خرافة معاداة السامية

في السنوات الأخيرة، باتت معاداة السامية أكثر العبارات ظهوراً على نحو ممل في جميع الصحف والقنوات ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث تزايد حضورها في الفضاء العام مع ازدياد الاعتداءات الصهيونية على الشعب الفلسطيني، والغريب بالأمر أن هذه العبارة لا تستخدم لحماية الفلسطينيين أمام التجبر الصهيوني، بل تستخدم لحماية الاحتلال وأفعاله المشينة.

يحاول العالم دائما حماية دولة الاحتلال من اتهامات معاداة السامية من خلال تجاهل معاناة الشعب الفلسطيني والتواطؤ مع دولة الاحتلال بقطع الطريق على أي محاولات تدين جرائمه. 

 

دولة الاحتلال تلجأ إلى فزاعة معاداة السامية في جميع الأوقات التي تتعرض بها للإدانة على جرائمها، ولذلك أعتقد أنه من المهم تفنيد الحجج التي يعتمد عليها الاحتلال في إبقاء هذه الفزاعة قائمة، وتكمن ضرورة الأمر في خلق مجال مفتوح لجميع الجهات سواءً كانت حكومات أو أفراد أو جمعيات حقوقية لتوجيه الاتهامات في وجه دولة الاحتلال دون خوف او عمل حساب لردود الأفعال المتوقعة من الصهاينة. 

 

** الحجة الأولى:

لو عدنا في الأمر إلى الجذور، فكلمة “السامية" تستخدم للإشارة الى الساميين وهم ينسبون إلى سام بن نوح عليه السلام، وعادة ما يشار بهذا المصطلح إلى الشعوب الساكنة في شبه الجزيرة العربية، وفي بلاد النهرين (العراق القديم)، وفي المنطقة السورية (سكان سوريا ولبنان وفلسطين).

 

وأما عبارة "معاداة السامية" فتعني حسب موسوعة الهولوكوست، كراهية وحمل أفكار معادية لليهود، وتعود أصول هذا المصطلح إلى القرن التاسع عشر، عندما قام الصحفي الألماني “ولهام مار"باستخدامه لأول مرة للإشارة إلى كراهية اليهود خلال القرنين الثامن والتاسع عشر. وهذا المصطلح يحمل العديد من المغالطات التاريخية، فاليهود الأوروبيين الذين جاءوا به لا يمكن اعتبارهم من الساميين، فهم يعيشون في أوروبا منذ سنة 70 بعد الميلاد بعدما طردهم الرومان من فلسطين وشتتهم في جميع بقاع العالم، فخلال هذه المدة الطويلة تعرض اليهود إلى عوامل كثيرة جعلتهم يفقدون المواصفات السامية ويكتسبوا المواصفات الأوروبية، ومنها العوامل المناخية والجغرافية، والمصاهرة بين الأوروبيين واليهود، واعتناق عدد كبير من اليهود للمسيحية سواء طوعاً او كرهاً بسبب اضطهاد الكنيسة لهم. 

 

لا يمكن اعتبار اليهود في فلسطين من الشعوب السامية، فهم مجرد أوروبيون جاؤوا الى فلسطين لسرقتها واحتلالها، وإحلال وجودهم على حساب شعب آخر تواجد على الأرض منذ آلاف السنين.

 

** الحجة الثانية:

صرح ديفيد هاريس، رئيس اللجنة اليهودية الأمريكية، في إحدى المرات: "إنكار حق الشعب اليهودي، من بين جميع شعوب الأرض في حق تقرير المصير و هو بالتأكيد يعتبر تمييزاً ".

 

وقد نسي هاريس في تصريحه عن جميع شعوب الأرض، أن الأكراد ليس لديهم دولة وكذلك الباسك 
والكتالونيون والأسكتلنديون والكشميريون والتبتيون والأبخازيون والأوسيتيون واللومبارديون والإيغبو
والأورومو والأويغور والتاميل، وغيرها العشرات من الشعوب الأخرى التي أنشأت حركات وطنية
ساعية الى تقرير المصير ولكنها فشلت في النهاية.

 

ومع ذلك، لا يُشار إلى أي شخص يعارض وجود دولة كردية أو كتالونية بأنه شخص متعصب أو معادٍ للأكراد أو للكتالونية،فمن المعروف أن الدول القائمة على القومية العرقية - الدول التي تم إنشاؤها لتمثيل وحماية مجموعة عرقية معينة - ليست الطريقة الشرعية الوحيدة لضمان النظام العام والحرية الفردية،ففي بعض الأحيان يكون من الأفضل تعزيز القومية المدنية ، وهي قومية مبنية على الحدود بدلاً من التراث، فعلى سبيل المثال جعل الهوية الإسبانية أكثر شمولاً للهوية الكتالونية أو الهوية العراقية أكثر شمولاً للأكراد ، بدلاً من تقطيع تلك الدول متعددة الأعراق.

لا يمكن للصهاينة استيعاب ذلك، فهم يطالبون العالم بالاعتراف بحقهم في تقرير المصير، بينما ينكرون ذلك على الشعب الفلسطيني.

