بسم الله الرحمن الرحيم
الكيان الصهيوني والديموقراطية
يجب الانتباه إلى أن الديموقراطية الجزئية كمسار للتداول والاختيار كانت منذ فترة النشوء قبل الإعلان عن الدولة؛ تلك الفترة التي تتم ممارسة الانتخاب بين مكونات الجماعة الاستيطانية للهستدروت والنقابات والمؤسسات التي أصبحت مع إعلان الدولة مؤسسات رسمية تعبر عن الدولة بكل مركباتها، لكن ما يميز هذه المرحلة أنها كانت في سياق بعث قومي جديد للجماعة اليهودية وليس نظام سياسي في إطار دولة، حيث الفارق كبير بينهما الأول له محددات نابعة من البعث الثوري للأيديولوجيا، في حين الثانية مرهون بنظام الحكم السياسي القائم ليكون التساؤل هنا:
إن كانت الجماعة الاستيطانية قبل الدولة تمارس العملية الديموقراطية وعلى قرابة مئة عام منذ نشوء مؤسسة الهستدروت، هل أصبحت إسرائيل الدولة فعلًا ذات تجربة ديمقراطية قديمة -أي طويلة العهد- أم لا؟
أم أنها مارست الديموقراطية بمضامين غير ديموقراطية؛ بمعنى هل المضامين الممارسة من قبل هذه التجربة يقع ضمن مساراتها عدا عن الفعل الجزئي الديمقراطي من عملية انتخابية وما شابه ذلك، الديموقراطية الشاملة التي تحتوي على (قيم العدل، والمساواة، والشراكة، وإنهاء الفقر، والتهميش، والإقصاء وعدم التمييز بين الأفراد، ودعم الحقوق والحريات إلخ...) كما قدمها العيسوي، أم أن الحاصل هو العكس تماماً من حرمان وقهر وعدم المساوة وعدم تكافؤ الفرص والإنصاف في توزيع الثروات بين الجماعة اليهودية وتحديداً "الأشكناز" لهم مع العرب الفلسطينيين السكان الأصلانيين في البلاد، وهل هناك هيمنة طائفية على المجموع العربي الفلسطيني من قبل الدولة أم غير ذلك؟
إن شكل الدولة الديموقراطية اليوم عدا عن عدم تطبيقها الديموقراطية الشاملة ضمن الإطار السياسي الجامع للنظام وشكله المتفق عليه بحسب الدستور في حين ما زالت إسرائيل كدولة احتلال تمارس نظام كفاعل قومي المنطلق من الخلفية التي شكلتها في القرن الماضي مؤسسات "الميليشيو" في منافستها للفلسطينيين السكان الأصلانيين في البلاد، وتوجهاتها الحصرية التي تخدم البعض من سكانها وهم اليهود وبالأخص الأشكناز منهم، واستمرارها في صراع القومية مع العرب كأنها ليست دولة ذات سيادة ومعترف بها، بل جماعة سياسية تواجه جماعة سياسية أخرى.
المركبات الأكثر تعقيدًا في وصف الدولة هو ربطها بدين خاص بجماعة خاصة -بمعنى أنها دولة الشعب اليهودي- لذلك إقرار هذا المسمى يقود إلى السؤال عن: من هم ليسوا يهودًا وهم اليوم أكثر من اثنين مليون داخل حدودها القانونية؟
الحديث عن بناء دولة قومية لقومية محددة هو بمثابته نفيًا لأي قومية أخرى، اليوم الدول استقرت على بناء المواطنة والعرق الاجتماعي الذي اختاره سكان ومواطني الدولة، وليس علاقات دينية أو تجمعات قومية عرقية؛ لتبقى الديموقراطية المفقود البارز من العقد الصهيوني في علاقاته مع الآخرين وعلى رأسهم الفلسطينيين، وهذا ما سيتأصل أكثر خلال حكومة اليمين المتطرف؛ لتكون الديموقراطية هي الضحية.
الأسير / إسلام حسن حامد 13/11/2022م