صِناعةُ الخَوف للمواطن

تُبين صناعة الخَوف نفسها كَقطاع جد مُربح مالياً واقتصادياً ومفيد سياسياً .. وكقطاعٍ يسهم في الضبط والتَّحكم بشكل ناجع ، وكقطاع ذو رأسمال إنتاجي ضَخم ، فالمادة الخَام موجودة في النفس البشرية ،وتشكيلها ،والتَّلاعب بها ،لا يحتاج إِلا إلى إثارة الحَوافز المقلقة والمخيفة، وتضخيمها مِثلما تُضخم البَالونات الملونة ببعض الزفرات القوية .

أنا خائف ...

هذَا ما يتطلبه الأَمر كي تَنتعش مَجموعة من القطاعات الحيوية في المُجتمع ، بدءا بغير المُهيكلة منها ، كالشعوذة ،وزيارة الأَولياء ، والسقوط بذل واضِح أَمَام أَقدام العرافات ، والمُهَربين الدينيين ... ومرورا بالمهيكلة منها كوزارة الصحة والقِطاع الصيدلي ، فتكثر عيادة الأَطباء ، ويكثر إستعمال العقار وراء العَقار ... وإنتهاءا بقطاعات الحماية والأَمن التي يبررها الخَوف ، ويُبرر ما تقوم به من إنتهاكات حَسيمة لحقوق الإِنسان .

الخَوف طبيعي ، هَذا مما لا شك فيه ، لكن ما لاشك فيه أَيضا أنه اصطناعي وموهوم وتنميطي ، وعن هذا الخَوف يتحدث المَقال ، فَمن العادي جدا أن يخاف المرء ويطمئِن تبعا لشروط قاهرة ، وليس من العادي إِطلاقا أَن تَتحول هذه الشروط إلى فقاعة يتم إنتاجها لِتخلقَ الخوف .

ما يَحصل تحديدا هو إنتاج شُروط غير قائمة أَصلا لتذكية الخَوف في النُّفوس ، فترى حَالات الحوف المرضي كحالات الإِصابة بالجُذام في بداية القَرن التاسع عشر وأكثر ...

النَّاس خائِفون من لاَشيء ، وخائفون من أشياء غَير موجودة ، وعلى قدم ٍوساق يُحاربون خوفهم بشتى الطُّرق ، لذا يكونون كَفراخ الطير التي اعتقدت شبكة الصيد بركة ماءٍ زلاَل .

يمكن القول أنَّ هناك سياسة مُمنهجة لصناعة الخَوف، والتي تُبرمجُها مؤسسات دولية من أَجل تَحقيق أهدَاف واضحة وخفية . هذه النُّقطة تذكرنا بمسأَلة مرض أكورونا الذي جَيش الخوف في نفوس الأَفراد والدول والمنظمات الصحية، حيث إقْتنت أَمصال بالملايير لم تعالج أَي شيء . هنا لا أنفي حقيقية المَرض ولا أؤكده، لَكني أَتحدث عن كيفية صناعَة الخوف، الذي روج مَلاييرا هامة في مُؤسسات كانت تَتحدث عن وجود أزمات مالية بِها .

قس عَلى هذا الأَمر أُمور آخرى كثيرة ، يربطها جَميعا الإِحساس غير السوي بالخوف .

يمكن تَشبيه ما يَحدث مع الخوف بالتهديد بسِّلاح أَبيض بلاستيكي مُصوب جهة القلب ، آمرا صاحب السكين الضحية بالدفع أو الموت ؛ الخَوف يُذهب الرؤية المدققة للسِّكين ،وإِن تَمَّ التأكد من أن السكين ذا طبيعة بلاستيكية لا غير ، فَبقايا الخوف تُنعشها موجات الشك ، مِما يجعل اليقين يذهب ليحل محله الخوف التام .

الحروب ليسَت بدعا في هذه المسألة ، بل إِن ارتبَاطها بصناعة الخوف كارتباط الجنينن بالحبل السري ،وهذا ما يَجعليني أَجزم أن الكثير من الفضائع التي يسوقها اليوتوب منها الحقيقي ومنها المصنوع، وكلاهما يُؤديان نفس المهمة ؛ الإِحساس الشديد بالخوف ، والإقتناع التام بالتخلي عن الكثير من الجرأة ، والتحلي بالذل والإنصياع ...عن هذا الأَمر أقول أَن كل الأنظمة إن لمْ تقتل حقيقة ،وتجزر ؤوس الأَبرياء ،وترجم الَنسَاء ، فَهي سَتقْتُل مَجازا وصناعة وصورة ،كما فَعلت أَمريكا في أَحَايين كثيرة حين دَعمت الخوف مِن قوتها بالأَفلام ،والمقاطع المسربة عن أشياء غير حقيقية ،وكَما فعل غيرها ...

الخائف كائنٌ يَسهل التَّحكم فِيه بَعد هدووء رجته التي تَعقب الخَوف الشَّديد ، يمكن التلاعب بدماغ الخائف ، ويُمكن إقناعه بأي مُخططات لا إِنسانية ولا حقوقية ؛ ألمْ تكن قوانين الطَّوارئ المخزية في العاَلم العربي نتيجة إِقناع النَّاس برعب قادم لا محالة ؟؟؟ حِينها كَان الخوف هو من أَيد القانون المخزي وغير المرغوب فيه . يجب أن يتضخم الرعب كي يَتَضخم الخَوف ، في حين تَقول السياسة الناجعة والديمقراطية أَنه من الواجب مُحاصرة ، لا تضخيم ، الرُّعب ،دون العمل على إِخافة المُواطن ، فالخوف هو رعب آخر يَشل كل إمكانات الفرد والجماعة ويسهل التلاعب بهما .

الخوف يثير مسألة آخرى ، وهي أَنّهُ يَجعلنا نَتبنَّى سياسة اللافعل ، ومِثلما يُشل الفرد عن الفعل تشَل الجماعة والمؤسسات والهيئات ، هكذا نُقَرر الهرب بدل المواجهة العقلانية لمسببات الخوف ،نَنتظر لا غير زوال مُسببات الخوف بدل علِاجها ، أَو ندخل في دوامة علاج الخوف نفسه دون منحنا قُوة عقلاَنية لمواجهة أسبابه الحَقيقة أَو الواهية .

أَخيرا يبقى الخوف أسلوبا نَاجعا للتَّحكم ، مثل قطعان الجاموس بعد خَوفها وارتعابها وهيجانها تُنفذ طَاقتها وتجدها مُستسلمة لأَنياب الأُسود أَيضا يمكن تشبيه بعض الجماعات والمجتمعات التي تطغى فيها الغريزة على الثقافة..