الكاريكاتير ودوره في القضية الفلسطينية

 

لقد سعى المظلوم دائما للابداع في طرق ايصال صوته للعالم وللبحث في كل الطرق الممكنه التي يمكن من خلالها أن ينشر قضيته ويثبت حقه، إن الفن بكل طرقه واساليبه وأشكاله يعتبر أحد طرق خدمة القضايا العادلة  في عصر الحضارة والانترنت وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي, لذا كان لابد من تسخير هذه الادوات من أجل القضية الفلسطينية.

تتعدد أوجه و أشكال الفن : فالاغنية واللحن والانشودة أحد اوجه الفن المهمة والتي يمكن من خلالها مخاطبة قطاع واسع من شعوب العالم , دور الصورة والتصميم والبوستر لما للصورة من قدرة على مخاطبة كل الاعمار والمستويات الثقافية عند شعوب العالم , وخاصة إن أضفنا ترجمة الكلمات الى كل لغات العالم , فالمطلوب هو اشراك العالم وشعوبه في حمل القضية الفلسطينية.

وكذلك الرسم الكاريكاتيري الذي لايحتاج الى لغة محدده لمعرفة المغزى من الرسم , فالكاريكاتير قادر أن يفهم بسهولة ويسر من أي شعب وبأي لغة وعلى أي ارض.

فن الكاريكاتير:

يعود أصل كلمة كاريكاتير إلى اللغة الإيطالية وهي مشتقة من كلمتين هما: Carico وCaricare، وتعني كل كلمة من الكلمتين التزويد والتضخيم، وقد أطلقت كلمة الكاريكاتير على هذا الفن بسبب أسلوبه في رسم الشخصيات بطريقة تعتمد على تضخيم أو تحريف بعض المعالم والملامح في الشخصية المرسومة، ويهدف فن الكاريكاتير إلى النقد والاستهزاء بشخصيات واقعية سواء كانت هذه الشخصيات سياسية أو فنية أو اجتماعية[1]

 

الكاريكاتير والقضية الفلسطينية:

يعتبر فن الكاريكاتير الفلسطيني من أهم التعبيرات الدالة على معاناة الشعب الفلسطيني وهمومه وحراكه المقاوم لاسترجاع الحقوق وطرد الغزاة من جنبات الوطن الفلسطيني، فضلاً عن كونه صورة تعكس عبر ريشة رسام مبدع صيرورة الهوية الوطنية الفلسطينية المتجذرة رغم محاولات الاحتلال الإسرائيلي  طمسها، بغرض فرض الرواية والمزاعم الصهيونية لاحتلال فلسطين وطرد شعبها[2]؛هذا الفن في السياق الفلسطيني جاء ترجمة للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي. فبدأ بتناول الوحدة العربية، واللاجئين والشتات الفلسطيني، وقدوم السلطة الفلسطينية وتوقيع اتفاقيات السلام، ليصل إلى الانقسام والمناكفات الداخلية بين الفصائل، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والأسرى والحدود والقدس.[3]

بدأ الكاريكاتير في الصحافة الفلسطينية بالاعتماد على ما يمكن استنباطه من آلية الفعل والتفاعل اليومي في هذه المهنة، حيث لم تكن قد تبلورت المعارف والخبرات على الصعيدين، (الصحافة والكاريكاتير)، ما حتم بالضرورة أن ترى الصحافة الفلسطينية (المحلية خاصة)، صحافة البلدان العربية المحيطة، نماذج يصلح تقليدها، كما فرضت ظروف الاحتلال نفسها وضرورة أن تستلهم الصحافة الفلسطينية بعض أساليب وطرائق العمل في صحافة البلدان العربية ، (سورية ولبنان)،التي أمكن التعرف إليها أو التقرب منها.[4]

الباحث ممدوح بري يقول[5]: ان كثير من الفصائل الفلسطينية في الانتفاضة الاولي اتخذت من رسوم الكاريكاتير والشعارات لاظهار موقفها من الاحداث المتعلقه بالقضية الفلسطينية، وتجد أحيانا تمايز بين الفصائل الفلسطينية حسب الحدث، بل أحيانا تجد تمايز بين الفصيل نفسه في منطقة عن منطقة أخرى حسب بيئة الفصيل والاحداث الجارية في الموقع، رسومات الكاريكاتير كانت تستخدم من فصائل المقاومه للتعبير عن رفض مشروع السلام والتعبير عن هوية فلسطين وهوية المقاومة، وكانت هذه الرسومات لها امكاكن لترتسم عليها مثل المعارض او الجامعات او حتى على اسوار المباني وعلى جوانب الشوارع، لقد تأثرت رسومات الكاريكاتير بأيدولوجيات الفصائل الفلسطينية والفكر الذي تتبناه.

