حالة المقاومة في شمال الضفة وآفاق تطورها

تبدو حالة المقاومة للاحتلال الصهيوني المتركزة في شمال الضفة الغربية ( كتيبة جنين وعرين الاسود)، وتحديدا في مخيم جنين ومدينة نابلس مرشحة للاستمرار رغم صعوبة ما تواجهه من ظروف ميدانية وسياسية، تشهد الضفة الغربية ارتفاعا ملحوظا في أعمال المقاومة الفلسطينية بجميع أشكالها، فخلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي شهدت الضفة المحتلة 833 عملا مقاوما؛ تنوعت بين إلقاء الحجارة والطعن أو محاولة الطعن والدعس بالسيارات وإطلاق النار وزرع أو إلقاء العبوات الناسفة، وأدت لمقتل ضابط إسرائيلي وإصابة 49 آخرين بعضهم بجراح خطرة، حسب مركز المعلومات الفلسطيني "معطى".

وتصاعدت عمليات الاشتباك المسلح مع قوات الاحتلال، حيث بلغت عمليات إطلاق النار على أهداف تابعة للاحتلال 75 عملية، منها 30 عملية في جنين و28 في نابلس.[1]

السياق العام لهذه المقاومة

لم يتوقف الشعب الفلسطيني منذ عشرينيات القرن الماضي عن مقاومة الاحتلال الصهيوني ابدا، وقد جاءت مقاومة الشعب الفلسطيني على الاغلب على شكل هبات متتابعة، ما تنتهي هبة حتى تتبعها اخرى. ومنذ نهاية انتفاضة الاقصى 2004 والاحتلال الصهيوني يشن العدوان تلو الاخر على الفلسطينين الذين واجهوا عدوانه بشتى وسائل المقاومة والتصدي، حيث شهدنا شكل اندلاع مسيرات العودة، وهبات القدس المتكررة من أجل الدفاع عن الهوية الفلسطينية العربية للقدس وحماية المقدسات، خصوصًا المسجد الأقصى، كما شهدنا موجات الدفاع عن الأرض والممتلكات والشجر والحجر في مواجهة الاحتلال والمستوطنين المسلحين من نعلين وبلعين إلى بيتا وكفر قدوم والنبي صالح وبيت دجن وغيرها الكثير، وإلى اندلاع موجة انتفاضة السكاكين، التي استمرت أكثر من عام.

لقد أخذت المقاومة شكل الموجات والهبات، ولم تتحول إلى انتفاضة شاملة، مع أن أحداثًا أقل مما حصل خلال الأعوام السابقة، وتحديدًا العام الحالي، كانت تؤدي إلى انتفاضة، لا سيما في ظل المضي بتنفيذ مخطط التقسيم الزماني والمكاني للأقصى تمهيدًا لشرعنته، ذلك على غرار ما حصل في الحرم الإبراهيمي في الخليل[2].

ولا يمكن تفسير عدم تحول الموجات ولا الرد على العدوان العسكري المتكرر على قطاع غزة إلى انتفاضات من دون رؤية تأثير غياب المؤسسة الوطنية الجامعة والإستراتيجيات الموحدة والقيادة الواحدة، جراء وقوع الانقسام وتنازع السلطتين على التمثيل والمصالح والمكاسب واستمراره وتعمقه؛ حيث استنزف الطاقات الفلسطينية في صراع داخلي، وهذا يجعل طابع المقاومة فرديًا ومحليًا وموسميًا، ويغلب عليها ردود الأفعال، ومن الصعب إذا استمر الحال على هذا المنوال أن تحقق انتصارات حاسمة[3].

 

أسباب تطور حالة المقاومة في الشمال

 

وصول حالة الاحباط لدى الجماهير عموما ولدى الجيل الشاب خاصة، بما في ذلك جزء كبير من كوادر حركة فتح، وصولها الى مستويات غير مسبوقة في ظل انعدام الفرص امام أي مسار سياسي وانحصار دور السلطة واجهزتها في الجانب الاقتصادي والامني، وبصورة اوضح بالقيام بمهام ادارية وأمنية نيابة عن الاحنلال.

