الإقتحام المتسلسل ..خطوات الإحتلال للوصول للهدف

 

يسعى الإحتلال للوصول لإطماعه وأهدافه في المسجدالأقصى وفي القدس ككل، من خلال التدرج وتمرير مخططاته الساعية للسيطرة الكاملة على المدينة المقدسة، والمتتبع لهذه المخططات يدرك بشكل تام أن سوارا من الإستيطان والأحياء اليهودية تحكم قبضتها على القدس، الأمر الذي يدعو لقراءة سريعة لأبرز هذه الخطوات التاريخية وطرق التصدي لها.

الحديث عن تقسيم المسجد الأقصى ليس بالأمر الجديد، بل ظهر هذا المخطط الصهيوني منذ إحتلال الجزء الشرقي من مدينة القدس في حزيران/يونيو من عام 1967، بالرغم أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 قضى بالإنسحاب الكامل من الجزء الشرقي من المدينة.

التدرج الزماني  للإقتحامات

ومنذ ذلك الوقت لم  تتوقف إقتحامات المسجد الأقصى، وكان من أخطر تلك الإقتحامات إقتحام مجموعة مؤلفة من 12 شاباً من حركة بيتار في 11 يوليو/تموز 1971 في محاولة لإقامة الشعائر الدينية اليهودية بداخله، وتوالت الإقتحامات التي أخذت كلٌ منها طابعها المختلف، وكان أشدها تلك التي تأتي في الأعياد والمناسبات اليهودية من خلال برامج معدة سابقا ليتسنى لكل جماعة متطرفة أن تتسابق في ذلك.

في عام 1980 أصدر الكنيست الإسرائيلي قرار أطلق عليه "قانون القدس"، والذي نص على أن القدس موحدة وعاصمة أبدية للدولة العبرية، والذي لم يحظ بأي إعتراف عالمي يذكر، سوى إعتراف الولايات المتحدة عام 1995 ودول قليلة أخرى، وفي عام 198 إقتحم أفراد من حركة "أمناء جبل الهيكل" المسجد الأقصى برفقة الحاخامات، وأرادوا الصلاة وهم يرفعون العَلم الإسرائيلي ويحملون كتب التوراة.

أما في عام 1986عقد عدد من الحاخامات إجتماعاً خاصاً قرّروا فيه بصورة نهائية السماح لليهود بأداء الطقوس في المسجد الأقصى، ثم سمحت الشرطة الإسرائيلية رسمياً -وللمرة الأولى- عام 1989 بإقامة صلوات للمُتديّنين اليهود على أبوابه.

إنتفاضة الأقصى

ولا بد لنا أن نعرج على  أبرز إقتحام والذي نفذه رئيس الوزراء الصهيوني أرئيل شارون يوم 28 سبتمبر/أيلول 2000، بحماية عشرات من الجنود والمستوطنين، واندلعت على  إثره إنتفاضة الأقصى التي إستشهد وجرح فيها آلاف الفلسطينيين.

إن شبح التقسيم الزّماني والمكاني للمسجد الأقصى ظهر بشكل جلي بعد مذبحة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل  في عام 1994  على يد المتطرف ذو الرتبة العسكرية الطبيب باروخ جولدشتاين، وفي 25 فبراير/شباط 1994 تشكّلت لجنة “شمغر” برئاسة قاضي المحكمة العليا،  وأوصت بتقسيم الحرم الإبراهيمي وفصل اليهود عن المسلمين.

أما في العام 2002 شرعت حكومة أرئيل شارون ببناء الجدار العازل في القدس بشكل التفافي تم بموجبه ضم أكبر عدد من المستوطنات إلى القدس، وعزل في نفس الوقت الكثير من الأحياء العربية والبلدات المحيطة بها، في خطة بعيدة الأمد أطلقتها إسرائيل لتغير الميزان الديموغرافي لصالح السكان اليهود، أطلق عليها إسم «القدس 2020».

