القدس بين فعل المقدسيين وبروباغندا السياسيين

 

تحتل مدينة القدس مكانة مرموقة في العالم، فهي قدس الأقداس، مهد الأديان والرسالات، وأرض الأنبياء، ومقبرة الرسل وصحبهم، ومدينة السلام، وأيضاً بؤرة الصمود أي صمود المقدسي أمام الآلة الاستعمارية الصهيونية، وبطشها المصر على تهويد المدينة، وترحيل الفلسطينيين، وقتل شبانها مقدمي التضحيات، وحامي حماها أمام سياسة المحتل، مقابل شعارات ووعودات واستغلال لرمزيتها ومكانتها الرفيعة من قبل رجال السياسة.

أثبت المقدسيون مدى قدرتهم على الثبات والتمسك والإصرار على حماية القدس والمقدسات في كل المراحل التي مروا بها، فما نشاهده من ممارسات بشعة  متكررة بحق المقدسيين ما هو إلا تأكيد على سياسة المستعمر الصهيوني السادي الذي لا يتوانى عن استيطان وترحيل الفلسطينيين من القدس، وتنغيص عيشهم، وطمس هويتهم وهوية القدس العربية، ومشاهد القتل والاعتقال والإبعاد والحرق والتدمير والتجهيل والتهويد  هي  مشاهد أصبحت جزءا من حياة المقدسي، التي لا مناص منها، لكن وبالرغم من كل هذه المشاهد إلا أننا نرى ثباتا حقيقيا وصمودا مميزا من قبل المقدسيين الذين لم تدفعهم سياسة الاحتلال الإحلالية على مغادرة وترك المدينة مهما كلفهم ذلك، بل على العكس فإنها زادتهم عزيمة وإرادة على الحفاظ على القدس ومقدساتها وعدم التخلي عنها والتفريط بها بأي ثمن من الأثمان .إذاً نرى أن المقدسيين يعانون شتى أنواع التضييق ويمارس ضدهم المستعمر سياسة العنف و"الترانسفير" التي تعد مركبا أساسيا من مركباته، ولكن بالرغم من هذا كله لا نرى من المقدسيين إلا صمودا وتحديا وثباتا في مدينتهم، واستبسالا في الدفاع عن مقدساتها سواءً الإسلامية أو المسيحية.

بالرغم عما يمارسه الاحتلال بحق مدينة القدس فليس هناك أي دعم جدي وحقيقي لدعم صمود وثبات المقدسيين، فهناك غياب واضح للمؤسسات الوطنية الفلسطينية، ومؤسسات العمل المدني، والجمعيات الأهلية، والمراكز الجماهيرية، ومراكز الدراسات والجامعات الفلسطينية، ويتبع هذا الغياب إغلاق سلطات الاحتلال كل المؤسسات التابعة للفلسطينيين، مثل: بيت الشرق، ومكتب التربية والتعليم في البلدة القديمة التابع للسلطة الفلسطينية ،والعديد من المؤسسات التي تعزز صمود المقدسيين وتحافظ على هويتهم الوطنية ،بالإضافة إلى اختفاء أي شكل من أشكال السيادة والسلطة السياسية الفعلية، بل على العكس  نرى وزيرا بلا وزارة ومحافظا بلا أي صلاحية لديه سجل طويل من الاعتقالات المتكررة ،والمحزن بأن  مقر كليهما  يقع خارج الجدار الفاصل أي خارج حدود مدينة القدس المعروفة حالياً، وإلى جانب كل هذا وللأسف هناك انعدام واضح لحاضنة سياسية تحتضن القدس وسكانها ومقدساتها، وأيضاً غياب للدعم المادي والوطني في ظل الممارسات الفاشية للمستعمر في القدس؛ لإنهاء الوجود الفلسطيني وإن وجد هذا الدعم فهو متواضع إلى حد كبير وقاصر وعديم الرؤية.

ومما يزيد الأمور سوءا ما نشاهده من استغلال لمكانة القدس ورمزيتها من قبل السياسيين في كافة المناسبات والمحافل، فلا يكاد أن يكون هناك محفل أو مهرجان إلا وقد نضح السياسي بما في جعبته من وعودات لدعم القدس والمقدسيين، وتعزيز صمودهم، والمحافظة على عروبة المدينة من براثن الاحتلال، وسياساته التهويدية،  وأنها من أولوياتهم ،وكل هذا يبقى في مربع الوعودات التي لم ترتق إلى ممارسة عملياتية على أرض الواقع وحتى إن وجدت محاولات ممارسة فعلية فهي في أغلب الأحيان خجولة إلى حد بعيد، ولا تتناسب مع شعارات السياسيين العريضة ، ولربما حاول هؤلاء السياسيون أن يحولوا هذه الشعارات إلى ممارسة فعلية وتطبيقها في الواقع، ولكن بوجود المستعمر الصهيوني وآلياته المتوحشة تجعل من تطبيق هذه الوعودات والشعارات ضرباَ من الخيال، وهذا كله لا يعني أن السياسي بريء من استغلال رمزية القدس لتحصيل مآربه المتنوعة بالمقابل لا نعلم كم من الضغط الذي مورس بحق السياسي وجعل منه غير قادر على تنفيذ سياساته ودعواته الداعية إلى دعم القدس، وما أريد قوله هو أن على السياسيين الانتقال من مرحلة الوعودات إلى مرحلة الفعل الحقيقي لدعم صمود المدينة المقدسة ،فهي بحاجة وبشدة إلى هذا الدعم لتبقى القدس العاصمة الوحيدة والأبدية لدولة فلسطين.

    لا يخفى على أي أحد أن القدس تفتقد أدنى أشكال السيادة الفلسطينية ومقومات الصمود والثبات أمام المحتل الغاشم، وبالرغم من هذا لا يكف السياسي عن استغلال رمزية وقدسية القدس لاحتياجاته السياسية بدلاً من الوقوف وقفة حقيقية لدعم المدينة المقدسة، فالقدس ليست عبارة عن وسام شرف، ولا عبارة عن لقب يعطى من قبل السياسي، وإنما هي عاصمة فلسطين الأبدية التي لم يكف المقدسيون عن الدفاع عنها بكل ما أوتوا من قوة وإرادة.

 

 

للأسير/ مراد غسان الرجبي "أبو الياسمين"