ارتفاع وازدياد وتيرة العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني وممارسة كل أشكال التعدي على الحياة الفلسطينية سواء بالاقتحامات والاعتقالات أو مصادرة الاراضي والممتلكات أو بقتل الفلسطيني بشكل شبه يومي، عدا عن اطلاق العنان لعصابات المستوطنين لتعيث فسادا في انحاء الضفة الغربية.

ارتفاع معنويات المقاومة الفلسطينية منذ معركة سيف القدس وحالة التصدي التي يخوضها الشعب الفلسطيني، رغم قلة الامكانات والداعمين في الاقصى وفي نقاط الاحتكاك مع المشروع الاستيطاني في انحاء الضفة الغربية، الى جانب انتصار الاسرى في معركة التصدي لسلطة سجون الاحتلال بعد نفق الحرية وتراجع سلطة السجون الصهيونية أمام وحدة وصمود الاسرى في وجه الهجمة البربرية من مصلحة السجون .

 

سيناريوهات تطور الحالة 

عدة سيناريوهات ممكن أن نتوقعها لتطور الحالة

اولا: استمرار الحالة لفترة قصيرة

ممكن أن تستمر هذه الحالة المقاومة لفترة زمنية ليست بالطويلة في ظل غياب حاضنة سياسية وفكرية وقيادية لها، وفي ظل عدم تحولها الى حالة عامة تندمج فيها كل قوى المقاومة، وفي ظل معارضة السلطة لها وان بالخفاء ومحاولتها وئدها من خلال فكفكتها بالعروض المغرية لبعض عناصر تلك الحالة سواء بالانضمام الى الاجهزة الامنية والحصول على عفو من اسرائيل، أو من خلال التعاون مع الاحتلال استخباريا وصولا الى انهائها.

 

ثانياً : تطور الحالة الى مواجهة شاملة مع الاحتلال

الاحتمال الاخر هو أن تتطور هذه الحالة في ظل التفاف جماهيري كبير حولها، حتى الان، وانتقالها الى مناطق اخرى في الضفة الغربية لتشكل حالة مواجهه شاملة مع الاحتلال ومستوطنيه تقود الى ربما الى انتفاضة عامة تنهي حالة اللاحرب واللاسلم في الساحة الفلسطينية ويتم عندها دخول قطاع عزة على خط المواجهة مباشرة مع الاحتلال.

 

ثالثاً : تطور هذا الشكل المقاوم لفترة زمنية طويلة

قد تجد السلطة في هذه الحالة مخرج لها من التبعية للاحتلال وفرصة في تغيير نمط العلاقة معه في ظل سطوة اليمين المتطرف الذي يريد من السلطة الفلسطينية ان تكون ذراعا امنيا له تنوب عنه في حمل اعباء احتلاله، هذا الخيار ينطوي على مخاطرة من السلطة قد تقود الى انخراط افراد من الاجهزة الامنية في صفوف المقاومة، وهذا قد يعطي الاحتلال ذريعة الى ممارسة المزيد من اجراءات عدوانه واستيطانه.

 

لاشك أن ظاهرة المقاومة هذه قد أسهمت في اعادة الحيوية للقضية الفلسطينية وربما تسهم في استعادة الوحدة الفلسطينية المفقودة منذ زمن. وهي قابلة للتمدد والانتشار خاصة في ظل غياب أي افق لحلول سياسية يرافقه توحش في العدوان على الفلسطينيين وهي ان لم تحقق الانتصار على العدو الصهيوني فهي الاقل اسهمت وتسهم في الابقاء على حالة الرفض الفلسطيني للاحتلال وممارساته كما انها تجعل من الاحتلال دون كلفة امرا غير ممكن في القاموس الفلسطيني.

 



[3] نفس المصدر السابق