التطبيق الفعلي للتقسيم

وقد بدأت فكرة التقسيم بالتطبيق فعليا على الأرض من منع المسلمين للتواجدفي الأقصى إلا في أوقات الصلوات الخمس فقط، مع وجود برنامج لدخول السائحين من الأجانب واليهود لساحاته، وهو ما جعل الإقتحام يتخذ الطابع الرسمي، الأمر الذي شجع الحركات اليهودية العنصرية إستغلال ذلك بالإقتحام اليومي فرادى وجماعات، كان ذلك مقدمة للتقسيم الزماني للأقصى.

وقد تطورت فكرة الإقتحام لتشمل  قيادات سياسية وعسكرية أو قيادات دينية أو حقوقية في المجتمع الإسرائيلي، مع مشاركة واسعة من قِبَل قضاة وأعضاء كنيست وآخرين من أجهزة الأمن الإسرائيلية المختلفة، جنباً إلى جنب مع المستوطنين المتطرفين، وبحماية رسمية من شرطة وجيش الإحتلال الإسرائيليين.

خطوات نحو التقسيم

وسنجمل أبرز الخطوات التي إتخذها الإحتلال ليصل إلى تطبيق التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى على الأرض:

أولا/  أصدرت ما تسمى وزارة الداخليّة الإسرائيلية قراراً في مايو/أيار 2006، يقضي بسحب بطاقات الإقامة الإسرائيلية من كلّ من النّواب: أحمد عطون ومحمد طوطح ومحمد أبوطير والوزير السّابق لشؤون القدس خالد أبوعرفة، تحت حجة "عدم ولائهم لدولة إسرائيل"، مما يعني طردهم من مدينة القدس المحتلة، وعدم السّماح لهم بدخولها مجدداً.

ثانيا/ في 2014 حاولت شرطة الإحتلال منع الإعتكاف في العشر الأواخر، وأدى ذلك للمواجهات مع الشرطة وإحراق مركزها المقام في الخلوة الجنبلاطية في صحن الصخرة، الأمر الذي أجبر قوات الإحتلال للتراجع عن منع المعتكفين.

ثالثا/ في 17 سبتمبر أيلول من عام 2015 أصدر الإحتلال قانوناً إعتبر فيه المرابطين في المسجد  الأقصى إرهابيون ويحاكمون في محاكمهم بهذه التهمة.

رابعا/ تركيب أبواب إلكترونية على بوابات الأقصى في 16يوليو 2017 لمراقبة الفلسطينيين الداخلين والخارجين، مع منع الموظفين في ذات اليوم للدخول إليه ومزاولة أعمالهم، وكان من أبرز وأهم الأهداف لتركيب البوابات الإلكترونية السيطرة  أمنيا على الأقصى ومحاولة إنهاء عمل حراسه الفلسطينيين.

قابل الفلسطينيون هذا الإجراء بالنفير الفلسطيني العام ورفض دخول الأقصى من خلال البوابات الإلكترونية، وإقامة الإعتصامات أمام بواباته وعمت المظاهرات في عواصم ومدن الدول العربية وبعض العواصم الأوروبية، وليس هذا فحسب بل وقام الشاب عمر عبد الجليل العبد من قرية كوبر بتنفيذ عملية طعن أسفرت عن مقتل ثلاثة مستوطنين داخل مستوطنة حلميش شمال مدينة رام الله قبل إعتقاله، واستمر هذا الحال إلى أن تم إجبار الإحتلال  في 25 يوليو من ذات العام لإزالة البوابات الإلكترونية وأي مظاهر إحتلالية أمنية على بوابات الأقصى.

