أعينوا أولادكم على بِرَكم !
جرى حديث أمامي لشخص يتحدث فيه عن طموحه في تحقيق مشروع خاص به، الا أن لديه مشكلة تتجسد في أهله و تحديداً في والدَيه، حيث لم يوافقا على ما يريد نتيجة توقعاتهم السلبية للخطط التي يرسمها و خوفهم المبالغ فيه عن الحالة التي سوف ينتهي عليها حال فشل المشروع.
أكمل قائلاً دائماً يريد الوالدان من حرصهم الشديد و حبهم الزائد مساعدة أبنائهم على تمهيد الطريق و تذليل العقبات لأبنائهم من أجل مستقبلٍ مزدهر ، لكن للأسف هُم لا يعلمون أنهم غالباً ما يكونون العقبة الحقيقية أمام الشباب و طموحاتهم.
الشاب يكون في مجابهة مع الدنيا التي تُهَشّمُهُ و الأسرة التي تهمّشه، و غالباً تكون النتيجة أنه يفشل في مشاريعه لتعدد الجبهات و العقبات في وجهه.
لا يوجد إنسان عاقل سوي ينكر حَق الوالدين على أبنائهم بالطاعة شبه المطلقة، لكن الا يوجد لهذه الطاعة حدود، حيث يحافظ المرء على كيانه و تجاربه الفردية؟؟ لكل إنسان الحَق الكامل في خوض تجاربه و التعامل مع إنقلاب الايام عليه في حدود المُباح، هذا هو سبيل النضوج و التحول الإيجابي من كينونة الى كينونة اخرى على مستوى الشخصية الداخلي. الكثير مِن الأشخاص يتعلمون أسمى القيم و أجل المعاني و يصلون إلى أعلى القمم بناء على تجارب شخصية خاضوها و اخذتهم بالرفع والخفض و الشد الجذب، و خرجوا منها شخصيات جديدة تستحق التقدير و الاحترام على ما آلت إليه.
يتردد دائماً على ألسنةِ الناجحين، لولا التجارب التي خضناها لما وصلنا الى ما نحنُ عليه الآن. تخيل لو أنّ والديهِم كانوا يمنعونهم مِن الخوض في غمار التجارب بسبب الحرص و الخوف غير المبرر، هل ستجدهم يتحدثون عن نجاحاتهم في المستقبل؟؟ لا ينبغي للوالدين تحت أي حجة كانت من باب الخوف او الحرص الوقوف في طريق الأبناء نحو طموحاتهم إن كان الطريق لا يتعارض مع الدين. انا متيقن أنّ الأب و الأم يريدون الأفضل لأبنائهم، لكن يجب أَن يعلموا أن الأفضل بالنسبة للإبن يأتي مِن خلاصة و عصارة تجاربه. من خلال الحديث مع كثير مِن الأشخاص، أجد أغلب الأشخ يفتخرون باختياراتهم و تجاربهم حتى لو كانت فاشلة وفقاً لمعايير الناس، الا انها كانت ناجحة على المستوى الشخصي لِما أَضفت مِن لمسات جميلة على شخصياتهم.
لا أريد أن يُفهَم مِن المقال أنني أتمرد و اخرج عن عباءة الوالدين. الله سبحانه وتعالى حفظ حق الوالدين في كتابه العزيز و قَرنَ عدم الاشراك بالله بالإحسان الى الوالدين لعظيم فضلهم و سمو منزلتهم عند الإنسان.
قال تعالى:
((قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)) سورة الأنعام
الله سبحانه وتعالى يحب الإنسان و هذا واضح في تكريمه له و اختياره لحمل امانته على حساب كل الخلائق كلها، و يحب الله سبحانه وتعالى للعبد الايمان و يكره له الكفر و العصيان، و مع هذا فالله سبحانه اعطى الإنسان الحرية المطلقة لِأَن يختار بين الكفر و الايمان حتى لا يحرمه من حرية الإختيار و يرفع عنه حجة الإجبار.
يصيبني الحزن و الأسى مِن رؤية أهم محطات الحياة ( زواج / علم / عمل ) لدى الإنسان قائمة على اختيار والديه، و يدفعني أن اقول في قرارة نفسي أين سحر التجربة و اين حرية التكليف و الاختيار؟؟؟ اريد أن اختم بالمفكر الامريكي الان واتس والذي تحدث عن الحب الزائد و خطره على الحياة من خلال اخباره عن قصة فتاه صغيرة اُهدِيَت ارنباً، كانت الطفلة تحب الأرنب بشكل جنوني لدرجة أنها كانت دائماً تبقيه بين يديها، و يوم مِن الايام احتضنت الارنب و عصرته بين يديها الى أَن ماتَ خنقاً.
اذا كان الأب يريد أن يبرّه ابنه، فعليه إعانة الابن على هذا البر. الإنسان مجبول على الحرية و هذه صبغة مِن الخالق، و الإنسان على استعداد أن يتمرد على العالم إن شعرَ بوجود تهديد على هذه الحرية..