جنين والفلسطيني الجديد
بقلم ثامر سباعنه – جنين
جنين:
تبعد مدينة جنين عن نابلس 41 كم، وتشرف على سهل مرج ابن عامر، ويقوم قسم كبير من بناياتها على "تل عز الدين" الواقع شرقي المدينة. ولغزارة مياهها تكثر فيها الجنان والبساتين، وربما من هنا جاء اسمها القديم "جانيم" بمعنى جنان. ترتفع المدينة عن سطح البحر من 125 –250 متراً، وتكون الرأس الجنوبي لمثلث سهل مرج بن عامر، على أحد المداخل الجنوبية المؤدية إلى جبال نابلس.
والمعروف أن جنين الحالية تقوم على البقعة التي كانت عليها مدينة عين جانيم الكنعانية التي تعني عين الجنان، وفي العهد الروماني أقيمت مكانها قرية ذكرت باسم جيناي من قرى مقاطعة سبسطية وقد مر السيد المسيح -عليه السلام- بجنين أو بالقرب منها وهو في طريقه من الناصرة إلى القدس، ويقال إنه شفى عشرة من المجذومين في قرية برقين غربي المدينة، وتخليداً لهذا الحدث شيدت كنيسة في القرية ما زالت باقية حتى اليوم.
وفي القرن العشرين ارتبطت جنين بالسكك الحديدية التي وصلتها بالعفولة وبيسان ونابلس، وفي الحرب العالمية الأولى أقام الجيش الألماني مطاراً عسكرياً غرب جنين. في عهد الانتداب البريطاني أصبحت مركزاً لقضاء جنين، ولها سجل حافل بالنضال ضد الاستعمار البريطاني والصهيوني، حيث أعلنت أول قوة مسلحة ضد الاستعمار البريطاني عام 1935م بقيادة عزالدين القسّام، واشترك سكان المدينة في إضراب عام 1936م، وقد تعرضت جنين أبان فترة الانتداب البريطاني إلى كثير من أعمال العنف، والتنكيل، والتخريب، وهدم البيوت على أيدي القوات البريطانية؛ نتيجة لبعض الحوادث، مثل: قتل حاكم جنين "موفيت" في عام 1938م.
وفي 14 مايو 1948م تركها الإنجليز؛ مما دفع اليهود بمحاولة فشلت في السيطرة على المدينة أمام صمود المقاتلين الفلسطينيين بمساعدة الجنود العراقيين، وبعد توقيع الهدنة عام1949م هاجم الفلسطينيون والعراقيون مواقع اليهود واستطاعوا استرداد عدد من القرى، مثل: فقوعة، وعرابة، والمقيبلة، وصندلة، وجلمة، وغيرها.
وطرد اليهود منها وبقيت جنين مركزاً لقضاء يتبع لدار نابلس، وفي عام 1964م أصبحت جنين مركزاً للواء جنين ضمن محافظة نابلس، وفي عام 1967م وقعت جنين تحت السيطرة الإسرائيلية مثل باقي مدن الضفة الغربية، واستمرّت كذلك حتى قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1995م.
جنين المقاومة:
ـ عام 1799: لم يتردد سكان جنين -الواقعة عند سفح تلال جبل النار "نابلس"- في حرق بساتين الزيتون التي يقتاتون منها بُغية وقف زحف القوات الفرنسية على أراضيهم بقيادة نابليون بونابرت، فأتى الرد الفرنسي على مقاومة جنين بحرق المدينة ونهبها.
ـ سبتمبر/أيلول 1918: في أثناء الحرب العالمية الأولى، وقعت جنين تحت الاحتلال البريطاني مثلها مثل بقية الأراضي الفلسطينية، لكن المحافظة لم تستسلم.
ـ عام 1935: نظمت أول مقاومة مسلحة بقيادة عز الدين القسَّام، أحد كبار المقاومين للاحتلال البريطاني آنذاك، الذي وجد في جنين حاضنة شعبية من الفلاحين تؤمن بالثورة وتدعمها.
ـ تحوَّلت المنطقة منذ ذلك الحين إلى مركز للمقاومة الفلسطينية الذي انتقلت قيادته بعد استشهاد القسَّام إلى فرحان السعدي، سليل إحدى الأسر المقاوِمة.
ـ عام 1938: وقعت أبرز عمليات المدينة ضد الاحتلال، بقتلها قائدا بريطانيا كبيرا داخل مكتبه في جنين.
ـ عام 1948: حين وقع الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وقتلت العصابات الصهيونية الآلاف من الفلسطينيين واحتلَّت منازلهم، تخلَّصت جنين من احتلال قصير نال منها بفضل الدفاع الشرس من المتطوعين الفلسطينيين والجيش العراقي.