خامسا/ تركيب كميرات مراقبة بعد أربع شهور من إزالة البوابات الإلكترونية أي في شهر نوفمبر تشرين ثاني من نفس العام، وقد كانت تلك الإجراءات بأمر من وزير الأمن الداخلي في حينه جلعاد أردان بحجج مختلقة، وذلك للسيطرة الأمنية ليس فقظ على مداخل الأقصى وساحاته، وإنما أيضا لخنق الفلسطينيين في أحياء المدينة القريبة من الأقصى.

سادسا/ تحديد الفئات العمرية التي تدخل من الفلسطينيين للصلاة في الأقصى، والتي تقتصر في الغالب على ما فوق الخمسين، بالإضافة لمنع الإعتكاف إلا في العشر الأواخر من رمضان، هذا بالإضافة للعراقيل الأخرى على الحواجز، وفي ديسمبر/كانون الأول 2017 كخطوة غير مسبوقة تجول  مجموعة من المستوطنين في مصلى قبة الصخرة.

سابعا/ 16 يناير/كانون الثاني 2018: الإحتلال قام بمنع موظفي لجنة الإعمار في دائرة الأوقاف الإسلامية من ممارسة عمليات الترميم والصيانة في كافة أرجاء المسجد الأقصى.

ثامنا/ وكخطوة متقدمة في الإعلان بشكل صريح عن نواياهم وبدعم من الأمريكان، في  22 مايو/أيار 2018 ديفيد فريدمان لسفير الأميركي لدى إسرائيل يتسلم من إحدى الجمعيات المتطرفة صورة لمدينة القدس يظهر فيها الهيكل المزعوم مكان المسجد الأقصى المبارك.

تاسعا/ وضعت الشرطة الإسرائيلية في 19 فيراير  أقفال جديدة خلسةً على باب مصلى الرحمة، مخافة فتحه من قبل الأوقاف، لكن وبعد ثلاثة أيام إحتشد المصلون بالآلاف في المنطقة الشرقية بعد دعوات الحشد وشد الرحال للأقصى، وكسروا الأقفال وتمكنوا من فتح  باب الرحمة المغلق منذ عام 2003.

عاشرا/ 10 مارس/آذار 2019: تجديد الدعوات من قبل "اتحاد منظمات الهيكل"للمشاركة الواسعة في إقتحام المسجد الأقصى، لبسط السيطرة الإسرائيلية على المكان وتحويل مصلى باب الرحمة إلى كنيس يهودي يحمل إسم "كنيس باب الرحمة".

وبعد شهرين من تلك الأحداث إقتحم نحو 1200 مستوطن المسجد الأقصى، وذلك خلال العشر الأواخر من شهر رمضان، ودارت مواجهات عنيفة تصدى خلالها المعتكفون لقوات الإحتلال والمستوطنين الذين لبوا دعوات منظمات الهيكل لإقتحام الأقصى إحتفالا بما يسمى "توحيد القدس"، وبدأت تظهر قكرة التقسيم المكاني.

حادي عشر/  إبعاد الناشطين والمرابطين عن المسجد الأقصى بقرارات من المحاكم الصهيونية، بالإضافة إلى قرارات الحبس المنزلي بحق أهل القدس، وذلك للإستفراد في المسجد الأقصى، والسماح للمستوطنين لإداء شعائرهم في ساحاته.

ثاني عشر/ الترهيب بعمليات التصفية الجسدية والتي كان آخرها إستشهاد الطبيب محمد العصيبي من سكان قرية حورة في النقب المحتل في 1يناير الماضي من هذا العام 2023على يد شرطة الإحتلال بعد محاولته الدفاع عن فتاة كانوا يعتدون عليها بالضرب قرب باب السلسلة.

ثالث عشر/ إقتحام  قوات الإحتلال الإسرائيلي للمسجد الأقصى، فجر أربعاء 5 إبريل الماضي من هذا العام في شهر رمضان المبارك، واعتدت بالضرب على المعتكفات وكبار السن واعتقلت المئات من الشبان، وعقب إخراج المعتكفين والمصلين، إقتحم مستوطنون باحات الأقصى تحت حراسة مشددة من قوات الإحتلال الإسرائيلي، وردا على إقتحام المسجد الأقصى والإعتداء على المعتكفين داخله، أطلقت المقاومة الفلسطينية صواريخها باتجاه المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، الأمر الذي أدى لوقف الإقتحامات.

رابع عشر/ يوم 18 أيار الماضي من هذا العام شارك الآلاف من المستوطنين  في القدس في "مسيرة الأعلام" بمناسبة "يوم القدس" لإحياء ذكرى "إعادة توحيد" المدينة بعد إحتلال شطرها الشرقي إثر حرب حزيران/يونيو 1967، وإنطلقت المسيرة من مركز المدينة في القدس الغربية، لأداء رقصة الأعلام في طريقهم إلى الحي الإسلامي في البلدة القديمة، بمشاركة وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش.

خامس عشر/ في يوم 21أيار الماضي من هذا العام إجتمع  نتنياهو  بأعضاء حكومته في نفق تحت المسجد الأقصى المبارك، وذلك بعد ساعات قليلة من اقتحام بن غفير  باحات الأقصى.

 

التوصيات

الورقة القوية والأولى  في الدفاع عن الأقصى هي "الرباط والمرابطين"، فهم خط الدفاع الأول، وبصمودهم يتراجع الإحتلال عن السير قدما في مخططاته.

الأمر الثاني هو مساندة أهل القدس للمرابطين، و دعم  فلسطيني الداخل المحتل، وتوافد أهل الضفة وشد الرحال إليه بشكل دائم والتواجد فيه، وتشكيل وحدة واحدة وتظافر الجهود في سبيل الدفاع عن مقدساتهم. 

التواجد الدائم للصلاة على أبواب الأقصى للممنوعين من الدخول إليه من أهل القدس، ورفض الإنصياع للقرارات الصادرة من قبل محاكم الكيان.

تفعيل دور الإعلام المرئي والمسموع والممقروء في قضية الحشد والرباط، وخاصة في أعياد الإحتلال لأن الهجمة الأشد على الأقصى من قبل المستوطنين تكون في تلك المناسبات.

تفعيل قضية القدس والأقصى في الساحات الدولية، من خلال الجهات الرسمية والمجتمعية، لكشف مرامي الإحتلال .

تشكيل لجان قانونية في الداخل والخارج الفلسطيني لمتابعة نقض المحتل للإتفاقات الموقعة مع الجانب الفلسطيني ومحاولة تجريمه دوليا.

على وزارة الأوقاف الأردنية القيام بواجبها وعدم التساوق مع المحتل وتمرير ما يمليه عليها فيما يصب في مصلحته.

تشكيل لجان باسم المعتكفين والمرابطين؛ تقوم بالتواجد بشكل دائم في المسجد الاقصى على هيئة مجموعات تتبادل الأدوار فيما بينها لمنع إستفراد الإحتلال بالحرم القدسي .

وجب على الهيئات الشعبية والرسمية العربية دعم ومساندة القضايا المتعلقة بالقدس والأقصى على وجه الخصوص، وأن يتعدى الدعم الوقفات والمسير ات على أهميتها .

خلاصة الحديث عن الخطوات  والقرارات التي إنتهجتها حكومات الكيان المتعاقبة وعلى مختلف مسمياتها، بحق مدينة القدس وأحيائها وسكانها، والقيود المتزايدة من عام 1967 لغاية اليوم على الأقصى والمصلين، والتي يحاول هذا المحتل أن يفرضها كواقع  يومي يكرسها ليس فقط للتقسيم الزماني والمكاني فحسب بل لتهويد المسجد الأقصى، لتنفيذ أطماعه الكبرى في إستكمال الخطوات العملية التي تصب بحلم الصهاينة بهدم قبة الصخرة وإقامة هيكلهم المزعوم.

 

الكاتب والمختص بالشأن الإسرائيلي

 

محي الدين نجم