لماذا حدث ذلك في جامعة بير زيت؟!
اعتادت انتخابات مجلس الطلبة في جامعة بيرزيت تاريخياً أن تكون البارومتر لتوجهات ومشاعر عموم الشعب الفلسطيني في السياق السياسي المتزامن مع وقت الانتخابات.
اكتسحت الكتلة التابعة لحماس نظيرتها التابعة لحركة فتح هذا العام، في نتيجة مغايرة بشكل كبير عن آخر سباق انتخابي شهدته الجامعة في عام ٢٠١٩، والتي انتهت بحصول قطبي الانتخابات الرئيسيين على مقاعد متساوية.
جاءت الانتخابات في أعقاب اضطرابات شديدة على الساحة الفلسطينية، بعد الانتهاكات الإسرائيلية في القدس والشيخ جراح في مايو الماضي، والتي أثارت موجة من المقاومة في جميع أنحاء فلسطين، بما في ذلك الأراضي المحتلة عام 1948 وقطاع غزة.
وفي الوقت نفسه، لم تحقق عملية السلام المزعومة أية نتائج مرجوة للشعب الفلسطيني وقضيته، فاختيار السلطة الفلسطينية لمبادئ التعايش والتسوية السلمية، والتي تشمل في حيزها التنسيق الأمني، جعلت كثيراً من الفلسطينيين يقفون بلا تردد مع فكرة المقاومة.
تعاني السلطة الفلسطينية أزمة حقيقية على مستوى القيادة، وتفاقمت الأمور مع عجزها الكبير على مستوى الموازنة، والذي تضاعف بسبب جائحة كورونا، واحتجاز اسرائيل لعائدات الضرائب وانخفاض التمويل الدولي، و استشراء الفساد المالي داخل مؤسسات السلطة، و هناك أيضاً صراع خفي بين أروقة الحكومة حول مسألة خلافة الرئيس محمود عباس، و لا سيما بعد واحدة من جلسات اللجنة المركزية لمنظمة التحرير في هذا العام، و التي تم من خلالها التأكيد على تجديد الثقة بمحمود عباس رئيساً للحركة و اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، فمجرد فتح ملف تجديد الثقة، يعني وجود بلبلات و تساؤلات مرتبطة بالمستقبل الفلسطيني بعد الرئيس محمود عباس.
وجاء توقيت الانتخابات مع تصعيد الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على الضفة الغربية، وبالتحديد على مدينتي جنين والقدس، وبلغ العنف ذروته في ١١ مايو باغتيال الصحفية الفلسطينية شرين ابو عاقلة أثناء تغطيتها للعدوان الإسرائيلي على مدينة جنين، وهذا الحدث سلط الضوء الدولي مجددا على القضية الفلسطينية، وجاء بعد تجاهل كبير لقضية الشعب الفلسطيني واصطفاف دولي كامل مع دولة الاحتلال.
** الخطيئة الكبيرة : انتصار كتلة الوفاء الإسلامية التابعة لحماس على كتلة الشبيبة الطلابية التابعة لفتح لا يمكن تفسيره في إطار خارج عن الأحداث السياسية، حتى مع اعتقادنا أن عناصر الشبيبة الطلابية لا يتحملون شخصياً مسؤولية أخطاء و فساد السلطة الفلسطينية، فواحدة من أخطاء حركة فتح مع تأسيس السلطة الفلسطينية و التي تفاقمت في عهد الرئيس محمود عباس، ذوبانها في السلطة الفلسطينية و أجهزتها الأمنية، الأمر الذي جعل من حركة فتح تتحول الى حركة من الموظفين، إضافةً الى حملها الكثير من أعباء السلطة، و خاصةً بعد انتهاء العصر الذهبي لاتفاقية أوسلو و بداية العصر الأسود بعد اغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
أصبحت السلطة الفلسطينية تعمل في خدمة الاحتلال، دون حصولها في المقابل على أي وعد بأُفُق سياسي مناسب، ومن هنا، دخلت حركة الشبيبة الطلابية في جامعة بيرزيت في دوامة الصراع بين السلطة الفلسطينية وعناصر القوة في حركة فتح، وكانت سلبية السلطة حول ما كان يحدث في القدس سبباً في نقم الطلاب المقدسيين على حركة فتح.
