قانون حماية الأسرة

تعديلات شكلية لذَرِّ الرماد في العيون

في كل مرة يتحرك فيها الشارع الفلسطيني ضد ما يُسمى "قانون حماية الأسرة" يخشى المطالبون بإقرار القانون من ردات فعل أكبر، لكن هذه الخشية لا تَحُول بينهم وبين استمرار مساعيهم الحثيثة الدؤوبة باتجاه إقراره؛ لارتباط تنفيذه بالمساعدات الخارجية.

وما بين مطرقة المساعدات الخارجية، وسندان الرفض الشعبي، تلجأ الجهات المُنتفعة من تطبيق القانون إلى حلول ترقيعية، هي أقرب إلى المُسَكِّنَات المؤقتة؛ مرةً بتأجيل إقرار القانون إلى حين، ومرة بالعمل على تسريب بعض مبادئه بالخفاء من خلال التغيير في المناهج الدراسية، وباستخدام الفعاليات غير الرسمية، ومرة بإجراء تعديلات شكلية على القانون لا تمس جوهره، ولكنها تُذر الرماد في العيون، فتُخفف من حدة الضغط الشعبي المناهض للقانون.

وبإجراء مقارنة بين نسخة مشروع القانون الصادرة سنة 2021م، والنسخة المعدلة الصادرة سنة 2022م، نجد أنه تم حذف بعض المواد، فتم حذف تعريف جريمة التمييز من المادة رقم (1)، كما تم حذف المادة رقم (44) المتعلقة بجريمة التمييز، والتي يتضمن مفهومها منع الاعتراض على الميول الجنسية لدى أي من أفراد الأسرة مهما كانت، ولو كانت تنطوي على شذوذ جنسي، كذلك تم إجراء بعض التعديلات المتعلقة بالإجراءات التنفيذية.

إن مثل هذه التعديلات وغيرها –رغم دلالتها على تأثير الضغط الشعبي- إلا أنها لا تُغير شيئًا من جوهر قانون حماية الأسرة لسببين رئيسين:

السبب الأول:

أن قانون حماية الأسرة منبثق بالأساس عن قانون سيداو، فهو فرع من الشجرة نفسها، يحمل الجينات نفسها، والصفات الوراثية نفسها، ويصب في نهاية الأمر لخدمة المبدأ العام لاتفاقية سيداو، وهو مبدأ: القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، حتى لو كان تمييزًا على أساس الدين، كتلك الاختلافات التي تُقرها الشريعة الإسلامية، نحو: وجود عدة طلاق للمرأة دون الرجل، وإباحة تعدد الزوجات للرجل دون المرأة، وزيادة ميراث الرجل على ميراث المرأة في بعض الحالات، ووجوب موافقة ولي الأمر عند الزواج، فهذه الفروقات وغيرها تُعد في نظر اتفاقية سيداو وقانون حماية الأسرة من أشكال التمييز التي يجب العمل على إلغائها.

السبب الثاني: 

لأن واضع القانون –وإن أجرى بعض التعديلات الشكلية- فقد أبقى على مجموعة من المواد التي تمت صياغتها بطريقة فضفاضة تحوي ثغرات يمكن العبور منها لإقرار أمور تخالف الشريعة الإسلامية وتتعارض مع الأخلاق السوية، كما تفسح المجال لإجراء تغييرات جذرية على قانون الأحوال الشخصية، بل ستُفْضِي في النهاية إلى إلغاء قانون الأحوال الشخصية المُستمد من الشريعة الإسلامية، فمثلًا:

v جاء تعريف الأسرة في المادة رقم (1) بأنها: "أفراد العائلة الذين تجمع بينهم رابطة الدم أو المصاهرة...". فيُلاحظ أن واضع القانون تَعَمَّدَ أن يُغفل قيام الرابطة الأُسرية على عقد زواج شرعي، ثم في المادة رقم (4) يقول: "... تتكون الأُسرة من الزوج والزوجة بموجب عقد زواج رسمي..." وهنا يتعمد مرة أخرى إغفال عقد الزواج الشرعي، وتكمن خطورة استبدال "الزواج الشرعي" بـ "الزواج الرسمي" بأن كلمة "الزواج الشرعي" تمثل قيدًا يضمن عدم الاعتراف بالزواج المخالف لقوانين الشريعة الإسلامية، كزواج المسلم من الكافرة، وزواج المسلمة من غير المسلم، وزواج الشواذ جنسيًّا، وزواج الفتاة بغير إذن وليها، وجميع أشكال الزواج المدني المخالفة للشريعة، وحين يتم إلغاء كلمة "زواج شرعي" بكلمة "رسمي" فإن هذا يُشكل ثغرة يمكن العبور منها مستقبلًا لإقرار أشكال من الزواج غير الشرعي، بمجرد إضافة نص لاحق يسمح بإجراء عقد الزواج من خلال جهة قانونية بدل الجهة الشرعية، أي أن هذا القانون هو بمثابة خطوة تأسيسية لإلغاء نظام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية.

وإذا كان توضيح مثل هذه الثغرة الخطيرة يحتاج إلى تحليل وبيان، فثمة مواد أخرى في القانون جاءت صياغتها أقل خفاء من المثال السابق، وتمثل ثغرات يمكن العبور منها لتفكيك الأسرة لا لحمايتها، منها على سبيل المثال:

* المادة رقم (36) والتي تتحدث عن العنف الاقتصادي (المنع من العمل...)، والتي بموجبها لا يحق للأب ولا للأم منع أبنائهم من العمل بعد سن 18 سنة، ولو كانت طبيعة العمل مُحرمة شرعًا، أو تتعارض مع رغبة الوالدين بإتمام الدراسة على سبيل المثال، وقد تصل عقوبة الوالدين في هذه الحال إلى الحبس مدة سنة كاملة وغرامة قد تصل إلى 5000 دينار أردني.

* وكذلك المادة رقم (38) والتي تتحدث عن العنف النفسي (ممارسة التهديد أو الوعيد أو الذم أو الشتم أو الترهيب)، والتي بموجبها قد يُعاقب الوالدان بالحبس من 3 شهور إلى 3 سنوات أو بغرامة قد تصل إلى 2000 دينار، لمجرد قيام أحدهما بتعنيف الابن نفسيا، ومثل هذه المادة تسلب الأبوين سلطة تأديب الأولاد ولو قاموا بفعل شائن كشرب الخمر أو الزنا أو فعل قوم لوط... الخ.

* ومقابل تجريد الأبوين من كثير من حقوق ولايتهما على الأولاد، فإن القانون يمنح ما يُسمى بـ (مرشد الحماية) الحق في انتزاع الأولاد من بيت والديهم في حال ممارسة العنف النفسي أو غيره على أحد الأولاد، (يُنظر المادة 8 من القانون)، وفي حال عدم تقدم الأولاد بشكوى، فإنه بإمكان أي أحد من الشهود من الجيران أو غيرهم التقدم بشكوى (يُنظر المادة 12).

إن المشكلة الأساسية في مشروع قانون حماية الأسرة أنه جاء بصياغات فضفاضة تضمنت ثغرات مُتعمدة لتسريب أسلوب الحياة الغربية في المجتمع الفلسطيني، وهو يتوسع في تعريف العنف الأسري، بما يؤدي إلى تفكيك الأسرة الفلسطينية لا إلى حمايتها.