رسام الكاريكاتير عماد حجاج  يتحدث عن الكاريكاتير ودوره في القضية الفلسطينيه قائلا : طبعا كان لفن الكاريكاتير دور كبير في مشهد القضية الفلسطينية ، فتكفي ايقونة حنظلة للفنان الشهيد ناجي العلي الذي صار برسوماته عنوانا ورمزا بصريا عالميا لقضية فلسطين ، كما احتلت القضية الفلسطينية مساحة كبرى في معظم موضوعات الرسامين العرب ، وخاصة في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ، في عصر ازدهار الصحافة الورقية ، وحتى في المحافل العالمية تجد قضية فلسطين حاضرة في رسومات اصحاب الضمائر الحية في الصحافة الغربية على قلتهم ، دور الكاريكاتير هو دور اعلامي وهو اختصار بصري مركز يلخص الموقف والمفارقة ، ولهذا توظفه ايضا الدوائر الصهونية المؤثرة في الغرب لخدمة روايتها ولخلق صورة موازية.

يقول فنان الكاريكاتير أسامة نزال (رام الله) [6]: ما زال الكاريكاتير له بصمه واضحه وبارزة في دعم القضية الفلسطينية لانه الفن الشعبي البسيط والسهل المتداول بين الناس ، وميزة الكاريكاتير عن جميع الفنون ، ان إنتاجه سريع ويستطيع مواكبة وتغطية الحدث لحظه بلحظه ببساطة خطوطه وقلة كلماته وزخم الرساله إستطاع الكاريكاتير حمل قضيتنا للعالم ودعم روايتنا الوطنيه والنضالية ضد المحتل . فالقضية الفلسطينيه هي عباره عن مجموعه من قضايا وطنيه مثل احتلال الارض ، الاسرى ، الجدار ، اللاجئيين، القتل ، الشهداء ، التشريد ، الحصار ، الحرب ، قمع الحريه ، حرب الروايات الدينية والتاريخيه والتراثيه … الخ ، كلها تحتاج الى وسيله قوية تترجم ما سبق وتستطيع أن تؤثر في آن على الأخريين أولاً لكسب الدعم والتأييد لصالحنا وثانياً لتحصين الأخريين لصد الرواية المضادة ، فكان الكاريكاتير له الدور البارز .

ناجي العلي الفنان الذي دفع حياته لرسوماته:

اقترن اسم ناجي العلي بحنظلة أو العكس أدق، بحيث أنّ حنظلة ذاع سيطه واسمه وشكله أكثر من صاحبه، حنظلة هي شخصية ابتدعها ناجي العلي تمثل صبيًا في العاشرة من عمره، ظهر رسم حنظلة في الكويت عام 1969 في جريدة السياسة الكويتية، أدار ظهره في سنوات ما بعد 1973 وعقد يداه خلف ظهره، وأصبح حنظلة بمثابة توقيع ناجي العلي على رسوماته. لقيَ هذا الرسم وصاحبه حب الشعوب العربية كلها وخاصة عند الفلسطينيين لأنّ حنظلة هو رمزٌ للفلسطينيّ المُعذّب والقوي رغم كل الصعاب التي تُواجهه فهو دائرٌ ظهره للأعداء. أنتج ناجي العلي أكثر من 40 ألف عمل فني، غير تلك التي منعتها الرقابة وظلت حبيسة الرفوف، وأعطى ثلاثة كتب في أعوام 1967، 1983، 1985، وعرضت أعماله في بيروت ودمشق وعمان وفلسطين والكويت وواشنطن ولندن، ويشكل "حنظلة" أشهر شخصيات رسوماته الكاريكاتيرية[7].
عند الساعة 5:13 صباحًا، يوم الأربعاء 22 تموز/ يوليو 1987، أوقف العلي سيارته على رصيف الجانب الأيمن لشارع إيفز جنوبي غرب لندن، حيث مقر جريدة القبس الدولية، ولم يكن ناجي يعلم أن قاتلًا يترصده، وبالرغم من التهديدات الكثيرة التي تلقّاها العلي، والتي كانت تُنذره بالعقاب على رسوماته، وتلقّيه معلومات وافية بأنّ حياته في خطر نظرًا لأنّ الموساد الإسرائيلي قد جعله هدفًا، إلا أنّ العلي لم يتخذ لنفسه أية إجراءات للحماية، لإيمانه القدري وفقًا لمقولة: "الحذر لا يمنع القدر" لذلك كان اقتناصه سهلًا. وما أن اقترب ناجي العلي من مخزن "بيتر جونز"، القريب من نقطة الاستهداف حتى اقترب منه القاتل الذي ارتدى سترة من الجينز والذي وصفه الشهود بأنه ذو شعر أسود أشعث وكثيف، وعندما سار في موازاته أخرج مسدسه وأطلق الرصاص باتجاه رأس ناجي العلي، ثم لاذ بالفرار[8].


