الاسرى والمسرى .. توحد الساحات

تحدثنا في المقال السابق كيف انتصرت وحدة الساحات، وكيف استطاعت لجم الاحتلال، وقلنا أنها أصبحت معادلة جديدة مفروضة على أرض الواقع، لا يستطيع الاحتلال إعقالها ، ولا تستطيع المقاومة القفز عنها، فهي قرار والتزام..

 

فما هي العناوين التي استطاعت أن توحد الساحات وتحقق هذا الانجاز ؟؟

 

بات واضحا للجميع أن أول الخطوط الحمر الذي لا يمكن للشعب الفلسطيني أن يتجاوزه، وتتوحد الفصائل الفلسطينية حوله، بل ويلاقي إجماعاً عريباً وإسلاميا في مناصرته ودعمه هو( الاقصى والقدس ) ، فكانت العديد من الهبات والانتفاضات نصرة للقدس ومقدساتها على مدار قرن كامل بدءاً من ثورة البراق، وانتهاء بالاحداث الأخيرة.

إلا أن خط أحمر آخر بات يوحد الفلسطينين وساحاتهم ، ويجعل المقاومة ملتزمة بأن لا تتبنى ضبط النفس، وهو ( الأسرى ) ، ولعل هذا البند أصبح بهذا القدر من الاهمية في العقد الأخير، ولم يكن بهذا القدر سابقاً ..

لن نعود في التاريخ طويلاً ، لنبدأ من ثورة البراق عام 1929 وهي الهبة الاولى من أجل القدس في التاريخ المعاصر، بل سنبدأ من العقود الأخيرة التي عايشناها

* فقد كانت هبة النفق في العام 1996 ، عندما هب الشعب الفلسطيني في كافة شوارع الوطن بمجرد سماعهم نبأ فتح الاحتلال نفق أسفل المسجد الأقصى، وأن هذا النفق يمس بقدسية الأقصى ، ويعرضه لخطر الانهيار، قدموا في الهبة أكثر من ستين شهيداً

* وكانت الانتفاضة الأشرس في التاريخ الفلسطيني في العالم 2000 تحت عنوان ( انتفاضة الأقصى) ، وبدافع الانتصار للقدس بعد أن قام الارهابي شارون باقتحام المسجد الاقصى، فانفجرت الاوضاع، واستمرت الانتفاضة لسنوات ، ارتقى خلالها الاف الشهداء، وقدمت التضحيات على اختلاف اشكالها .

* أما حرب العصف المأكول عام 2014 فكانت لدوافع عديدة منها سلسلة اقتحامات قام بها الاحتلال لباحات الاقصى، على رأس بعضها الوزير الصهيوني أوري ارئيل، بالاضافة الى قرار وزير الحرب الاسرائيلي بخطر مساطب العلم ومنع الرباط في المسجد الاقصى -- هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كانت الاحداث في الضفة دافعاً ومحركاً وتحديداً بعد أن خاض الاسرى الاداريون إضراباً طويلاً، ثم جاء أسر المستوطنين الثلاثة نصرة للاسرى، فشن الاحتلال حملة شرسة على الضفة الغربية ... دفعت هذه العوامل مجتمعة المقاومة في غزة الى إطلاق عشرات الصواريخ نحو مغتصبات الكيان ، فتدحرجت الأمور نحو الحرب.

* وبعدها بعام كانت هبة قادها الاشبال والشبان بسكاكينهم وسياراتهم عرفت باسم (هبة القدس ) ..

* ثم كانت هبة البوابات الالكترونية عام 2017 ، رغم أنها قامت على أكتاف أهل القدس والداخل المحتل، إلا أنها كانت جولة مظفرة أخرى ، وانتصاراً لمقدسات القدس ..

* أما الجولة الأبرز التي وحدت الساحات مع القدس فقد كانت سيف القدس عام 2021 ، فأصبحت وحدة الساحات معادلة ثابتة غير قابلة للتجاوز، ففي اللحظة التي اقتحم فيها الاحتلال مصليات الأقصى .. و اعتدى على المعتكفين ، وظهرت صور التنكيل بالمصلين، قررت المقاومة بدأ الهجوم، وشرعت بقصف كثيف للصواريخ أمطرت به مدن الاحتلال ومغتصباته طوال عشرة أيام، فاعتبرت الجولة الاولى التي تحدد المقاومة موعدها وتبدؤها ... وتوجدت الساحات بشكل غير مسبوق بانضمام الداخل المحتل للمواجهة ، والمشاركة فى أعمال المقاومة ..

* أما المشهد الأخير (2023) فقد تمكن الملفين: الأسرى، والاقصى من التأكيد على أنها صاحبي الحق والقدرة على توحيد الساحات ...ففي الوقت الذي قرر فيه الاسرى الدخول في معركة مصيرية مع السجان، وأعلنوا عن معركة (بركان الحرية أو الشهادة) لم تستطع المقاومة إلا أن تعلن بـ أننا لن نترك الاسرى في المعركة وحدهم ، و أن الساحات ستتوحد من خلف الأسرى، اضطر الاحتلال وعلى رأسه المتطرف بن غفير مسؤول الملف إلا أن يتراجع عن حربه على الاسرى.

وقد سمعنا من إخواننا الاسرى أن مستشاره كان حاضراً في الاتفاق النهائي، وأنه لم يجد بداً من التراجع عن جميع ما قرره من اغتصاب لحقوق الاسرى، والتضيق عليهم .. ولو تركت ساحة الأسرى وحيدة لكان الواقع أكثر صعوبة عليهم ، ولربما اضطروا الى خوض معركة طويلة ومرهقة وغير مضمونة النتائج.

وتكرر الحال خلال أقل من شهر مع الأقصى في الأحداث الحالية التي شهدها، وكانت نتيجتها غاية في الوضوح. فانتصرت فيها وحده الساحات، وانتصر فيها الأقصى، وكسب الشعب الفلسطيني بل الامتين العربية والإسلاميه نصراً جزئياً مهماً، يراكم على ما سبق، فيساهم في

تمهيد الطريق الى ما هو قادم.

ويبدو أن ما هو قادم أعظم، وأن زمن الاستفراد بساحة دون غيرها ولّى الى غير رجعة ..

والله أعلم.