مقاومة بنكهات مختلفة..
في العام 1087 دخل الشعب الفلسطيني عهدا جديدا من المقاومة الجماعية مع انطلاق الانتفاضة الأولى، ومنذ ذلك الحين لا يكاد يمر على الساحة الفلسطينية بضع سنوات إلا وتنطلق انتفاضة جديدة وبنكهة مختلفة. منذ ذلك الحين أصبحت المشاركة الشعبية للمقاومة على نطاق واسع.
ففي انتفاضة الحجارة 1987 انطلق جيل جديد - جيل ما بعد النكسة – يقاوم الاحتلال، فكانت انتفاضة ذات سمات عديدة، أهمها أنها كانت انتفاضة شعبية شارك فيها الشعب بشبابه وفتياته على أوسع نطاق، وأنها كانت انتفاضة طابعها المقاومة الشعبية بدءا بالحجارة وما رافقها من إطارات وكتابات على الجدران وزجاجات فارغة وحارقة، حتى أصبح الحجر عنوان المرحلة.. تطورت الانتفاضة بشكل محدود، فاستخدمت السكاكين والقليل من السلاح الناري والمتفجر مع بقاء الحجارة في الصدارة. إلا أن أبرز نتائج هذه الانتفاضة أنها رسخت معاني المقاومة في أذهان الشعب الفلسطيني، ونقلته الى إطار الفعل الجماعي.
وفي العام 2000 اندلعت أحداث انتفاضة الأقصى، الانتفاضة الأشرس في تاريخ الشعب الفلسطيني والمحطة الأقسى على الاحتلال، فقد زادت خسائره البشرية والمادية عن أي حرب خاضها بعد قيام دولته.
امتازت هذه الانتفاضة بالإضافة الى شراستها أنها انتفاضة مسلحة، استخدم فيها أنواع السلاح الناري الخفيف والمتفجر. وشملت المواجهة ساحات الوطن وليس الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، بالإضافة الى مشاركة شعبية واسعة.
أما السمة التي أريد أن ألقي الضوء عليها فهي أن العمل المقاوم في هذه الانتفاضة كان تحت رعاية تنظيمية بشكل كبير، بمعنى أن الفصائل هي التي حرضت وجندت ومولت ووجهت، وعناصرها في الغالب هم الذين نفذوا، فكانت الفصائل هي اللاعب الأساسي فيها مع وجود لاعبين اخرين.
أما المحطة الثالثة التي نقف عندها فهي انتفاضة القدس عام 2015، والتي جاءت بصورة مغايرة عما سبق، ولعلها أقل الانتفاضات الثلاث انتشارا وفعالية واستمرارية.
امتازت هذه الانتفاضة بسمة هامة وجديدة وهي طغيان العامل الفردي حتى أطلق عليها الاحتلال انتفاضة المنفردين) وأطلق على المنفذين (الذئب المنفرد). ذلك أن الشاب الفلسطيني الذي مارس الفعل المقاوم كان شخصا عاديا غير منخرط في العمل التنظيمي فتأثر لحدث ما، وقرر أن ينفذ عملا مقاوما فلم يستشر أحدا ولم يخبر غيره ولم يطلب تمويلا من أحد، فأمتشق سلاحه الذي كان معظمه السكاكين، ونفذ في المكان والزمان الذي انقدح في ذهنه. كان وقود هذه الانتفاضة الشباب صغار السن نسبيا، وكان لمنطقة القدس نصيب الأسد من المنفذين.
محطتنا الأخيرة هي الأحداث الراهنة، التي أخذت شكلا جديدا يختلف عن كل ما سبق... فهي لم ترقى لتكون انتفاضة شعبية، لأنها ليست شاملة لقطاعات المجتمع، وهي نشطة حتى الان في مراكز وبؤر محددة أكثر من انتشارها على جميع مساحات الضفة. تتركز في الشمال مع وجود بعض الأنشطة في الوسط الجنوب. وتتركز في المخيمات والبلدات القديمة من المدن أكثر من تركزها في الأرياف.. فهذه المناطق عملت عمل المناطق أ في انتفاضة الأقصى، وشكلت حاضنة وملاذ آمن نسبيا للمقامين دور الفصائل فيها مختلف، فهو داعم من الخلف أكثر مما هو مباشر. فهي لا تشبه انتفاضة الأقصى في مسؤولية الفصائل المباشرة، ولا تشبه انتفاضة القدس في غياب الدور التنظيمي.
تشكلت فيها أجسام ثورية لم تكن موجودة من قبل، حتى أصبحت هذه الأجسام عناوين مرحلة، كعرين الأسود والكتائب المتفرقة في الضفة والتي سميت بأسماء مناطقها ككتيبة جنين وكتيبة طولكرم وكتيبة بلاطة... الخ. واشتركت الفصائل بنسب متفاوتة في هذه الأجسام، وعمل أفرادها معا فظهر اللون الحزبي أحيانا واختفى أحيانا أخرى، وفي كل الأحوال عمل الجميع معا، وظهر فيها جيل لمم يكن له سابق عهد بالمقاومة _ دون أن نغفل بعض الأسماء الكبيرة _ بعكس انتفاضة الأقصى وبما يشبه انتفاضة القدس.
اذا نحن أمام لون جديد من المقاومة، وابداع لهذا الشعب توصل اليه بفعل الضغط والحاجة. فجميع الأشكال السابقة لم يكن لها أن تنجح ضمن المعطيات الحالية للضفة الغربية. ولا زالت هذه المرحلة قائمة ولما تنتهي بعد، ولا زال في جعبتها ما قد يظهر مع الأيام.