المدخل القانوني والتنمية
بقلم ثامر عبد الغني سباعنه – فلسطين
المدخل القانوني من المداخل والاسباب المهم دراستها والاستناد لها عند تناول موضوع التنمية، فبالعودة الى تاريخ السياسة بشكل عام نجد ان الاسس القانونية كانت القاعده او المدخل الاساسي لعلم السياسة خاصة عند بناء الدولة وبناء المؤسسات وشكل هذه المؤسسات، وكانت المنطلق لعلم السياسة وما بُني عليه وبالتالي هناك ارتباط مهم بين دولة القانون والتنمية.
القانون هو مجموعة من المبادئ واللوائح التي فُرضت من قِبل السُلطة، وتُطبق على شعبها، وتُنفذ بموجب قرار قضائيّ، سواء كانت على شكل تشريعات، أو سياسات، أو عادات مُعترف بها، كما يمكن اعتبارُه قاعدة أو مجموعة من القواعد المفروضة على المجتمع تحت سلطة الدولة أو الأمة، والقابلة للتنفيذ من قبل المحاكم، وتُشرّع هذه القوانين لفرض قواعد تحكم المجتمع والعلاقات بين الأفراد، وهو الحيز المطلوب لتنظيم العلاقة بين المواطن والنظام ، وبين المؤسسات المختلفه ، كذلك بين المؤسسات ونظام الحكم ، والمؤسسات الخاصة وغيره، لذا لابد من وجود قانون يُنظم ويُؤطر هذه العلاقات .
يوضح القانون أيضاً آلية التّعامل مع الجرائم، والاتفاقات، والعلاقات المجتمعية، ويمكن أن يشير القانون إلى القانون الجنائيّ، أو قانون الشركات، وهو يعتبر أحد قواعد النظام في أي مجتمع، ويعد بمثابة نظام يستخدم للتحكم والسيطرة على النشاطات المتبعة في أي منظمة، كما يمكن اعتباره كقاعدة للسلوكات الجيدة والمرغوبة في المجتمع، وهو يعتبر عملية طبيعية لها مدخلات وهي الأحداث ولها مخرجات وهي النتائج.
كما للقانون دور هام في موضوع الخيار او البيئة الاقتصادية والتشريعيه في البلاد، وسبل ادارتها والتعامل معها وتنظيمها، لذا فالبٌنية القانونية او المدخل القانوني شرط اساسي من شروط حدوث التنمية ، لكن لابد من وجود عوامل اخرى مهمة منها:
اولا – البيئة الدولية :
عامل خارجي لكنه له اهمية ودور حساس في موضوع احداث التنمية، فلا يمكن اغفال حال النظام الدولي والبيئة المحيطه وشكل العلاقات بين دول العالم ، والقوى الدولية المؤثرة بالبيئة الدولية، وشكل علاقة دول العالم الثالث بهذه القوى، كذلك شكل الاقتصاد السائد في البيئة الدولية والمدعوم من القوى الدولية.
لابد من دراسة مصالح القوى الدولية ونظرتها للعالم الثالث وعدم قبولها حدوث تنمية حقيقية ذات اثر.
ثانيا- خيارات الاقتصاد المتبنى:
السياسة الاقتصادية المتبعه في اي نظام لا بد ان تُحدث مجموعة من التغيرات التي ستطال حتى بُناه الاجتماعية وعلاقات افراده وبُنية المجتمع، وستجد في داخل المجتمع جماعات وقوى رافضه لهذا التغيير او هذا الشكل من اشكال الاقتصاد.
في إعلان الاجتماع الرفيع المستوى المعني بسيادة القانون، أشارت الدول الأعضاء إلى أن “سيادة القانون والتنمية أمران مترابطان بشكل وثيق ويعزز كل منهما الآخر، وأن النهوض بسيادة القانون على الصعيدين الوطني والدولي أمر أساسي لتحقيق النمو الاقتصادي المطرد الشامل للجميع، والتنمية المستدامة، والقضاء على الفقر والجوع وإعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية على نحو تام، بما في ذلك الحق في التنمية، وهي أمور تعزز بدورها سيادة القانون”. ولذلك دعت إلى النظر في هذا الترابط في إطار خطة التنمية الدولية بعد عام 2015. وعلى الصعيد الدولي، تضع مجموعة الصكوك الدولية، بما فيها تلك المتعلقة بالتجارة الدولية والتمويل، وتغير المناخ وحماية البيئة والحق في التنمية، المعايير المتفق عليها دوليا التي تدعم التنمية المستدامة.
إن شكل الاقتصاد السياسي في الدولة مؤثر وله دوره في شكل التنمية المتوقعه في الدولة،فتبني أي شكل من أشكال الاقتصاد يجر معه سلسلة من التغييرات في بُنى الدوله وقراراتها وقوانينها لتخدم هذا الشكل الاقتصادي المُتبنى ، وسيتم تحويل مقدرات وموارد الدولة نحو هذا الشكل الاقتصادي .
إن تعزيز حكم القانون وترسيخ حقوق الإنسان أمرين هامين لهذا الإجراء، وأيضاً تقليل تدفق الأسلحة بطريقة شرعية وتعزيز مشاركة الدول النامية في مؤسسات الحوكمة العالمية. وسوف تواصل أهداف التنمية المستدامة الكفاح ضد الفقر المدقع، ولكنها تضيف التحديات المتمثلة في ضمان تنمية أكثر عدالة والاستدامة البيئية، وخاصة الهدف الرئيسي المتمثل في الحد من مخاطر تغير المناخ الناتج عن أنشطة بشرية.