كاريكاتير نرويجي يستفز دولة الاحتلال

احتجت سفارة دولة الاحتلال الإسرائيلية في النرويج بشدة ضد صحيفة “Dagbladet” النرويجية ، التي نشرت رسما كاريكاتيريا ساخرا جاء فيه “الإسرائيليون أمة من القتلة” ويقارن الدولة العبرية بألمانيا النازية. ويظهر في الرسمة شخصا أمام متجر للأغذية العضوية متسائلا “مواد عضوية؟ ويجيب “لكن نكهتها غير أخلاقية”. وفي الرسمة أيضا “تم تصنيع هذه المعكرونة في كوريا الشمالية؟ كيف حصلت عليها”، وفي جزء الرسمة الأخير، يحمل مربع البيتزا المجمدة الصليب المعقوف، مع علامة “صنع في ألمانيا النازية”، والطابع يقول “وهذه البيتزا هي من غير ..ما هو هذا المخزن، على أي حال ؟” وشبهت اللوحة ؛ شراء الأوروبيين المنتجات الإسرائيلية بمثابة شراء منتجات من النازيين المعاديين. فيما رفض رئيس تحرير الصحيفة الاعتذار، قائلا إنها “مجرد رسمة” وأن رد الفعل الإسرائيلي كان مبالغا فيه[9]

 

معيقات الكاريكاتير في فلسطين:


فنان الكاريكاتير أسامة نزال يقول :  المعيقات التي يواجهها فنان الكاريكاتير تنقسم بين تقليديه و لوجستيه تقليدياً ، هو كفاح فنان الكاريكاتير في رفع سقف حرية التعبير الذي يرتبط حسب الموضوع الذي يثيره ، فإن كان ينتقد الإحتلال او المجتمع أو الدوله الوطنية أو التيارات السياسيه ، فكل ما سبق لهم أنصار يشكلون جيش من الرأي أمام رأي الكاريكاتير . ومعظم رسامي الكاريكاتير دفعوا فاتوره رسالتهم كلاً حسب الواجهه التي ذهب نحوها . فإن كان نحو المحتل فيوجد رسامين تم اغتيالهم واخرين تم اسرهم ومداهمة مراسمهم ومصادرة اعمالهم ، وان كان نحو المجتمع فمنهم وقعوا بين قتل وتهديد وطرد ومضايقات ، وان كان نحو الدوله فيتم الملاحقة والمضايقه وان كان نحو التيارات يتم تشويههم والطعن بسمعتهم والتكفير والتخوين … لوجستياً يعاني معظم الرسامين من قلة المنصات الاعلاميه التي تروج لاعمالهم وتفتح لهم الفرصه للنشر وخاصه ان الاعلام الورقي اصبح في حالك تصحر والاعلام الرقمي أصبح في حالة تحزب علني و مخفي ، وفي بعض الحالات تم توريط فنان الكاريكاتير بان يضع في قوالب ليست ملائمه له او ان يسلك طرق إجباري عكس حريته و معتقداته . وفي الختام رسام الكاريكاتير ابن وطنه فمن قَبل أن يحمل ريشته عليه أن يحمل قضيته مهما كانت بالنهايه الفاتورة .

 

الفنان عماد حجاج وضع أهم المعيقات من وجهة نظره :

- الرقابة المجتمعية المستجدة ( رقابة المعلقين والمؤثرين واصحاب اللايكات والذباب الالكتروني في قمع الكاريكاتير )

- قوانين الجرائم الالكترونية والمنتشرة في معظم الدول العربية وتشمل وتجرم الكاريكاتير

- تراجع الصحافة المقروءة وفقدان الرسامين لمنبرهم الطبيعي

- السطو على الافكار وسرقتها وعدم احترام حقوق الملكية الفكرية لرسام الكاريكاتير

- انتشار التطرف الديني والتطرف السياسي عموما ونبذ كل اشكال السخرية

- السمعة السيئة للرسامين الساخرين في اوروبا (رسومات الدانمارك المسيئة ، وشارلي هيبدو ) انعكست بشكل سلبي على كل الرسامين وعلى فن الكاريكاتير ذاته باعتباره فنا عدائيا لا يحترم المقدسات .

 



[4] عبد العزيز ، السيد محمد ، الكاريكاتير وعصام حنفي دراسة تحليلية، Error! Hyperlink reference not valid.

[5] مقابله مع الباحث ممدوح بري،قلقيلية، 23 /10 / 2022

[6] مقابله مع فنان الكاريكاتير أسامة نزال، رام الله، 23  / 10 / 2022

[7] 35 عام على اغتيال ناجي العلي : https://felesteen.news/p/116140

 

[8] المرجع السابق