لا للتطبيع مع الدم..
لا للتطبيع مع الدم كنتُ دائماً اقول لِمَن حولي أنا أعترض بشكل قاطع أَن نعيش حياتنا بشكل طبيعي و عاديٍ جداً بالمقابل هناك شهداء في مدن فلسطينية أخرى تتشارك معنا كل شيء و لا يفصلنا عنها اي حواجز مثل الدين و الارض و النسب.
الحاجز الوحيد الذي يقف بيننا و بين الشهداء في المدن الفلسطينية الاخرى هي الحواجز المادية و النفسية التي وضعها الاحتلال حتى يخلق شرخاً لا يُسَد بين ابناء الشعب نفسه.
أكثر ما يُسعِد الاحتلال هو أن نعيش ونتطبع وفقاً للأغلال التي تخلقها هذه الحواجز و التقسيمات بين المدن الفلسطينية، حيث تتفرغ كل مدينة لاعبائها و حاجاتها اليومية بالتالي تفريغها من المسؤولية الأخلاقية و الوطنية التي ينبغي أن تستشعرها بحق اخواتها من المدن الأخرى، راميةً خلف ظهرها نكباتها و أحزانها، و كأن لسان الحال يقول اللهم نفسي و ليذهب الجميع الى الجحيم.
الشواهد كثيرة من الكتاب والسنة التي تدعو المؤمنين إلى التحابب والتراحم ، ومراعاة الأخوة الإيمانية فيما بينهم ، ومنها قوله سبحانه وتعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) سورة الحجرات ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ) .
هذه الشواهد تَعُم كافة المسلمين بكافة أقطارهم، ما بالك أن يكون هؤلاء المسلمين على درجة وثيقة مِن قرابة الأرض و العرض و القضية...أليسَ الأقرباء اولى بالمعروف؟؟؟
نحن اليوم لا نتوقف عن إبداء الحسرة و الحزن عن دول و حضارات اسلامية انتهت و صارت بحكم الأموات مثل الاندلس و الدولة العثمانية، لكن لا نشعر بنفس الحسرة على حال المسلمين اليوم و ما يصيبهم مِن قتل و تعذيب...اليس الحي اولى مِن الميت؟؟؟
هناك قصص لأشخاص نبضهم الحقيقي الحي و استشعارهم لهموم المسلمين، دفعهم على مواقف مشرفة، مواقف فعلوها بسبب الكمد الذي اصابهم لما يحصل في بلاد المسلمين.
اعرف قصة معلم وقف امام طلابه و اخبرهم أن بغداد سقطت بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، و بعدها أخذ يبكي أمامهم مثل الاطفال. اعرف شخصاً آخر توقف عن مشاهدة مباريات الكلاسيكو بعد ما عاينه من شجار بين الشباب في احد المقاهي بعد مباراة بين برشلونة و ريال مدريد في عام ٢٠١١، و كان هناك يومها ما يقارب السبعون شهيداً في سوريا بسبب مذابح النظام السوري.
اعتقد أن هناك شواهد كثيرة من هذا القبيل، هذه الأمة ولادة بأصحاب الضمير الحي، و هذه القصص شهادة على حقيقة أن نبض اعداد مِن المسلمين لا زال حياً تجاه ما يحصل لاخوتهم في الأقطار الإسلامية و العربية الاخرى.
هناك مَن يقول هل يجب أن تتوقف الحياة بسبب امور صارت معتادة، الخطر ليس بالاحداث إنما بالاعتياد و التعود. تقبُّل وجود مُصاب عند الآخرين مع الاستمرار في الحياة، يخلق داخل المرء بلادة تشبه بلادة الخراف التي تُذبح كل يوم.
و أيضاً عن أي حياة نتحدث و نحن نرى بأُم اعيننا حياة اخوتنا و اخواتنا تُسلَب منهم و نحن نتفرج مكتوفي اليدين، هل تتخيل أنَّ هناك اي عائلة تجد طعم الفرح و السعادة في وقت يكابد فيه احد ابنائها مرض يحمله الى موته الحتمي؟
و من قال أنني مِن دعاة توقف الحياة، انا اعترض على كل إنسان يوقِف شؤون حياته الى حين مرور اربعينية ( اربعين يوماً على موت إنسان) او سنوية الميت، اعتبر أن هذا التصرف فيه مبالغة و شطط فارغ يخرج عن حدود المنطق، و لا يعترف به الشرع.
لا سيما أن المسلمون أنفسهم في عهد الصحابة سرعان ما اغلقوا ملف خلافة النبي (عليه الصلاة والسلام) بعد موته، بل لم يكن النبي وقتها قد دُفنَ بعد، و ذلك لإدراكهم أن موضوع خلافة النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن تأجيله او التهاون فيه لما قد يحصل من فرط لعقد المسلمين نتيجة غياب من سيقودهم بعده.
ينبغي أن تتوقف الحياة في أمور لا تؤثر على مجرى الحياة نفسها، مثل إقامة الاعراس و الحفلات و الخروج في رحلات للتنزه و التسلية. هذه الامور نعتبرها مِن الكماليات بل اعتبر أن القيام بها مع وجود مصاب جلل عمّ المجتمع الفلسطيني فيه شيء كبير من اللامبالاة و عدم الاكتراث ، فمن لا يهتم لأمر المسلمين ليس منهم كما ورد عن حديث عن النبي، بالرغم من الاختلاف في صحته الا أن معناه يبقى صحيحاً نوعاً ما.
عدم توقف الحياة يعني أن لا يدخل الإنسان في حالة نفسية مِن أنواع الاكتئاب و اليأس الشديد الذي على اثره يؤثر على نفسه و من حوله و يؤثر على ادائِه و مسؤولياتِه.
أوقات مثل ما حصل في جنين و كان يحصل في نابلس تستدعي منّا الالتفات الحقيقي الى مصائب أهالينا هناك و مساندتهم بكل ما نملك حتى بالقلب و ذلك أضعف الايمان.
نحن نتحدث عن قضية تجمعنا، و يموت بضعٌ منا عندما يموت شهيد في سبيلها، و نحيا كلنا معاً بانتصار هذه القضية..