هل وجدتم هيكل سليمان في مخيم جنين؟!

عدة عقود من الزمن وأنتم تبحثون عن هيكلكم المزعوم في القدس وحول المسجد الأقصى بالتحديد، وبعد أن أعياكم البحث توجّهتم شمالا وجنوبا غيرحاسبين حسابا لنسبة الخطأ التي قد تحويها أساطيركم،  أخيرا جئتم بجرافاتكم العملاقة وبتغطية جويّة رهيبة ، جئتم بقضّ جيشكم وقضيضه، رصدتم وحلّلتم معلوماتهم الاستخباريّة وإشارات حاخاماتكم التلمودية، بنيتم عليها خطة الهجوم والتنقيب وقلب سافل الأرض عاليها، المعلومات الدقيقة تقول باّن الهيكل قد تمّ تهريبه من القدس الى مخيم جنين، وأنه موجود هناك بجلالة قدره وعظيم هيبته، هكذا حدّدت لكم عقولكم السوداء فغيّرت وجهة البحث والتنقيب الى هذه البقعة الصغيرة المكتظّة السكان من الحشرات والافاعي والصراصير! هناك حيث ما سمّى مخيم جنين الذي يعيش متطفّلا على دولتكم العملاقة العظيمة صاحبة السطوة والقوّة والهيلمان.

بدأت جرافاتكم العملاقة بجرف شوارع المخيّم وأرخت آذان حاخاماتكم تتلمّس صوتا يخرج ناشزا عن هدير جرافاتهكم علّه صوت التاريخ القديم يعلن عن اكتشاف الهيكل، كلّت آذانكم دون أن تسمع شيئا لكن أصواتا كثيرة خرجت دون أن تتمكّن آذانكم من التقاطها لانها آذان صمّاء لا تعانق الحقائق ولأن قلوبكم غلف كما قلتم عنها في قديم الزمان، لا تفقه ما تسمع.

-      لم يجدوا هيكلهم بل وجدوا ذاكرة المخيم التي قالت لهم بلسان فصيح: نحن الذاكرة الخالدة على هذه الأرض، وأنت مارقون عابرون ظالمون سارقون، أجرمتم كثيرا وارتوت بطونكم من دمائنا حتى الثمالة، ذاكرة المخيم أنتم صنعتموها بإجرامكم المرّ اللئيم، ذاكرة المخيم قامت على أكباد أناس هُجّروا من مدنهم وقراهم وطردوا شرّ طردة باستخدام أقسى أنواع الاجرام من مجازر وحرائق وتدمير، جاءونا بروح عدوانية مدرّبة ومجهّزة ومعبأة تعبة سوداء لممارسة التطهير العرقي ولطرد أهل فلسطين السالمين الوادعين الامنين من وطنهم الجميل، ذاكرة المخيم لم تنس طينتكم الاجرامية والروح الحاقدة التي تلبّستكم تلك الأيام وما زالت، حفرتم شوارع المخيم فلم تجدوا الهيكل المزعوم بل وجدتم ذاكرة مخيم لتصفعكم وتعيد الصورة السوداء الى بداياتها المرعبة وصورتها الاجرامية على ما هي عليه دون أيّ تغيير أو تحريف.

-      لم يجدوا هيكلهم بل وجدوا فتية يرفعون راية القضية الفلسطينية على أصولها، يعشقون الموت العزيز ويفضلونه ألف مرّة على حياة يشوبها ذلّ الاحتلال، خرجوا لهم من تحت الرماد كالعنقاء، أوقفوا تمدّدهم وقارعوهم بما لديهم من قوّة لا تذكر بالنسبة لقوّة جيشهم، ومع هذا أخرجوهم من المخيّم مذمومين مدحورين، عرّوهم أمام العالم وأثبتوا أن فتية من هذا القبيل لا بدّ وأن يكونوا أصحاب قضية عادلة، هؤلاء الفتية بصمودهم الأسطوري أعادوا القضيّة الى مربّعها الاوّل ، أصحاب وطن سلب منهم لا بدّ من العودة اليه مع كامل الحقوق، وكلّ ما سوى ذلك من محاولات تسوية على حساب القضية الأساس واعتبارا لاختلال القوى بين الظالم والمظلوم ما هو الا هراء ومضيعة للوقت.

-      لم يجدوا هيكلهم بل وجدوا فشلهم وضياع شرعيتهم على هذه الأرض، وجدوا بما رأوا من صلابة وبأس أن لا مستقبل لهم على هذه الأرض، عاجلا أم آجلا هم الى زوال، فإذا أعجزهم مخيم نصف كيلو متر مربّع فأين يذهبون إن تعمّم هذا النموذج الفذّ على ربوع الوطن كافّة؟ ستبقى حروبهم في هذا المخيم وصمة عار تلاحقهم وتقضّ مضاجع قلوبهم السوداء.

-      لم يجدوا هيكلهم بل وجدوا أطفالا في حالة من الهلع والرعب، تلفّهم نيران أسلحتهم الحديثة وتصخّ آذانهم وقلوبهم أصوات أسلحة الدمار المرعبة، وجدوا هناك بدل الهيكل المزعوم نازيّتهم، وجدوا أنفسهم وجها لوجه أمام أفران الغاز التي استخدمها الالمان ضدّهم، وجدوا آلتهم العسكرية المدمّرة أرضا وسماءا قد شكّلت فرن غاز نازيّ بامتياز، الأطفال والنساء والبائسين من حياة المخيم القاسية وجدوا أنفسهم وقد احتواهم فرن غاز صهيونيّ جاءوا به إلى هذا المخيّم مرّتين، مرة سنة 2002 والمرّة الثانية سنة 2023.

أيها الباحثون عن هيكل سليمان؟ لم يكن سليمان مجرما بل كان نبيّا، لم يكن ليقيم هيكله على جماجم الأطفال والنساء، لم يكن الا حامل رسالة السماء حيث العدل والحريّة وكرامة الانسان، سليمان عليه السلام بريء منكم ومن أفعالكم، مخيم جنين أظهركم على حقيقتكم أنتم مشروع استعماريّ حاقد لا يعرف إلا لغة الاجرام والقتل والقهر والعدوان.

سليمان عليه السلام بريء منكم ومما تجرمون.

 

كتبها : وليد الهودلي