" آمال و آلام المواطن العربي "
تغيرات جمة و تطورات عديدة دخلت جغرافية الوطن العربي منذ ما يزيد عن عقد من الزمن , سقطت أنظمة بما تحمل من تاريخ عريض داخل أروقة الحكم و غرف السياسة , و أنشئت أنظمة جديدة لا تزال في طور الولادة و التكوين , إذ هي تتهجَّى حروف الحكم و السلطة و القدرة على صناعة القرار العربي الأشم .
ترسبات الاستعمار لا زالت عالقة بين جدران المدن على امتداد مساحة الوطن العربي , و هي تئن من وجع الوخزات العدوانية التي تتشكل حسب مقتضى الحال و ترعى كل الأصوات الصاخبة التي تنادي بقبول الآخر و المعايشة معه .
إنَّ الحلم العربي بات بعيد المنال , الحلم الذي تغنت به الموسيقى العربية على وقع الألم الذي حلَّ بأرضها و شعوبها المقهورة من وطأة الغربان الذين زرعوا أهدافهم و مصالحهم في أرجاء الوطن العربي منذ القدم , و لا يتراجعون عن تقزيم الدور العربي في بناء الحضارة و رقي الأمم عبر التاريخ , فهم يسخِّرون كلَّ إمكانياتهم لتشبّث بما يحقق مصالحهم , و يستخدمون شتى أنواع الطرق و الأساليب , لترويض الفكر العربي ليتلاءم مع طموحاتهم و عقائدهم الاستعمارية سواء السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية أو غير ذلك من قطاعات تعد أفضل الوسائل للاستعمار , لتسهل له السيطرة و التغول و التغلغل في العقل العربي الذي لا زال يلهث وراء لقمة عيشه .
في حين نجد الواقع العربي الذي لا يخفى على أحد , تشتت , و فرقة , و نزاعات , و خلافات حادة , و فساد أنظمة , و رجعية العقل المستبد الذي يرى في نفسه سيد البلاد و حاميها , و معاناة الشعوب , و قهر الفقراء البسطاء الذين لا يجدون ما يسد حاجاتهم الأساسية في حياتهم الخاصة , أحزاب متنازعة , يحكمها الفكر الطامع إلى سدة الحكم , فيؤسس القاعدة الشعبية التي ستكون سنده في أول فرصة للانقضاض إلى ما يصبو إليه , و يعمل على تفتيت كل القوى التي يمكن أن تعمل لبناء الوطن السليم بعيدة عنه أو بمشاركته كجزء من منظومة داخل البلد الواحد أو داخل الوطن الواحد , و بالتالي يبقى التضاد متوارثا من جيل إلى آخر , و من حزب إلى آخر , و من نظام إلى آخر , لا يوجد النظام العربي الذي يبني من النقطة التي انتهى إليها غيره بل ينحِّي كل الإنجازات السابقة , و يسعى لتكوين أيقونته الخاصة به و لو اعتمد على ما يصدِّره إليه الاستعمار , ليقوى بيد الأجنبي و يفرض سيطرته على أبناء جلدته و تدور حلبة الصراع كما نشاهدها في كل أقطار الوطن العربي ,
حرب دائرة و طاحنة لإقصاء الآخر و الاستحواذ على خيرات الوطن و أخذ ما ينتجه الفقراء و الشعوب المقهورة , لتبقى عصا حكمه طائلة و قوية و على حساب ظلم الآخرين و اضطهاد الشعوب التي لا تملك إلا الانصياع لسياسة الدولة الواقعة و إلا سيحدث الصدام و الاقتتال و تملأ السجون بمن يطالبون بأبسط حقوقهم الإنسانية .