ـ عام 1949: آلت المدينة إلى حكم الإدارة الأردنية، وفي أوائل الخمسينيات أُنشئ مخيم جنين لإيواء مهجري النكبة ممَّن استولت إسرائيل على منازلهم بعد طردهم، وسرعان ما صار المخيم الواقع في ضواحي المدينة معقلا للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، خاصة في السبعينيات والثمانينيات.
ـ عام 1951: مع باقي الضفة الغربية دخلت المدينة في اتحاد مع المملكة الأردنية الهاشمية.
ـ عام 1964: أصبحت مركزا للواء جنين التابع لمحافظة نابلس، وبقيت تحت الحكم الأردني حتى احتلالها في حرب 1967.
ـ رزحت جنين تحت الاحتلال الإسرائيلي وأصبحت مركزا لمنطقة جنين التي يحكمها حاكم عسكري إسرائيلي مباشرة.
جنين والفلسطيني الجديد
على الرغم من كل محاولات تشويه الذاكرة الفلسطينية الا ان ما يجري في جنين ومخيمها من فِعل مقاوم وملاحم بطولية اعادت رسم الوعي للجيل الفلسطيني، فلقد اصبحت جنين حاله يبنى عليها في الضفه الغربية وصوره مشرقه للجيل الفلسطيني كانت قد غابت منذ سنوات ولم يعيشها الشباب الفلسطيني الحالي. فما قبل الاجتياح الاسرائيلي للضفه في عمليتهم المسماه السور الواقي تغير واقع وحال المقاومة في الضفه وغابت صوره المقاوم عن الشارع الضفاوي واختفت لغة المواجهة والمقاومه عن لسان الشباب الفلسطيني، لكن ماتخطه جنين اليوم عباره عن كتابه جديده للتاريخ، وصورة حيه يقتدى بها ومثال حي وواقعي الشباب الفلسطيني قابله للحياه والانتقال الى باقي الضفه الغربية.
يرجع ظاهرة نجاح المقاومة في جنين إلى عدة عوامل، أبرزها قدرة فصائل المقاومة على صَهر هوياتها الحزبية في الإطار الوطني، ويكاد يغيب اللون الحزبي في مخيم جنين. وتعمل خلايا المقاومة، من كل الفصائل، وفق تنسيق وتناغم مشتركين. وتُعَدّ معركة جنين عام 2002 النموذج الفريد الذي عكس الوحدة الميدانية في مسرح العمليات والمواجهة مع العدو،
لعل احد ارهاصات ونتائج حرب سيف القدس هو مايجري حاليا في جنين من كسر لحاجز الخوف، وتمرد على الاحتلال وعنجهيته، كما لانغفل عن ضعف او كف يد السلطة الفلسطينيه عن المقاومين والفعل المقاوم في جنين ساهم بشكل كبير وملموس في تطور وتقدم المقاومه.
كما أن الفعل المقاوم ومشاركه كل الفصائل اضافه الى الحاضنه الشعبية ورضى اهلي جنين وصبر وثبات بل وتشجيع اهالي المقاومين والشهداء والاسرى يعطى دعم اكبر ومشاركة اوسع في الفعل المقاوم في جنين.
استفادت فصائل المقاومة في مخيم جنين من تجربة المقاومة في قطاع غزة. وعلى غرار الغرفة المشتركة، التي تضم 13 فصيلاً مقاوماً في قطاع غزة، أنشأت مكونات المقاومة في جنين غرفة مشتركة للتنسيق، ميدانياً وعملياتياً، ومن أجل تبادل المعلومات وعمليات الرصد والتدريب والدعم، عسكرياً ولوجستياً.
هذه الصورة غالبا ستنتقل الى باقي مدن ومخيمات الضفه ولعل بوادر ذلك باتت واضحه في بعض المناطق في صورة مشرقه باتت ترتسم في عقول وقلوب الاجيال الجديدة من الشعب الفلسطيني صورة الانتصار والقدرة على الثبات والتضحيه اضافه لمكانه وقيمه وعزة المقاوم .
ان جنين ومخيمها الذي غدا معلمًا من معالم المقاومة يخشى الاحتلال تمدده نموذجًا في باقي مناطق الضفة الغربية، وأن الضفة الغربية تشهد تغييرًا كبيرًا في مقاومتها وحالة من التوحد مع مختلف ساحات شعبنا الفلسطيني، وأنها فرضت معادلات جديدة على الاحتلال الإسرائيلي جعلته يعيش حالة من التخبط والعجز والفشل.