سؤال شكيب أرسلان التاريخي:

لماذا تأخر المسلمون وتقدم الآخرون ؟؟؟

 

ما زال يجمع الأجوبة ، ويبحث له ، عبر السنوات العديدة عن جوانب تضيئه ، فهو لم يكن من الأسئلة المباشرة ، التي تعنى بالراهن ، فإضافة إلى إرتباطه بالماضي ، هاهو يؤكد مستقبليته ،عبر حضوره الدائم في فكرنا ، وعبر إستحضار ، بتوافق مع الأحداث ، بعضا من الأجوبة عنه المقارنة بين النحن الذين نمثل ،وفق مفاهيم سوسيولوجية ليست من إنتاجنا ، حضارة ، وتجمعا ثقافيا ،وتاريخيا ... وبين الهم الذين عرفوا كيف يقولبون المفاهيم الإجتماعية مع مجتمعهم -مجتمعاتهم الخاصة 

قلت أن المقارنة هاته هي من أنتجت السؤال السالف ، وهي مقارنة ،إن شئنا ربطها بتحقيب زمني ، إستعمارية ، نتجت عن دخول أنساق مخالفة لنسقنا الجامد - الذي كان جامدا حينها - عملت على إعطاء صورة عن الآخر المخالف ، الذي كنا نسمع عنه ، ونلفه بالتعميمات الفضفاضة . لحظة الإحتكاك مع الآخر ، المستعمر الدخيل ، هي لحظة توليد الدهشة ، التي غلفتنا بهالة اللافهم ، فجاءت المقارنة كحل إستثنائي لحظتها ، لكنها إستمرت إلى الآن ،ومازالت تصاحبنا كلما أمعنا النظر بشكل عقلاني في صورة الآخر ، والتي لا تخفي الدهشة تفوقه

لذا يحضر السؤال واضحا أو مضمرا ، وهو سؤال مقارنة بين؛ زمنين مغايرين ،وصنفين من التفكير ، وطريقتين في التدبير ... نكتشف أن السؤال يتعمق والأجوبة تتناسل ومع كل حدث، له خصائص إستثنائية ، يفرض السؤال نفسه كضيف له إميتازات صاحب الإقامة .

الأيام ، بتواليها المطرد ، تضفي على الفرق شساعة،تجعل السؤال المطروح ثابتا ، وليس مجرد متغير ،بل يتحول إلى سؤال أكثر إشكالية ؛ لماذا نتأخر نحن أكثر ويتقدمون هم أكثر ؟؟؟

ما نراه ليس مجرد تباين بين ثقافتين ،وحضارتين ، بل هو تضاد بين طريقتين للرؤيا والتفكير .. طريقتان ، وتبعا لتوجههما المتناقض ، تصطدمان في الغالب فأدوات فهمهما ، وتفسيرهما للعالم ، جد متنافرة .

يمكننا أن نجد في الخلفية الفكرية * لهم* كآخر مخالف ،وفي الخلفية الفكرية *لنا * كطرف منفعل في الغالب ،ولنتذكر في هذا الصدد إفتقادنا لرد الفعل الناجع الذي يدل على عدم تأخرنا عنهم ،فردود أفعالنا ، هي الآخرى ، وجه للإختلاف ، وللفرق الكبير بيننا وبينهم ، وهي ردود فعل متخلفة ، تشبه رد فعل الهروب من الخطر في لاعقلانيته ،وإن كان هذا الرد ممكن إخضاعه للعقلنة .

لا أرى في الإحتجاج بشكل غير منضبط، على فلم رديء، أو على رسم كاريكاتوري سيء ،إلا تعميقا للسؤال السالف ، بل يمكننا أن نستنتج أن الإحتجاج ، هو تفريغ وليس أكثر ، لأزمات كثيرة ومختلفة ،وجدت مشروعيتها في الدفاع عن الدين ...

الإحتجاج مشروع ، وهو مظهر للسمو أو الإنحطاط ؛ المحتجون في ميدان التحرير ضد فرعون مصر الأخير أبانوا عن فهمهم الكبير لمفهوم الإحتجاج

من خصائص المتأخر أنه لا يفكر في حلول كثيرة ، فالعالم عنده ضيق ، والسبل محصورة في أكثرها سرعة ودموية ، لذا ما إن يستفز بطريقة قصدية ، حتى يفيض مندفعا نحو أكثرها إنغلاقا ، وسواء كان الفعل يستحق أولا يستحق هذا الهيجان ، إلا أن الهيجان هو دائما رد الفعل المناسب لديه ، لأن لا وسائل أخرى عنده ...

وهذا هو الإستنتاج فيما يخص جموع المحتجين الذين قتلوا إخوانهم المواطنين ، ودمروا بنايات عامة ، وأحرقوا سيارات ... فالإحتجاج عندهم لا يكون ذا مفعول إلا إذا كان دمويا ، في حين أن الإحتجاجات الدموية كانت في أغلبها فاشلة ، لأنها تمنح التبرير للإدانتها .

عودة إلى السؤال القديم -الجديد ، الذي مازال يحيا بفعل ممارسات سيكوباتية ، وغير أخلاقية -مفهوم الأخلاق كما جاء عند كانط - ؛ أليس هدم أضرحة تاريخية بمحيي لهذا السؤال ؟؟؟

الغريب أن دعوة هدم الأضرحة - وكما حدث مع تمثال بوذا- تبرر بالوثنية ،رغم أن لا أحد ، في عصر العلم ، يمكنه أن يحل وثنا حجريا مكان الله تعالى ،وأن كل مافي الأمر هو إشباع وجداني يتحقق بزيارة مثل هذه الأمكنة ، ثم أن الصراع ليس ضد البناء والحجارة ،فهي إن تتهدم يعاد بناؤها ،بل هو صراع فكر ...

فلما لم يفكر هؤلاء المدافعون عن الدين في تغيير الفكرة بدل تغيير الحجرة ؟؟؟؟

هنا نتحدث عن إعادة المنتوج السلفي ، إعادة هدم الرسول محمد لأوثان الكعبة ، وهم بهذا يظلون حبيسي لحظة سالفة ، والإرتباط بالماضي ، بشكل تام ، وهو أحد الأجوبة عن سؤال شكيب أرسلان التاريخي . لماذا تقدموا ؟؟؟

لأنهم أعطوا التاريخ قيمته ، فما انفصلوا عن ماضيهم ، وما اتصلوا به بشكل مستمر ، إستمروا في سيرورة لا تؤمن إلا بالغد ... لماذا تأخرنا ؟؟؟

لأننا تجمدنا في لحظة مجد سالف ، نريدها أن تعاد ولو بالدم ،ولم نفهم أن التاريخ لا يعيد الأحداث العظيمة السالفة ،بل ينتظر آخرى جديدة.