تذوق الشعوب العربية ويلات الحروب الخارجية و تعيش تحت وطأة النزاعات الداخلية و التقلبات السياسية , لتبقى تنظر إلى الأمل المجنَّح أوقات الصباح عسى أن يحقق لها أمنياتها و طموحاتها في الحرية و النصر , لتتمكن من العيش الكريم الذي يحفظ لها كرامتها و عزتها , و تجد نفسها ضمن حلقة البناء الحضاري لا أن تبقى في أدنى السلم , حيث الجهل , و التبعية , و الطبقات الفاسدة المستبدة , و الرجعية , و الصراع الاجتماعي , و التنازع الطبقي , و مظاهر الاستقواء على الضعفاء الذين لا يجدون حقوقهم حتى عبر قنوات القانون , فيلجؤون إلى الصمت المطبق لسنوات و سنوات عسى الله أن يغيِّر الحال و تدور لهم الدوائر و تُحقق لهم الأمنيات و تُداوى جراحاتهم العميقة .
إنَّ الوقائع بكل مسمياتها , سواء السياسية أو الاجتماعية أو الإدارية و غير ذلك في حياة المواطن العربي لا تسرُّ أحد و لا حال , لذا يطلب من الجميع سواء على المستوى الشخصي أو الرسمي أو المؤسساتي , يطلب أيضا من الأفراد و الأسر و الجماعات أن يقفوا جميعا عند مسؤولياتهم تجاه البلد الذي يعيشون فيه و يسكن فيهم , ليتكاتف الجهد الجمعي و ترسو الأعمال الخيرية بين أجزاء الوطن و يعمّ النجاح و التقدم و ينتشر العدل و المساواة و يسود النظام و القانون الذي يتساوى في ظله الجميع , الراعي و الرعية , الحاكم و المسؤول , الأب و الابن , التاجر و أصحاب الحرف الأخرى , فيعمل كلُّ بجهده و بإمكانياته , ليتضافر المجهود و ينقسم العمل , و يتقاسم الكل العناء و التعب و العمل .
بناء لذلك ستظهر مظاهر التعاون و الإيثار بين الشعوب من جهة و داخل أروقة الحكومات من جهة أخرى , فلديهم الكثير من مقومات الاتفاق و الوحدة , اللغة الواحدة , و الدين الواحد , و القيم و العادات و التقاليد المتقاربة , و المعاناة واحدة , و الطموحات واحدة , و الآمال واحدة , و يستعمرنا عدو واحد , إذ يهدف إلى القضاء على القيم العربية و وحدة المصير العربي الذي يحتاجه الفرد بقدر حاجة المسؤول العربي إليه .
فالآمال يجب أن تكون واحدة , و تقف في وجه الغرباء الذين لا يألون جهداً في تفتيت شملنا و زعزعة قوتنا , ليسهل السيطرة على البلاد العربية , و التوغل فيها بقدر ما تملك من خيرات لأنظمة الاستعمار العالمية , و التي لا فرق بينها , و إنَّما يختلف الأسلوب الذي تتبعه كل دولة حسبما تراه مناسبا للولوج في الأرض العربية التي تراها جزءا مناسبا لها و من خلالها تحقق سياستها العدوانية .
فحري بالشعوب العربية أن تأخذ دورها الريادي و الطليعي في الدفاع عن أوطانها , و لا تبقى أسيرة الذوات و المصالح المرتبطة مع هذا المسؤول أو تلك الجماعة , التي لا تدرك حجم ما ألمَّ بالوطن العربي قاطبة .
و كذلك على الأنظمة أن تكون حريصة على إنجازات البلاد و تعمل على حمايتها و تطويرها , حتى تنسجم مع أهداف الشعوب و تتكاتف الهمم , و تُذلل الصعاب من أجل الوصول إلى ما يحتاجه الفرد العربي , حيث الأمن و السلام و الحياة الكريمة الخالية من الفساد و المحسوبية , و نكون قادرين على خلق الأجيال القادرة على مواكبة التطور الحضاري , و التسارع في بناء البلاد بما يناسب المستقبل القادم , لتحيا الأمم مستقبلها الخالي من الاستعمار و المبني على التسامح و العدل و المساواة و القيم النبيلة , و ينتشر الهدوء و الأمن و السلام بين أقطار الوطن الواحد , و تبان مظاهر الانسجام و التعاضد و المحبة و الوئام بين الشعوب و الجماعات بكل مسمياتها و على اختلاف أشكالها و تعدد موارده الفكرية و العقائدية .
11- 7- 2023 م , الثلاثاء , 10:07 , مساء