الابتزاز الصهيوني الداخلي.. من يدفع الثمن؟!

في الجزء الأول من مقالنا ذكرنا أن مسلسل الابتزاز الذي مارسه اليمين المتطرف على نتنياهو أدى الى جملة مخرجات تلقي بظلالها على الواقع بشقيه الفلسطيني والصهيوني للترابط الوثيق بينهما، وتركنا سؤالاً معلقاً برسم الإجابة :

من سيدفع ثمن هذا الابتزاز ؟! من سيدفع ثمن زيادة صلاحيات سموترتش في الضفة؟!

من سيدفع ثمن تسليم بن غفير مسؤولية تشكيل والإشراف على مليشيا( الحرس الوطني )؟! 

 

لعل الإجابة البسيطة والأولية التي تتبادر إلى ذهننا أن الفلسطيني دائماً هو من يدفع الثمن.

والإجابة - جزئياً - صحيحة، فدائماً يتم استرضاء اليمين المتطرف على حساب أرضنا على شكل بناء مستوطنات، وعلى حساب مقدساتنا بالاقتحامات، وعلى حساب أبنائنا بإراقة الدماء، في أي أزمة داخلية تنشب لدى الاحتلال يبدأ التفكير لديهم بترحيل الأزمة نحونا، فدمنا هو الأمر الذي يجمعون عليه ، ودمنا - من ناحيتهم - طوق نجاتهم ودعايتهم الانتخابية، ونقطة الاتفاق ، وساحة المزايدات.

وإذا نظرنا الى مشروع " الحرس الوطني " نموذجا، سنجد أنه أداة جديدة مهمتها الرئيسية هي قمع الشعب الفلسطيني بشقيه في الضفة الغربية وفي الداخل المحتل، وتسليم إدارته للارهابي بن غفير يشير إلى الأسس السوداوية التي سيتشكل على قاعدتها.

إلا أن هذا كله جزء من المشهد ففي الوجه الآخر من المشهد أزمة داخلية تتعمق، والخضوع للابتراز لا يشكل إلا " إبرة مخدر " قصيرة المدى، تخدع المشاهد فتشعره أن الأزمة قد انتهت .

اعتقد أن الأمر يشير الى غير ذلك، فكلما ازداد الخضوع للابتزاز إزدادت القرارات خطأ وانحرافاً عن الاستراتيجيات التي رسمها العدو لنفسه، فهي قرارات غير مبنية على المصلحة العامة، ولم تتخذ لأنها القرارات الأصوب والأنفع لهذه الدولة ، بل لأنها القرارات التي تبقي الحكومة قائمة وتمنع انهيارها. فإذا القرار الى القرار، والخطأ الى الخطأ ، سارت الأمور نحو الهاوية ..

تعال بنا نقف على قرار تسليم قيادة الحرس الوطني لبن غفير " نموذجاً ، وماذا قد يترتب عليه وعلى القرارات المماثلة

كان هناك قرار سابق بانشاء حرس وطني صهيوني ، وتأجل تنفيذ القرار عاماً بعد عام - باعتقادي لعدم وجود حاجة ملحة له - ومع تسلم بن غفير وزارة الأمن القومي ، أصبح هو بحاجة لتشكيل هذا الجهاز لاعتقاده بأنه سيكون مسؤولاً عنه ، ويشكله على طريقته، ليكون أداة تنفيذية بين يديه، أو بصورة أوضح (مليشيا) تتحرك بأجنداته، خصوصاً بعد أن كان هناك رفض لتسليمه جهاز (حرس الحدود) ليكون تحت مسؤوليته المباشرة. 

هذا الجهاز خضع فعلاً لمسؤولية بن غفير، واتخذ القرار الرسمي بذلك وتم تحديد الموازنات التي تجعل الأمر نافذاً .. فماذا ستكون عقيدته يا ترى ، وكيف سيتم اختيار وتكليف كوادره التأسيسية، وضباطه ، وكم سيحوى بين جنوده من (شبان المستوطنات ) و (فتية التلال) ، على الرغم من أن حديثاً يدور بأن عمادة سيكون من وحدة حرس الحدود.

فإن تشكل الجهاز واستمرت الاحتجاجات الداخليه، أو تجدد غيرها لاحقاً، وكان المطلوب من هذا الجهاز تفريق التظاهرات " اليهودية العلمانية " فكيف سيتصرف تجاه المتظاهرين، وماهي الحدة والقسوة التي سيظهرها؟! 

أضف الى ذلك فإن جهازاً تنفيذياً يديرة شخص عديم الخبرة (بن غفير) بل لم يخدم في الجيش أصلا، شخص بهذه الحدة و التطرف ، كيف ستكون قراراته وإدارته.

وكذلك فإن تعدد ولاءات الأجهزة الأمنية أمر غير صحي ، هذا يتبع لوزارة الدفاع ، وذاك يتبع الأمن الداخلي مباشرة، وثالث يتبع الشرطة. ألا يترك ذلك الفرصة مهيئة لإمكانية التعارض والتضارب، وربما لاحقا أكثر من ذلك مع وجود قادة متطرفين، لا يستخدمون الحكمة بقدر ما ينساقون للأيدلوجيا. 

أليس من الممكن أن يشكل الجهاز عنصر توتر في الوسط العربي في الداخل المحتل ، إن كان اختصاصه كما ذكرت بعض وسائل الاعلام - هو العرب الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 1948. 

هذا من ناحية ... ومن ناحية أخرى ألم يكلف هذا الاضطراب دولة الاحتلال المليارات من خلال التأثير المباشر وغير المباشر على السياحة والاستثمار وعموم الاقتصاد ؟ ألم يتم إقرار موازنة بأربعين مليار شيكل لإنشاء وتشكيل وتجهيز هذا الجهاز ؟ ألم تتخذ الحكومة قراراً في الايام الماضية باقتطاع 1.5% من موازنة جميع الوزارات، التي تم المصادقة عليها في الموازنة الأخيرة ، بما في ذلك وزارات التعليم والصحة والرفاه. 

خلاصة القول :

إن القرارات التي تخدم أي دولة هي تلك القرارات التي لا يراعى فيها إلا المصلحة العامة، أما أن تصبح القرارات لخدمة المصلحة الحزبية أو الشخصية ، أو أصبحت تتخذ تحت وطأة الابتزاز فإنها ستكون قرارات تضر بهذا الكيان ، ولا تراعي احتياجات هذه الدولة وما ينفعها.. 

 

هذا هو حال قرارات حكومة الاحتلال الاسرائيلي، التي تقوم على تبادل مصالح حزبية، وتقاسم كعكة ، وانقاذ الاشخاص ، وابتزاز رأس الحكم .