للمسلم احفظ لونك الأبيض النقي، السياسة المرتبطة بالمبادئ والأخلاق النقيّة الصافية التي لا تختلط بسياسة الاخرين الطاغية والتي تريد صهر الوعي وإذابة المسلم في مكرهم والضياع في دهاليز سياسات الظالمين فتذهب بروحها واصالتها وتوهن أركانها.
· الطواف حول الكعبة له رسالة سياسية واضحة، خاصة ونحن نشهد على أناس يحملون من الأفكار الغريبة عن الفكر الإسلامي فيدورون في فلك سياسات الدول التي أنتج مفكروها تلك الأفكار، وتجد من الدول من يدور قراره السياسي في فلك دول الاستكبار العالمي المهيمنة عليه فلا يخرج عن طوعها أبدا، الطواف حول الكعبة رسالته التحذير الشديد من أي طواف في فلك غير فلك الإسلام ، ومع العلم أننا في الأمور المعلومة في الدين بالضرورة من السهل أن نضبط ايقاعنا، أمّا في الشأن السياسي والذي يتطلب الاجتهاد واعمال العقل ورؤية المقاصد والقدرة على تحقيق المصالح دون الخروج من المبادئ، فهذا يحتاج الى المزيد من الجهد كي لا نخرج في اجتهاداتنا عن اصولنا الإسلامية الصحيحة والتي تحقّق المصالح العامة للناس وتضبط إيقاع العمل السياسي بطريقة ناظمة وناجحة.
· سأختصر المدلولات السياسية للحج وأختم برجم إبليس والتي يجسدّها الحاج بطريقة عملية تمثيلة توحي بالمفاصلة التامّة بين المشروع الإسلامي ومشروع الشيطان مهما كان مسمّاه، فكلّ من يتناقض مع الأهداف العليا لهذا الدين - وهي بالمناسبة تنسجم تماما مع ما يصب في صالح البشرية بشكل كامل – ليس له من المسلم الا الرفض والرجم ، فمشروع الاحتلال الاسرائيلي مثلا لا يمكن أن يكون الحلّ معه بالتفاوض أو القبول باية طريقة معه غير الرجم، لا يمكن النظر اليه الا من زاوية النقيض للنقيض وهذه تحديد لمعالم قواعد الاشتباك واللعبة السياسية، فكما هو كيان احلالي جاء ليزرع نفسه عنوة في بلاد غير بلاده فلا أقلّ من أصحاب البلاد إلا التعامل بهذه الطريقة التي لا تقبل حلول الوسط ، ليس له منا الا أن نكون مشروع مقاومة وتحرير، هذه بكلّ وضوح رسالة رجم ابليس في الحج، ليس لكلّ مشاريع الباطل والظلم والطغيان ومن يمارسون العدوان الا الرجم والعمل من موقع النقيض لهذا الباطل.
· ينبغي في موسم الحج أن يقام على هامشه أو بعد الانتهاء من أداء الفريضة مؤتمر سياسي يحضره ممثلون من الراسخين في العلم من الدول المسلمة تناقش فيه قضايا المسلمين، خاصة القضية المركزية للامة قضية فلسطين للوصول الى توصيات تأخذ بعين الاعتبار ثم لتصبح فعلا تراكميا كل عام في موسم الحج.
فهل تسمح السلطة القائمة على الحج بإقامة مثل هذا المؤتمر ؟!