على الصعيد الوطني، تُعد سيادة القانون أمرا ضروريا لتهيئة بيئة ملائمة لتوفير سُبل العيش المستدامة والقضاء على الفقر. وغالبا ما ينبع الفقر من عدم التمكين والإقصاء والتمييز. وتعزز سيادة القانون التنمية من خلال تعزيز أصوات الأفراد والمجتمعات، عن طريق إتاحة سُبل الاحتكام إلى القضاء، وضمان اتباع الإجراءات القانونية الواجبة وترسيخ سُبل الانتصاف فيما يتعلق بانتهاك الحقوق. ومن شأن تأمين سُبل المعيشة والمأوى والحيازة والعقود أن يمكِّن الفقراء ويجعل في استطاعتهم الدفاع عن أنفسهم في حال وقوع أي انتهاكات لحقوقهم. ولا يقتصر التمكين القانوني على توفير سُبل الانتصاف القانونية بل يدعم تحسين الفرص الاقتصادية.
إن المدخل القانوني شرط مهم من شروط إحداث التنمية مع عدم اغفال باقس السياقات ، مع ملاحظة ان القانون قد يكون معيق من معيقات التنمية وليس عامل مساعد، وقد يكون هنالك قانون مناسب وسليم لكن لا يوجد تطبيق وتفعيل لهذا القانون ومجرد حبر على ورق، إن وجود تشريعات جيدة في أي دولة لا يكفي في حد ذاته، لقيام دولة القانون وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وأن سيادة القانون تعني الالتزام بتطبيقه على الجميع دون استثناء، بالإضافة إلى العدالة الناجزة التي من شأنها تحقيق الردع الكافي للالتزام بإنفاذ القانون وخلق بيئة يسودها الاطمئنان والثقة والاستقرار اللازم لتشجيع الاستثمار وتحقيق التنمية، كذلك قد يكون القانون قانون تابع للنظام وُجد لخدمة وحماية هذا النظام وبالتالي سيكون عدوا للتنمية والحريات.
ان التطورات التي حفل بها العالم في السنوات الأخيرة بشكل متسارع وغير مسبوق في شتّى المجالات والحقوق وحركة رؤوس الأموال بين مختلف الدول قد أدّى إلى تغييرات جذرية في جميع مناحي الحياة اقتصادية وغير اقتصاديه واجتماعية وغير اجتماعية مما أدّى إلى ظهور وبروز ميادين جديدة تحتاج إلى تنظيم وكذلك ظهور أنواع جديدة من الجرائم وميادين جديدة لهذه الجرائم،
كل ذلك وضع أمام المشرّع الدولي والوطني مهمات جديدة بابتكار أطر وآليات قانونية جديدة لحماية الأطراف المنخرطة في دورة هذه التطوّرات الاقتصادية والاجتماعية ومحورها الإنسان أكان فاعلاً كرجال الأعمال أم كان متفاعلاً كالمستهلك
وهذا الأخير هو الطرف الذي يعتبر الأضعف في هذه الحلقة لذلك كان على المشرّع وطنياً أم دولياً أن يواكب هذه التغييرات سعياً إلى المواءمة مع متطلّبات تحقيق النمو للأفراد والمجتمع وتشجيع المنافسة وجذب الاستثمارات وحماية المستهلك والحفاظ على حقوق الإنسان، من هنا الحاجة ملحّة وضرورية لابتداع تلك الأطر والآليات القانونية وتطوير القوانين الحمائية لتكون مرتكزاً لعملية تنمية شاملة، بالنظر لما تلعبه هذه القوانين من دور في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأي مجتمع متقدّم أو نامٍ أو أقلّ نمواً، لأنه لا يمكن لأي مجتمع أو دولة أن تقوم بعملية إصلاح وتنمية شاملة دون وضع أطر قانونية تتناسب وتواءم مع حاجات الأفراد والمؤسسات المحلية والدولية.
يُعد ضمان سيادة القانون في استغلال الموارد الطبيعية عاملا أساسيا في ضمان النمو الاقتصادي الشامل والمستدام والتنمية وفي احترام وحماية وإعمال حقوق الإنسان للأفراد. ويمكن أن تكون الموارد الطبيعية التي تُدار بشكل مستدام وشفاف محركا للرفاه الاقتصادي وأساسا للاستقرار والسلام في المجتمعات. وتستلزم الموارد، مثل الموارد المائية العابرة للحدود، درجة عالية من التعاون بين البلدان المشاطئة وأطرا قانونية مناسبة لدعم الإدارة المستدامة. والإدارة السليمة للموارد الطبيعية، وفقا لسيادة القانون، هي أيضا عامل رئيسي في تحقيق السلام والأمن، يبرز الترابط بين الركائز الثلاث لمنظومة الأمم المتحدة. ويزداد خطر نشوب نزاع عنيف عندما يسبب استغلال الموارد الطبيعية أضرارا بيئية وفقدانا لسُبل المعيشة، أو عندما توزّع الفوائد على نحو غير متكافئ. وتحقيقا لهذه الغاية، يُمكن أن يتسم ضمان مساءلة القطاع الخاص عن أنشطته، فضلا عن دعم القطاع الخاص لتوطيد سيادة القانون، بأهمية بالغة.