هل نحن أمام انتفاضة الاقصى الثانية؟ !

في الشارع الفلسطيني... بات من الطبيعي أن ترى مجموعة من المقاومين ترتدي زيا عسكريا، وتحمل أسلحة نارية خفيفة، تجوب شوارع وأزقة أحد المخيمات، أو تقف خلف أحد المتاريس التي نصبتها لصد جنود الاحتلال.

وفي الاعلام الفلسطيني بات من الطبيعي أن تسمع كل يوم صدور بيان عسكري باسم كتيبة ما، أو ظهور مقطع فيديو لمجموعة مقاومين يشتبكون مع عدوهم أو ينعون رفيقهم في السلاح أو يجرون تدريبا، أو أن تسمع انطلاق كتيبة جديدة، حتى باتت الكتائب المقاومة تنتشر على خارطة الضفة الغربية بعد أن كانت مقتصرة على الشمال.. بدأ" من مخيم جنين والبلدة القديمة في نابلس، مرورا بطولكرم ثم مخيم نور شمس، وصولا إلى قباطية فطوباس،  وفي الجنوب كانت البداية من مخيم عقبة جبر في أريحا، ثم مخيم الجلزون في رام الله، وليس انتهاء ببيت أمر في الخليل.. إذا هكذا بدا مشهد المقاومة في الضفة الغربية.

الصحفي الصهيوني باروخ يديد- القناة ١٤ يصف المشهد الفلسطيني فيقول: أكثر من عشرين كتيبة فلسطينية مسلحة تنتشر في جميع أنحاء الضفة الغربية، ليس فقط في جنين ونابلس، بل أيضا في الانوار وطولكرم.. اذاً فالأمر أصبح ظاهرة وليس عابرا.

الظاهرة الثانية التي يتخوف منها الاحتلال هي اتساع رقعة توجهات المقاومين، فالأمر لم يعد مقتصرا على فصائل المقاومة بل تعداه إلى اشتراك العديد من عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية.. وقد عبر العديد من الصحفيين الاسرائيليون والمختصون في الشؤون العربية مستندين إلى تقديرات أمنية أن اتساع الظاهرة وانخراط عناصر من أجهزة السلطة يدق جرس إنذار لدى الأجهزة الأمنية الصهيونية. وأن الإنذارات من قرب وقوع عمليات بات أمرا يوميا.

الظاهرة الثالثة التي لم تعد تخفى على مراقب أن هذا الكتائب بدأت تطور أداءها بحيث أصبحت قادرة على التنبؤ بسلوك عدوها والتملص - جزئيا - من كمائنه، الأمر الذي لم يكن سابقا. ولعل تجربة مخيم نور شمس تعطي مثل هذا الانطباع. بمعنى أن التخوف الأمني الاسرائيلي أصبح من صعوبة اقتلاع هذه الظاهرة، وأن مرور الوقت ليس كفيلا بانهائها كما كان يظن الكثير، بل هو مدعاة لتجذرها وازدياد صلابتها.

والظاهرة الرابعة وآخر ما نتوقف عنده في هذا التحليل هو ذاك المشهد اللافت وغير المسبوق والذي يبدو انه قد يشكل حدثا لافتا له ما بعده رغم بساطته الظاهرة. المشهد الذي رأيناه في شوارع نور شمس بعد دقائق من انسحاب قوات الاحتلال الضخمة دون أن تحقق أيا من أهدافها، بل انسحبت مع جرحاها.. بعد دقائق نزل المقاومون إلى الشارع، وانطلقت الجماهير الحاشدة تحملهم على الأكتاف، تحتفل بهم، وتغني لهم أهازيج الابطال وتشيد بإبداعهم ويقظتهم، حتى الأم الفلسطينية، أمهات بعض هؤلاء المقاومين المطاردين خرجت تحتفل بإبنها تشجعه وترفع من همته.

والشاهد هنا أن الاحتلال جاء إلى المخيم لقتل هذه الظاهرة، بقتل المطاردين ليكونوا عبرة لغيرهم، فإذا بهؤلاء يصبحوا أبطال بعيون شعبهم، ومصدر الهام للشباب الناشئ، مما يعني أن الحدث أصبح زيتا يصب على النار يشعلها، بدلا من أن يكون ماءا يطفؤها.

الخلاصة أن هذه الظواهر.. الانتشار الجغرافي، والاتساع البشري، وتعمق التجربة والخبرة، وتغلغل الفكرة في النفوس يشير إلى تصاعد متوقع في المشهد وعدم قدرة العدو على انهائه او قمعه وهو يعيد الى الأذهان مشاهد انطلاق انتفاضة الأقصى عام 2000.