 

** الحجة الثالثة:

يدعي الصهاينة أن معاداة السامية تستهدف حرمانهم من الوجود في كيان يمثلهم، فلو عدنا إلى لغة الأرقام، يبلغ عدد السكان في دولة الاحتلال الإسرائيلي تسعة ملايين نسمة، نسبة اليهود منهم 47% والعرب 20% وبينما الأعراق والديانات الأخرى تصل إلى 4%، ولا يمكن نسيان وجود خمسة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة يقبعون تحت السيطرة الإسرائيلية سواء المباشرة أو غير المباشرة.

 

فدولة إسرائيل تقوم على القومية العرقية، والتي من خلالها تحصل مجموعة عرقية واحدة على حقوق وامتيازات أكثر من غيرها، ولكن وحسب الأرقام إذا قررت دولة الاحتلال تقديم حقوق متساوية إلى الفلسطينيين، فهذا يعني نهاية حقيقة الأغلبية اليهودية في دولة متساوية. وفي حال قيام أي جهة بالتطرق إلى هذا الموضوع، فمن المؤكد أنه سيقع تحت دائرة اتهام معاداة السامية.  

 

** الحجة الرابعة:

من المثير للغرابة أن معاداة السامية اليوم أصبحت تتطابق مع معاداة الصهيونية، فهل يعقل أن تتصالح العنصرية مع معاداة ومناهضة العنصرية، فإن كان جميع مناهضي العنصرية عنصريين، إذن جميع من يعادي الصهيونية هم معادون للسامية، و نحن نتحدث هنا عن أمرين متناقضين تماماً يستحيل لهما الالتقاء. 

 

الغرب الذي يدافع اليوم عن إسرائيل تحت حجة الوقوف في وجه معاداة السامية، هو نفسه من أقام دولة إسرائيل بسبب معاداته للسامية، و معظم قادة العالم دعموا قيام دولة احتلال لليهود في فلسطين بسبب رغبتهم في التخلص من الوجود اليهودي على أراضيهم.

 

فقبل قيام وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور بدعم إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين في عام 1917
فيما يعرف ب "وعد بلفور"، كان قد دعم قانون الخاص ب
الأجانب لعام 1905 الصادر عن الحكومة
البريطانية للحد من الهجرة اليهودية الى بريطانيا، وفي ثلاثينيات القرن الماضي ، تبنت الحكومة البولندية
نهجًا مشابهًا، حيث قام حزبها الحاكم اليميني والذي استبعد اليهود، بتدريب المقاتلين الصهاينة في القواعد
العسكرية البولندية و ذلك لأنها أرادت أن يهاجر اليهود البولنديون الى دولة خاصة بهم، و اليوم  تجد
أصداء هذه الصهيونية المعادية للسامية بين بعض المسيحيين الأمريكيين اليمينيين الذين هم أكثر صداقة
مع يهود إسرائيل من يهود الولايات المتحدة، فرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق نتنياهو صرح في
عام 2005 "ليس لدينا صديق أعظم في العالم كله من بات روبرتسون"، بات روبرتسون هو نفسه
من قام لاحقاً بوصف القاضي السابق في سلاح الجو الأمريكي ميكي واينشتاين بأنه " يهودي متطرف"
بسبب تشجيعه للحرية الدينية في الجيش الأمريكي.

 

هل جميع اليهود في العالم يدعمون قيام دولة إسرائيل؟ الجواب الحقيقي لا، فاليهود الذين لا يُعتبرون مواطنين إسرائيليين ولا يتعاطفون مع وجود دولة إسرائيل،

يَعتبرون وضعهم في خانة الاتهام مع الصهاينة معاداةً للسامية، ومن الأمثلة عليهم جماعة “ساتمار” اليهودية، وهي واحدة من أكبر الجماعات الحسيدية في العالم، ومناهضة بشدة للصهيونية ولا تعترف بدولة إسرائيل، حيث ترى الجماعة عدم وجوب أن تكون هناك دولة يهودية قبل ظهور المسيح المنتظر.

وهنا تكمن معضلة عبارة معاداة السامية، فهي تضع الصهاينة في دولة الاحتلال مع غيرهم من اليهود تحت خانة واحدة، وفي ذات الوقت تُعفي دولة الاحتلال من جرائمها بحق الشعب الفلسطيني.

 معاداة السامية ليست خطأ لأنه من الخطأ تشويه سمعة اليهود وتجريدهم من إنسانيتهم، معاداة السامية تصبح خاطئة لأنه من الخطأ تشويه سمعة أي شخص وتجريده من إنسانيته، والمقصود في نهاية المطاف،
إن أي جهد لمحاربة معاداة السامية التي تساهم في تشويه صورة الفلسطينيين وتجريدهم من إنسانيتهم
​​لا يمثل محاربة لمعاداة السامية على الإطلاق.

 

** المراجع:

 

bit.ly/3wb1f4vاليهود وفكرة العداء للسامية

 

bit.ly/3ykPqLFمن هم الساميون

 

bit.ly/39xNpS2إحصائية جديدة تكشف عدد سكان إسرائيل ونسبة العرب بينهم

 

bit.ly/3P32R90    Aliens Act 1905 - Wikipedia

 

bit.ly/3MWU6M1Debunking the myth that anti-Zionism is antisemitic | Antisemitism | The Guardian