داخلياً، عانت الشبيبة أيضاً من عدم وجود قيادة مستقرة ومنتخبة من قبل الطلاب، فبدلاً من ذلك، يتم تعيين الموالين للسلطة الفلسطينية في المناصب العليا، بينما يتم تهميش من قد يكون أكثر تأهيلاً او من لديهم وجهة نظر مختلفة يمكن ان تحشد أنصار حركة فتح.
** الأصوات السابقة: من اسباب فوز كتلة الوفاء الإسلامية، التماسك الداخلي ووجود عناصر فاعلة ونشيطة جنباً إلى جنب مع وجود قيادة منفتحة في التعامل مع احتياجات الطلاب، وتعرضَ الكثير من عناصرها للاعتقال على يد القوات الإسرائيلية، منهم سبعة خلال عشية الانتخابات، فمثل هذه الحركات من الجانب الإسرائيلي اثبتت أن سياسات الاعتقال والاستهداف لا تضعف الحركة بل تزيد من رصيدها الشعبي عند الناس.
منذ تأسيس السلطة الفلسطينية، أجريت انتخابات مجلس الطلبة في بيرزيت ٢٣ مرة، فازت كتلة الوفاء في ١٢ مناسبة بينما كتلة الشبيبة في ١١ جولة أخرى، وانتهت واحدة بالتعادل بعد حصول الكتلتين على المقاعد نفسها، و هذه الأرقام تدل على أن الكتلة الإسلامية ما زالت تحافظ على وزنها، و ما ينبغي ذكره أن الشبيبة فازت في جميع انتخابات مجلس الطلبة بعد الانقسام السياسي بين حماس و فتح، من عام ٢٠٠٨ الى ٢٠١٥، و الذي شهد نقطة تحول بالنسبة لكتلة الوفاء الإسلامية، التي فازت من ذلك الحين بجميع الانتخابات باستثناء التعادل في عام ٢٠١٩.
في هذا العام، فازت كتلة الوفاء الإسلامية باكتساح، وذلك بحصولها على ٢٨ مقعداً، ويعتبر هذا اعلى معدل في تاريخ انتخابات بيرزيت، بينما حصلت الشبيبة على ١٨ مقعد فقط، في واحدة من اسوأ مشاركاتها.
وهذا يقودنا إلى سؤال مهم: هل تعكس نتائج هذه الانتخابات مرحلة مفصلية أم هي مجرد لحظة عابرة يمكن ان تنتهي بسرعة؟ اعتقد أنه من المبكر معرفة ذلك، لا يمكن الجزم بأن انتخابات بيرزيت انتصار للمقاومة الفلسطينية بشكل عام، لأن هذا سيعني أن خسارة الكتلة الإسلامية للانتخابات في المناسبات السابقة كان خسارة للمقاومة.
**استعادة النفوذ: لا يمكن إنكار أن الصواريخ التي أطلقتها حركة حماس في قطاع غزة كان لها أثر في حشد نوع من التعاطف الشعبي، مقارنةً مع النقم الكبير إزاء سياسة التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.
كتلة الشبيبة الطلابية في بيرزيت لديها شعور عام من الغضب والحنق، لأنها جزء من حركة فتح، والتي لديها رصيد ضخم في العمل المقاوم، فحركة فتح قدمت اعداد كبيرة من الشهداء والجرحى والأسرى، ولكن قيادة فتح اليوم تعيش في عالم آخر بعيد عما كانت عليه الحركة.
ولاستعادة نفوذ الشبيبة الطلابية في جامعة بيرزيت، يجب على حركة فتح بكوادرها الطلابية الانسلاخ عن السلطة الفلسطينية، والعمل جنباً إلى جنب مع من يقاتل من أجل استعادة الحرية والحقوق الفلسطينية، ومحاربة الفساد.
ملاحظة: معظم المعلومات وردت في مقال نُشر على موقع middle east eye
** المراجع: